الوقت - بينما عمَّت الاحتفالات أرجاء العالم بالأمس (الثامن من مارس) إحياءً ليوم المرأة العالمي، تعيش المرأة الفلسطينية في قطاع غزة ظروفاً تتجاوز حدود الوصف قسوةً ومرارةً، متخذةً من الخيام البالية والملاجئ المتهالكة مأوىً، بعد أن طمست آلة الدمار الصهيونية الإجرامية معالم بيوتهن وحوَّلتها إلى أنقاض وركام.
النساء في طليعة ضحايا الجرائم الصهيونية ضد غزة
تتجرع نساء غزة مرارة الفقد بأقسى صوره، فمنهن من اختطف الموت رفيق دربها، ومنهن من فُجعت بفلذات أكبادها، ومنهن من هوى صرح عائلتها بأكمله تحت وطأة الجرائم الوحشية التي يرتكبها المحتل الغاشم، وقد طالت يد الإعاقة أعداداً غفيرةً من النساء الغزيات جراء الاعتداءات الصهيونية المتواصلة، لتضاف إلى أثقال الصدمات النفسية والروحية العميقة التي تنوء بها قلوبهن المثخنة بالجراح.
اليوم العالمي للمرأة، الذي يكرسه العالم للاحتفاء بمنجزات النساء في شتى بقاع الأرض وإعلاء قيم احترام حقوقهن، استحال في قطاع غزة إلى مناسبة تعكس عمق المأساة وشدة الألم الذي تكابده شريحة واسعة من بنات فلسطين الصامدات.
تكشف البيانات الصادرة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن نساء غزة، جنباً إلى جنب مع الأطفال، قد تحملن الوزر الأثقل في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على هذا الشريط الساحلي المحاصر، إذ تبلغ نسبة النساء والأطفال 70% من إجمالي ضحايا فظائع هذا الكيان في غزة.
ويرصد تقرير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة حصيلةً مروعةً، حيث ارتقت إلى العلا على يد آلة القتل الصهيونية خلال ما يقارب العام والنصف 12,316 امرأة فلسطينية، بينما فقدت 13,901 امرأة أزواجهن وعائلاتهن، وفي مشهدٍ إنساني مفجع، اضطرت 50 ألف امرأة حامل لاستقبال أطفالهن في ظروف تفتقر لأدنى مقومات الإنسانية، فيما قُدر لـ 17 ألف أم أن تودع فلذات أكبادها إثر تداعيات هذه الحرب الضروس.
ويضيف التقرير إن وباء الأمراض المختلفة قد طال 162 ألف امرأة، في حين تحولت 2000 امرأة وفتاة في مقتبل العمر إلى ضحايا للبتر والإعاقات الدائمة، لتحمل أجسادهن شهادةً حيةً على بشاعة العدوان.
المصير المأساوي لفتاة شابة فقدت عائلتها وساقيها
"نور الدلو"، إحدى الفتيات الشابات في غزة والتي كُتب لها النجاة من براثن الموت، لكنها لم تنجُ من ندوب الفاجعة العميقة التي بدّلت مسار حياتها، وحفرت في روحها وجسدها جراحاً لن يمحوها الزمن مهما امتدت به الأيام.
في ربيعها التاسع عشر، وقفت هذه الفتاة الفلسطينية على مفترق قاسٍ من مفترقات القدر، حين اختطف القصف الصهيوني الغاشم والدتها وشقيقتها وابنة شقيقتها، ولم يكتفِ بذلك، بل سلبها ساقيها في لحظة واحدة من لحظات الرعب المتلاحقة، تروي "نور" مشهد المأساة بكلمات تقطر ألماً: "قذفتني شدة الانفجار مسافة عشرة أمتار، وحين استفقت من غيبوبتي، غدوت غريبةً عن جسدي، عاجزةً عن الصراخ أو ذرف الدموع، فقد بلغ الألم مبلغاً يستعصي على الوصف والتعبير".
وتستطرد بنبرة مثقلة بالحسرة: "لقد سُلبت مني القدرة على المشي والحركة وممارسة حياتي كما اعتدت، وأضحى مستقبلي ضبابياً بلا سقف يؤويني، ولا علاج يشفيني، ولا مقومات تعينني على مواصلة الحياة، تتزاحم في ذهني أفكار لا تنقطع حول كيف سلبني العدو حقي في العيش كإنسانة طبيعية، وكيف حوّلني في ومضة خاطفة إلى معاقة ثكلى فقدت أمها وشقيقتها".
