الوقت - في الأيام الماضية، أعلنت الإدارة الأمريكية عن إرسال الرئيس دونالد ترامب رسالةً إلى مسؤولي الجمهورية الإسلامية، وكشفت وسائل الإعلام الأمريكية أنه حدّد مهلة شهرين لبدء المفاوضات.
وسط ردود الفعل على مضمون الرسالة، كشف سفير إيران في العراق عن شرط الرئيس الأمريكي المتمثل في حل الحشد الشعبي العراقي، يستعرض هذا المقال أسباب هذا المطلب الأمريكي، ودور الحشد الشعبي في إفشال مخططات واشنطن بالعراق والمنطقة، والتداعيات المحتملة لحله.
1. دور الحشد الشعبي في تعطيل المخططات الأمريكية بالعراق
تمتد محاولات الولايات المتحدة لاستئصال قوات الحشد الشعبي من الهيكل السياسي والعسكري العراقي، إلى تاريخ تأسيس هذه الكتلة الشعبية المتجذرة في عمق المجتمع العراقي، ومن هنا، فإن الطلب غير المعقول واللامنطقي لترامب من إيران بتفكيك كيانٍ ذي هويةٍ راسخةٍ وقاعدةٍ جماهيريةٍ متينةٍ، يُظهر بوضوح الدور المحوري لهذا التنظيم -كجزء من محور المقاومة- في إفشال المخططات الأمريكية الخبيثة بالعراق والمنطقة خلال العقد الماضي، كما يؤكد فشل كل محاولات البيت الأبيض الأخيرة لإضعاف هذه القوة، سواء عبر الضربات العسكرية المتكررة، أو العقوبات الاقتصادية، أو إثارة الفتن الداخلية، أو الحملات الإعلامية.
لقد بلغت واشنطن مرحلة اليأس الاستراتيجي أمام الحشد الشعبي، ومع ذلك، تواصل التهرب من الاعتراف بفشل سياساتها التدخلية في العراق، عبر اتهام هذه القوات بالتبعية لإيران.
الإنجازات البارزة للحشد الشعبي
منذ تأسيسه، عزز الحشد الشعبي التلاحم الوطني لمواجهة المؤامرة الكبرى المتمثلة بظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، مسجّلاً أداءً مشرفاً في القضاء على هذه الجماعة، وإفشال المشروع الأمريكي الرامي إلى زعزعة استقرار العراق.
في فترة رئاسته الأولى، اضطر ترامب لزيارة قاعدة عسكرية أمريكية في العراق سراً، واصفاً ذلك بـ"إهانة لواشنطن" رغم إنفاقها 7 تريليونات دولار دون تحقيق مصالحها.
استغلت الولايات المتحدة بادئ الأمر ظهور "داعش" في العراق وسوريا لتبرير وجودها العسكري، إلا أن الحشد الشعبي لعب دوراً محورياً في سحق التنظيم، ليصبح لاحقاً عموداً رئيسياً للأمن العراقي في مواجهة المخططات الانفصالية والدفاع عن وحدة البلاد.
أدى تعزيز القدرات الدفاعية للحشد الشعبي، إلى تقويض شرعية الوجود الأمريكي والناتو في العراق، وزيادة المطالبات الشعبية والبرلمانية بطرد القوات الأجنبية، وقد تصاعدت هذه المطالب وخاصةً بعد عملية "طوفان الأقصى" والدعم الأمريكي الكامل للعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أصبحت القوات الأمريكية درعاً لحماية الكيان الصهيوني أمام عمليات المقاومة، ما زاد التوترات مع الحشد الشعبي.
رداً على الضربات الجوية الأمريكية غير الشرعية، نفذت فصائل مقربة من الحشد هجمات متكررة على قواعد واشنطن بالعراق، ما دفع ترامب لاعتبارها تهديداً للوجود العسكري الأمريكي، ورأى في حلّ الحشد حلاً لتقليل المخاطر.
كما تسعى الولايات المتحدة إلى منع تحول العراق إلى جبهة جديدة ضد الكيان الصهيوني، في محاولة لتحسين الوضع الأمني المتردي لـ "إسرائيل"، تسعى واشنطن إلى إعادة هندسة المعادلة السياسية العراقية، ودفع الحكومة لمزيد من الارتباط بالغرب، مع إضعاف المؤسسات المستقلة (مثل الحشد الشعبي).
