الوقت- إن القوة في عالم اليوم لا تقتصر على أبعادها الصلبة، أي القوة العسكرية والاقتصادية، وبدلاً من ذلك، أصبحت القوة الناعمة، التي تعتمد على المناشدات الثقافية والقيم والأيديولوجية، أداة أكثر كفاءة واستدامة لتأمين المصالح الوطنية وزيادة النفوذ في الساحة الدولية، وفي الوقت نفسه، تلعب منظمات مثل الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) دوراً مهماً في تحقيق أهداف السياسة الخارجية للبلاد من خلال القوة الناعمة.
أصبحت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)، التي احتفلت بالذكرى الـ33 لتأسيسها في يناير/كانون الثاني 2025، رمزاً للقوة الناعمة للبلاد على الساحة الدولية باعتبارها ذراعاً قوية للسياسة الخارجية التركية، وتنفذ مشاريع متنوعة وواسعة النطاق في مختلف المجالات، من خلال الاعتماد على دبلوماسية التنمية والتركيز على المعالم الثقافية في تركيا، تعمل هذه المنظمة بشكل فعال على تعزيز علاقات تركيا مع البلدان المستهدفة، وخاصة في المناطق التي تقع ضمن نطاق نفوذها الثقافي والتاريخي.
تاريخ نشأة وأهداف تيكا
تعود فكرة إنشاء وكالة تيكا إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وخلال هذه الفترة، أنشأت تركيا هذه المنظمة بهدف توسيع نفوذها في البلدان المستقلة حديثًا في آسيا الوسطى والقوقاز، مدعيةً وجود قواسم ثقافية مشتركة.
وباعتبارها أول دولة تعترف بالجمهوريات التركية المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي، وضعت تركيا أولويتها في المساعدة على استقرار البنية الاجتماعية، واستعادة الهوية، وتنمية الحقوق الثقافية والسياسية على أساس مصالحها في هذه البلدان.
التطور الجغرافي ومجال النشاط
ومع صعود حزب العدالة والتنمية في أوائل القرن الحادي والعشرين والتغير في اتجاه السياسة الخارجية التركية، وسعت تيكا دورها من خلال إنشاء مكاتب في مناطق أخرى، بما في ذلك غرب آسيا وأفريقيا والبلقان وغيرها، وأصبحت لاعبا مهما في تنفيذ السياسة الخارجية التركية، ومن أهم مجالات نشاط تيكا خلال هذه الفترة ما يلي:
المشاريع الثقافية: ترميم وإعادة بناء المعالم التاريخية والثقافية مع التركيز على إحياء قيم الدولة العثمانية، وإقامة فعاليات ثقافية مشتركة، ودعم الأنشطة الثقافية والفنية.
المشاريع التعليمية: إنشاء المدارس والجامعات، وتوفير المنح الدراسية، وإقامة الدورات التدريبية الفنية والمهنية.
المشاريع الصحية: بناء المستشفيات والمراكز الصحية، وتقديم الخدمات الطبية والصيدلانية، وتدريب الكوادر الصحية.
المشاريع الزراعية: توفير التدريب الزراعي الحديث، وتوفير المعدات والبذور عالية الجودة، ودعم إنشاء التعاونيات الزراعية.
مشاريع البنية التحتية: بناء الطرق والجسور والسدود والبنية التحتية الأخرى للنقل والطاقة.
تيكا: أداة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية
تلعب وكالة تيكا دوراً مهماً في تطوير علاقات تركيا مع الدول الأخرى من خلال تنفيذ مشاريع متنوعة وواسعة النطاق في مختلف المجالات، ولا تساهم هذه الأنشطة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول المستهدفة فحسب، بل تزيد أيضًا من نفوذ تركيا في هذه الدول وتعزز العلاقات الثنائية وتقرب بين البلدين، بفضل الاعتماد على القوة الثقافية الناعمة ودبلوماسية التنمية، أصبحت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) أداة فعالة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية.
علاقة تيكا بوكالة الاستخبارات التركية
ترتبط وكالة تيكا بعلاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات التركية، حيث كان رئيس وكالة الاستخبارات التركية السابق هاكان فيدان، الذي يشغل حالياً منصب وزير الخارجية التركي، رئيساً لوكالة تيكا لمدة أربع سنوات من عام 2003 إلى عام 2007، بطريقة ما، يمكن أن نطلق على وكالة تيكا اسم إحدى الأذرع الخارجية لمنظمة الاستخبارات التركية.
تأثير تيكا على الاقتصاد التركي
وحسب تقارير رسمية صادرة عن الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، فإن أنشطة المنظمة، بما في ذلك تطوير البنية التحتية التجارية ودعم المشاريع الدولية، ساهمت بشكل غير مباشر في تعزيز الاقتصاد التركي.
ومن خلال إنشاء منصات للتعاون الاقتصادي في البلدان المستهدفة، مثل إنشاء مراكز التدريب ومشاريع التنمية، تمهد تيكا الطريق لزيادة حضور الشركات التركية في الأسواق الخارجية.
على سبيل المثال، يوضح التقرير السنوي لوكالة تيكا (2020) أن المنظمة نفذت مشاريع في أكثر من 150 دولة، أدى العديد منها إلى تحسين العلاقات التجارية وزيادة الصادرات غير المباشرة لتركيا.
على سبيل المثال، تمكنت وكالة تيكا في كازاخستان من تدريب القوى العاملة المحلية من خلال إنشاء مراكز للتدريب التقني والمهني، لقد أدى هذا الإجراء بشكل غير مباشر إلى خلق الظروف المناسبة للشركات التركية للوجود في السوق الكازاخستانية، ويعد إنشاء البنية التحتية التعليمية ونقل المعرفة عاملاً فعالاً في جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز المكانة الاقتصادية للشركات التركية في هذا البلد.
وفي الصومال، ساهمت المشاريع الزراعية التي تنفذها وكالة تيكا في تحسين القدرات الزراعية وزيادة جودة الإنتاج من خلال تقديم الدعم الفني والمالي، وقد أدى ذلك إلى زيادة واردات المعدات الزراعية من تركيا كأثر جانبي، وقد أدى هذا الاتجاه، إلى جانب تحسين أداء القطاع الزراعي، إلى خلق المزيد من فرص العمل للشركات التركية في الصومال.
وأصبحت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، بنشاطاتها الواسعة والمتنوعة، رمزاً للقوة الناعمة للبلاد على الساحة الدولية، ومن خلال تنفيذ مشاريع التنمية والإنسانية في جميع أنحاء العالم، تعمل هذه المنظمة بشكل فعال على تحقيق أهداف السياسة الخارجية لتركيا وتلعب دورًا مهمًا في تعزيز مكانة البلاد على الساحة الدولية.
وبناء على ما سبق، تعمل وكالة تيكا بشكل فعال على توسيع نفوذ تركيا في مختلف بلدان العالم باستخدام القوة الناعمة ودبلوماسية التنمية، وقد أنفقت مبالغ ضخمة لتحقيق هذا الهدف.