الوقت - في أعقاب اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو من قبل قوات الأمن التابعة لحكومة أردوغان في 19 مارس/آذار، دخل المناخ السياسي الداخلي في تركيا في أزمة سياسية غير مسبوقة في البلاد منذ الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016.
اعتقلت قوات الأمن التركية، بناء على أوامر مباشرة من حكومة أردوغان، رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو بتهم غريبة مثل تزوير وثائق، والفساد المالي في شركة تحت إشرافه، والتعاون مع جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، ومنذ اعتقاله، شهدت مدن مختلفة في تركيا مظاهرات حاشدة، وشهدنا انهيار سوق الأسهم والعملة التركية (الليرة).
لماذا أصدر أردوغان مذكرة اعتقال بحق منافسه الكبير؟
لقد كان انقلاب 2016 ذريعة ملائمة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية لتنفيذ عملية تطهير واسعة النطاق في صفوف الجيش التركي، وكان استفتاء 2018 لتغيير الدستور بمثابة تحرك سياسي لضمان استمرار حكم الحزب وفرض السياسات المحلية والإقليمية التي يرغب فيها أردوغان.
ورغم فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية مرتين في عامي 2018 و2023، فإن كلا الانتصارين، مصحوبين بهزائم نسبية (2018) ومطلقة (2024) في الانتخابات البلدية التركية، قد أغضبته وحزبه، ونشأ استياء غريب في قلوبهم، وخاصة ضد أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول.
أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول
إن إسطنبول هي المدينة التي وفرت لأردوغان، من خلال منصبه فيها كعمدة المدينة في التسعينيات، نقطة انطلاقه للوصول إلى قمة السلطة، ولم تكن الهزيمة أمام منافسه القديم في هذه المدينة ممتعة بالنسبة له على الإطلاق، وهو الحدث الذي تكرر العام الماضي بشكل أكثر حدة، حيث لم يقتصر الأمر على إمام أوغلو في إسطنبول، بل فاز أيضا زميله في حزب الشعب الجمهوري منصور يافاش في أنقرة وأعضاء آخرون من حزب الشعب الجمهوري في 15 مدينة رئيسية أخرى في تركيا، ما أدى إلى هزيمة ثقيلة لحزب العدالة والتنمية.
نسبة الأصوات في المدن الثلاث أنقرة وإسطنبول وإزمير في الانتخابات البلدية 2024 وفوز كتلة المعارضة بزعامة أردوغان
دفع الحقد القديم المذكور آنفًا، وسلسلة الأحداث التي أدت إلى اعتقال إمام أوغلو، معظم الخبراء إلى اعتبار اعتقاله لا يستند إلى تهم حقيقية، بل إلى إساءة أردوغان استخدام السلطة والنظام القضائي التركي. وباستثناء حزب الحركة القومية، الذي يُعتبر حليفًا لأردوغان، تدعو جميع الأحزاب السياسية التركية أنصارها إلى تنظيم مظاهرات في الشوارع دعمًا لأكرم إمام أوغلو.
إمكانية محاولة تغيير الدستور مرة أخرى
ليس هناك شك في أن الاستفتاء الذي أجرته تركيا عام 2018 لتغيير النظام السياسي في البلاد (من رئيس وزراء إلى رئاسة كاملة) تم إجراؤه والموافقة عليه بفضل الجهود المكثفة والدعاية المكثفة لحزب العدالة والتنمية.
وبموجب هذا القانون، لن يتمكن الرئيس المنتخب من الفوز والاحتفاظ بالرئاسة إلا لفترتين مدة كل منهما خمس سنوات؛ أردوغان هو رئيس تركيا منذ عام 2018، وبموجب القانون لن يكون قادرًا على الترشح في انتخابات عام 2028؛ بعد الهزيمة الثقيلة في الانتخابات البلدية لعام 2024، يشعر زعماء الحزب بالرعب مرة أخرى ويخشون أنه في غياب أردوغان، لن يكون لديهم شخصية سياسية بارزة قادرة على الفوز بالرئاسة والاحتفاظ بها، ولذلك، هناك بالفعل همسات بأن أردوغان وحزبه قد يسعيان إلى تغيير الدستور مرة أخرى وزيادة عدد فترات الرئاسة لشخص واحد.
في الواقع، يحاول أردوغان إرساء نموذج مماثل للأجواء السياسية الروسية والرئاسة الدائمة لفلاديمير بوتين في تركيا. ومن المؤكد أن هذا سيواجه معارضة شديدة من الأحزاب المنافسة، وخاصة حزب الشعب الجمهوري، والشخصية السياسية الأكثر شعبية في الحزب حاليا ليست سوى رئيس بلدية إسطنبول المعتقل، أكرم إمام أوغلو.
ويبدو أن تصرف أردوغان واستغلاله للنظام القضائي التركي لاعتقال إمام أوغلو هو في الواقع بداية لسلسلة من الإجراءات التي يقوم بها هو وحزبه لتعزيز السلطة ومواصلة الأجواء شبه الديكتاتورية في تركيا، وخاصة منذ الأحداث التي أدت إلى سقوط حكومة بشار الأسد في دمشق وسيطرة تركيا شبه الكاملة على البلاد، يرى أردوغان وحزبه أنفسهم أقرب فأقرب إلى حلم تشكيل إمبراطورية عثمانية جديدة وخلافة سلطنة جديدة.