الوقت- في الأشهر الأخيرة، شهد العالم تطورات مهمة على الساحة الدولية، من أبرزها دراسة احتمال انسحاب مشترك لكل من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي من المحكمة الجنائية الدولية، (ICC) يأتي هذا القرار المحتمل كرد فعل على إصدار المحكمة أمر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، ويوآف غالانت، وزير الحرب السابق، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، هذا التحرك قد تكون له تداعيات واسعة على النظام القانوني الدولي والعدالة العالمية، في هذه المقالة، سنناقش أبعاد هذا القرار المحتمل وأسبابه وتداعياته.
خلفية إصدار أمر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت
في الـ 21 من نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أمر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، متهمةً إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العدوان العسكري على غزة، استند القرار إلى أدلة موثقة قدمتها منظمات حقوقية دولية، تثبت استهداف المدنيين بشكل مباشر والبنية التحتية الحيوية في القطاع.
لاقى هذا القرار ترحيبًا من بعض الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية، لكنه قوبل برفض قاطع من قبل الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، اللذين وصفاه بأنه ذو دوافع سياسية وغير شرعي.
ردود الفعل الدولية على قرار المحكمة الجنائية الدولية
1- دعم الدول الأوروبية: رحبت بعض الدول الأوروبية، مثل إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا، بقرار المحكمة، معتبرةً إياه خطوة نحو تحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب.
2- رفض الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي: نددت الولايات المتحدة بشدة بقرار المحكمة، زاعمة أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي لمثل هذه القضايا، كما فرضت واشنطن عقوبات على مسؤولي المحكمة.
3- الموقف العربي: رحبت بعض الدول العربية، مثل الجزائر وقطر، بالقرار، معتبرةً أنه خطوة مهمة لإنصاف الضحايا الفلسطينيين، في حين التزمت دول أخرى مثل الإمارات والبحرين الصمت أو اتخذت مواقف حذرة.
تاريخ انسحاب الولايات المتحدة من المنظمات الدولية
تمتلك الولايات المتحدة سجلًا طويلًا في الانسحاب من المنظمات الدولية عندما تتعارض قراراتها مع مصالحها الاستراتيجية، ومن أبرز هذه الانسحابات:
1- الانسحاب من اليونيسكو (UNESCO): في 2017، انسحبت واشنطن من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، متذرعةً بمزاعم "تحيز ضد الكيان الإسرائيلي".
2- الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة: في 2018، انسحبت إدارة ترامب من المجلس، مدعيةً أنه يفتقر إلى النزاهة ويستهدف الكيان الإسرائيلي بشكل غير عادل.
3- الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ: انسحبت الولايات المتحدة في 2017 من الاتفاقية، متذرعةً بأن الالتزامات البيئية تضر بالاقتصاد الأمريكي.
4- الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني: في 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات مشددة على إيران.
5- الانسحاب من منظمة الصحة العالمية (WHO):في 2020، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من المنظمة بحجة سوء إدارتها لجائحة كورونا، قبل أن تلغي إدارة بايدن القرار لاحقًا.
يظهر هذا التاريخ أن الولايات المتحدة تتبنى سياسة الانسحاب عندما تشعر أن المؤسسات الدولية تتحدى نفوذها.
أسباب محتملة لانسحاب الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي من المحكمة الجنائية الدولية
1- حماية السيادة الوطنية: تعتبر كل من واشنطن والكيان الإسرائيلي أن المحكمة تتدخل في شؤونهما الداخلية، لذا قد تسعيان إلى الانسحاب لحماية مصالحهما.
2- تقويض المحكمة الجنائية الدولية: قد يسعى البلدان إلى تقويض المحكمة وتهميش دورها لتقليل تأثيرها في المستقبل.
3- دعم متبادل: العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي قد تدفعهما إلى اتخاذ هذا القرار المشترك.
4- التأثير الداخلي: الانسحاب من المحكمة قد يُنظر إليه داخليًا في الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي كخطوة لتعزيز المواقف القومية واليمينية المتطرفة.
5- تقليل الرقابة الدولية: الانسحاب سيمكن الكيان الإسرائيلي من مواصلة سياساته العدوانية دون القلق من الملاحقات القانونية الدولية.
إن انسحاب الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي من المحكمة الجنائية الدولية، في حال حدوثه، سيكون خطوة غير مسبوقة تهدف إلى تقويض المؤسسات القانونية الدولية، وسيؤدي ذلك إلى إضعاف النظام القضائي الدولي وإعطاء الضوء الأخضر لاستمرار الجرائم ضد الإنسانية دون محاسبة، ويتعين على المجتمع الدولي التصدي لهذه المحاولات لضمان تحقيق العدالة الدولية وحماية حقوق الشعوب المضطهدة.