الوقت - في أعقاب إخفاقه الذريع في قطاع غزة، يسعى الكيان الصهيوني إلى تشديد الخناق على أهالي القطاع المحاصر، وقد تجلَّت نواياه السافرة حينما أفصح مندوبه لدى الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، عن مهلةٍ حددها للأونروا حتى الثلاثين من يناير لمغادرة القدس.
والجدير بالذكر أن الأونروا، إحدى المؤسسات المنبثقة عن الأمم المتحدة، قد أُنشئت في أعقاب النكبة واغتصاب فلسطين عام 1948 لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وما فتئت تضطلع بهذه المهمة النبيلة حتى يومنا هذا، وتمتد مظلة خدماتها الإنسانية لتشمل خمس مناطق رئيسة هي قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا، بيد أن سلطات الاحتلال تسعى اليوم، وبإصرارٍ بالغ، إلى تكثيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين عبر تقويض عمل هذه المنظمة الدولية وشل حركتها.
نشاطات الأونروا في غزة وتفنيد المزاعم الإسرائيلية
تنهض وكالة الأونروا، وهي من وکالات الأمم المتحدة، بأعباء جسام في ميادين التعليم والطبابة وشتى ضروب الخدمات الأساسية، وذلك منذ أن حلَّت النكبة بفلسطين وأُغتصبت أرضها المباركة عام 1948.
وقد امتدت مظلة عطائها الإنساني لتشمل أبناء فلسطين المهجَّرين وذراريهم، الذين ناهز تعدادهم في عصرنا الراهن ستة ملايين من النفوس، وتُظهر الإحصاءات الموثَّقة أن الأسر الفلسطينية المنضوية تحت جناح الأونروا في غزة، تمثّل السواد الأعظم من قاطني هذا القطاع المنكوب، البالغ تعدادهم مليونين وثلاثمئة ألف نسمة.
تفنيد الافتراءات الصهيونية
أقدم برلمان الكيان الصهيوني المعروف بالكنيست على سنِّ تشريعين، يرميان إلى تقويض أركان عمل الأونروا وكبح جماح نشاطاتها، وفي هذا المضمار، أصدرت وزارة خارجية الكيان الشهر المنصرم بياناً تنصَّلت فيه من اتفاقية التعاون المبرمة عام 1967، تلك التي شكَّلت الركيزة القانونية للعلاقات مع المنظمة الدولية، واصفةً إياها بغير المشروعة، وقد استند هذا القرار الجائر إلى حزمة من المزاعم الواهية التي دحضتها الأونروا، وفنَّدتها تفنيداً قاطعاً، فيما يلي نسلط الضوء على بعض هذه المزاعم وأوجه بطلانها:
الزعم الأول: ادعاء الكيان الصهيوني بانتماء ألف ومئتين من كوادر حماس إلى الأونروا
تدحض الأونروا، بالحجة الدامغة والبرهان القاطع، تلك التقديرات الاستخباراتية الصهيونية المغرضة التي تزعم أن ألفاً ومئتين من موظفيها في غزة (أي ما يعادل عُشر القوى العاملة) يتعاونون مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، أو ينتمون إلى صفوفهما، وقد أكدت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز"، في تحقيقات مستفيضة ومستقلة، تهافت مزاعم انتساب أيٍّ من موظفي الأونروا إلى هاتين الحركتين المقاومتين.
الزعم الثاني: توثيق العُرى مع حركة حماس
أماطت الأونروا اللثام، في بيان، عن طبيعة علاقتها بحركة حماس، مؤكدةً أن هذا التواصل يأتي في سياقه الطبيعي والمنطقي، إذ تضطلع الحركة بمقاليد الأمور في قطاع غزة منذ عام 2007، ما يجعل التنسيق معها أمراً لا محيد عنه لتيسير المهام الإنسانية النبيلة، وإغاثة أبناء فلسطين المهجَّرين.
وليس في هذا التواصل ما يُستتر أو يُخفی، بل هو أمرٌ جليٌّ واضح المعالم، وقد جاءت بيانات الأمم المتحدة صريحةً في نفي صفة الإرهاب عن حركة حماس، مؤكدةً أن تعامل الأونروا معها يجري في إطارٍ قانوني دولي راسخ الأركان.