وتختم هذه الفتاة الغزية المكابدة حديثها بكلمات تنضح بالألم والأمل المتلاشي: "ما يختلج في صدري من مشاعر يتجاوز حدود الكلمات والتعبير، وما زلت أترقب بلهفة ممزوجة باليأس إذناً بالخروج من هذا السجن المفتوح، لأحظى بالعلاج الملائم وتركيب أطراف صناعية تمنحني، ولو بصيصاً من الأمل، فرصةً لاستعادة القدرة على المشي من جديد".
معاناة أمهات غزة في كفاحهن اليومي لإطعام فلذات أكبادهن
"أم أحمد أبو عيادة"، سيدة فلسطينية من بين آلاف النساء اللواتي تحملن ثقل الحياة في قطاع غزة المنكوب، تقطن خيمةً بعد أن غيّب الموت زوجها، وتكابد يومياً لتوفير لقمة العيش لأطفالها الأربعة، تروي بألم: "رحل زوجي متأثراً بداء السرطان خلال الحرب، وحالت الظروف القاهرة دون توفير الرعاية الطبية التي كان يحتاجها".
وتستطرد بنبرة يخالطها الحزن والصمود: "نعيش تحت وطأة الحرب في ظروف تتجاوز حدود القسوة، محرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة، وبينما يحتفل العالم بيوم المرأة، تقضي نساء فلسطين ساعات يومهن في رحلات مضنية لجلب الماء وجمع الحطب، آملات فقط في إسكات صرخات الجوع في بطون صغارهن، إن واقعنا في مخيمات النزوح، يفوق الوصف قسوةً ومرارةً".
حرمان نساء غزة من أبسط المستلزمات الصحية الضرورية
"وفاء ربيعي"، أرملة أخرى من أرامل الحرب، حُمّلت مسؤولية تربية أطفالها الخمسة بمفردها بعد استشهاد زوجها، تصف معاناتها قائلةً: "الحياة داخل الخيام تسلب المرأة خصوصيتها، إذ نضطر للالتزام بالحجاب الكامل على مدار الساعة وكأننا نقطن في فضاء مكشوف، ناهيك عن تهالك هذه الخيام التي لا تقينا قسوة البرد القارس ولا لهيب الحر اللافح".
وتضيف بحسرة: "لقد ضاعف إغلاق المعابر من مأساة النساء في غزة وفاقم آلامهن، حتى باتت أبسط المستلزمات الصحية الضرورية للمرأة حلماً عصياً على التحقيق".
وكشف تقرير أصدرته الأمم المتحدة مؤخراً عن حاجة ما يزيد على 690 ألف امرأة في غزة، إلى منتجات النظافة الشخصية والمياه النقية، في ظل انعدام شبه تام لهذه الضروريات الأساسية.
ممارسات وحشية تطال الأسيرات الفلسطينيات في غياهب سجون الاحتلال
على صعيد آخر، سلّط تقرير مشترك أصدرته لجنة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، الضوء على الأوضاع اللاإنسانية التي تعيشها الأسيرات الفلسطينيات في زنازين الکيان الصهيوني.
وجاء في التقرير: "أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال 21 أسيرة وفتاة فلسطينية، من بينهن طفلة قاصر، بعد الإفراج عن دفعات من الأسيرات الفلسطينيات، ليواجهن في أقبية السجون ومراكز التحقيق جرائم ممنهجة ومنظمة، تصاعدت وتيرتها بشكل غير مسبوق منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني ضد قطاع غزة".
ووفقاً للتقرير، تتعرض الأسيرات الفلسطينيات لصنوف شتى من الانتهاكات الجسيمة، تشمل التعذيب الجنسي والتجويع المتعمد والحرمان من الرعاية الطبية والدواء، إضافةً إلى التعذيب النفسي المنهجي، كما يقوم جنود الاحتلال باقتحام غرف وزنازين الأسيرات بصورة متكررة، وممارسة شتى صنوف الإيذاء والاعتداء بحقهن.
وشددت لجنة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني، على أن التعذيب الوحشي الذي تتعرض له الأسيرات في معتقلات الكيان الصهيوني ليس وليد اللحظة، بل هو نهج متجذر في سياسات الاحتلال، غير أن وتيرته تصاعدت بشكل مخيف منذ بدء العدوان على غزة، حيث طالت حملات الاعتقال التعسفية 490 امرأة فلسطينية خلال فترة الحرب.