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تعاونت الولايات المتحدة و"إسرائيل" مع تركيا وميليشيات إرهابية في سوريا لزعزعة استقرارها، وسقوط أحد أهم قلاع المقاومة ضد الاحتلال، ما يهدّد العراق -بحدوده الشاسعة مع سوريا- بمصير مشابه.
أثارت مخاوف انتشار الإرهاب من سوريا وإعادة تنظيم خلايا "داعش" النائمة، موجة قلق في العراق، ما يؤكد أن محاولات حل الحشد الشعبي تهدف إلى إضعاف القدرات الدفاعية العراقية، فرض التبعية العسكرية لأمريكا، وتمكين التيارات الموالية للغرب.
يُعدّ الحشد الشعبي وحلفاؤه السياسيون (مثل تحالف الإطار التنسيقي)، حاجزاً أمام الهيمنة الكاملة للتيارات الموالية لواشنطن والرياض، لذا، فإن حله يعني إزاحة خصم سياسي خطير لمصلحة هذه الأطراف.
2. إضعاف محور المقاومة في العراق والمنطقة
منذ الغزو الأمريكي لأفنغانستان والعراق، شهد النظام الإقليمي للتوازنات السياسية والأمنية في غرب آسيا تحولات جذرية كبرى، تمثلت في الصحوة الإسلامية وطوفان الأقصى، فيما لا تزال القوى المتنافسة تسعى لرسم معالم هندسة جديدة للمنطقة وفق رؤيتها الاستراتيجية.
وفي خضم هذا الصراع، تحتل المواجهة بين إيران (كمحور للمقاومة) والولايات المتحدة في العراق، مكانةً محوريةً حاسمةً، وقد تحول الحشد الشعبي - وخصوصاً بعد تأسيسه الرسمي عام 2014 استجابةً لظهور داعش- إلى ركن أساسي في بنية المحور المقاوم بالمنطقة، وعليه، فإن حلّ الحشد يعني تفكيكاً استراتيجياً لمحور المقاومة، وتقليصاً للعمق الإيراني في المنطقة.
اللافت هنا أن ترامب -بجعله حلّ الحشد شرطاً مسبقاً للمفاوضات- يسعى في حسابه لانتزاع مكاسب استراتيجية من إيران، بيد أن الواقع يؤكد -رغم الترابط الوثيق بين العديد من فصائل الحشد (مثل كتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء) مع طهران- أن هذه العلاقات تتم في إطار الشرعية الرسمية للعلاقات الثنائية بين الدولتين، كما أكد المسؤولون الإيرانيون والعراقيون مراراً.
والحقيقة الجوهرية هي أن المزاعم الغربية بتبعية هذه القوات لإيران، تفتقر لأدنى أسس المصداقية، فهي تتمتع باستقلالية كاملة في صنع القرار الاستراتيجي، وأدائها السياسي والعسكري.
هل تستطيع الولايات المتحدة حلّ الحشد الشعبي؟
إنّ عملية حلّ الحشد الشعبي بشكل كامل، تُعَدّ مهمةً شديدة التعقيد، إذ إن هذا الكيان متجذر في النسيج السياسي والأمني للعراق، ويستند إلى قاعدة جماهيرية واسعة، وقد أُدرج الحشد الشعبي خلال فترة رئاسة عادل عبدالمهدي، كجزء من الهيكل الرسمي للقوات المسلحة تحت قيادة رئيس الوزراء، ما يعني أن أي محاولة لحلّ هذه المنظمة، ستتطلب أمرًا رسميًا من رئيس الوزراء بموافقة البرلمان.
وفي ظل الشعبية الکبيرة والمشروعية الواسعة التي يتمتع بها الحشد، بالإضافة إلى قوة القوى السياسية الداعمة للمقاومة داخل الحكومة، يبدو من غير المحتمل أن يُصادق البرلمان على مثل هذا القرار.
ومن جهة أخرى، يجب أن نُدرك أن الحشد الشعبي، الذي تشكّل بفتوى المرجعية العليا في العراق لمواجهة الإرهاب، سيظل يحتفظ بدعمه القوي من هذه المرجعية ما دام هذا الدعم قائمًا، وبالتالي، فإن جهود الولايات المتحدة وأعداء المقاومة، لن تُسفر عن نتائج تُذكر.
وفي خضم التوترات الإقليمية المستمرة الناجمة عن اعتداءات الكيان الصهيوني الغاشم على غزة ولبنان وسوريا، ستظل المرجعية، كما كانت دائمًا، دعامةً للأمان والاستقرار في العراق.