الزعم الثالث: الاستحواذ المزعوم على المعونات الإنسانية
نهض مسؤولو الأونروا للذود عن الحقيقة، مفنّدين بالحجة الدامغة تلك المزاعم الصهيونية الواهية حول استيلاء كوادر حماس على المساعدات الأممية، وأكدوا بما لا يدع مجالاً للشك وجود منظومة رقابية محكمة النسج، دقيقة الضبط، تشرف على مسارات توزيع المعونات في غزة.
کما شددوا على أن ساحة الواقع تخلو تماماً من أي معطيات أو تقارير أو وثائق، تؤيد مزاعم تحويل المساعدات الإنسانية بشكل ممنهج من قِبل حركة حماس، ليسقط بذلك آخر أوراق التوت عن عورة الادعاءات الصهيونية المغرضة.
المآرب الخفية والنوايا المبيَّتة خلف استهداف الأونروا
يتجلى للعيان أن الكيان الصهيوني، في إطلاقه وابلاً من الافتراءات الباطلة على الأونروا، إنما يسعى حثيثاً لتحقيق مقاصد مضمرة، نميط عنها اللثام:
أولاً: تقويض أركان الأونروا
أعلن "جوناثان فاولر"، الناطق باسم المنظمة الدولية، في حديثٍ أدلى به لوكالة الأنباء الفرنسية، عن حقيقة الضغوط المحمومة التي يمارسها الكيان الصهيوني بُغية تقويض أركان هذا الصرح الإنساني، وحذَّر، بنبرةٍ يشوبها القلق، من أن إنفاذ قرار حظر نشاطات الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة، من شأنه أن يُقوِّض العمليات الإغاثية الدولية في القطاع المنكوب، تلك العمليات التي تُمثّل عماد هذه المؤسسة الأممية وركيزتها الأساسية.
ثانياً: تعميق الجراح النازفة في غزة
وفي السياق ذاته، نقلت قناة الجزيرة، في تقريرٍ عن المنظمات الإغاثية العاملة في غزة، تحذيرات بالغة الخطورة من أن حظر نشاطات الأونروا، سيضع عقبات أمام معالجة المأساة الإنسانية المستفحلة في القطاع.
وفي ظل هذا الحظر الجائر، يُخشى أن تتفاقم المحنة الإنسانية في غزة إلى مستويات تنوء بحملها النفوس، إذ يعتمد السواد الأعظم من أهل القطاع، الذين يناهز تعدادهم المليونين من البشر، على شريان الحياة المتمثل في المعونات الحيوية التي تقدمها الأونروا.
إسکات صوت الأونروا
حريٌّ بنا أن نستحضر أن الأونروا، في خضم العدوان الغاشم على غزة، ما برحت ترفع إلى العالم تقارير دامغة عن مآسي القطاع المنكوب، حتى أضحت منارةً دوليةً يُستضاء بها في تقييم الأوضاع المأساوية خلال خمسة عشر شهراً من العدوان السافر.
وقد كشفت في أحدث تقاريرها عن حقيقةٍ مؤلمة، إذ أماطت اللثام عن طمس ثمانية وثمانين في المئة من صروح العلم في القطاع، جرَّاء الهجمة الصهيونية الشرسة منذ السابع من أكتوبر 2023، وقد أثارت هذه الحقائق الناصعة حنق تل أبيب وغضبها، فسعت جاهدةً لتكميم أفواه الأونروا، في محاولةٍ بائسة لطمس الحقائق عن المأساة المستعرة في القطاع المحاصر.
استشعار الكيان الصهيوني الخطر من الأونروا
يتحدث "حمد أبو رزق"، الكاتب في موقع الخليج أونلاين، عن دوافع حظر نشاط الأونروا، فيكشف أن الكيان الصهيوني يرى في تأسيس هذه المنظمة الأممية خطيئةً كبرى منذ المهد، إذ يعدُّها "شوكةً في خاصرة كيانه المحتل".
فوفق رؤية ساسة تل أبيب، فإن بقاء الأونروا لا يقف عند حد إثبات الحقوق الفلسطينية الراسخة فحسب، بل يمتد ليكون رافداً متدفقاً يغذي مطالب أبناء فلسطين بتحرير أراضيهم السليبة، ويضفي الشرعية على حق عودة الملايين إلى أرض الآباء والأجداد، ويستبد الرعب بالكيان من إضفاء الشرعية على حق العودة المقدس، فيرى في الأونروا صرحاً دولياً يمنح المشروعية لتطلعات اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم الأصيلة، ولهذا يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى تقويض أركان هذه المنظمة الدولية، وشل حركتها.
