الوقت - لا شيء يعلو فوق ألسنة النيران التي التهمت كاليفورنيا، مُخلفة وراءها رمادًا وأوجاعًا لا تُحصى، مدن بأكملها تحولت إلى أطلال، وسُحب الدخان حجبت السماء عن أعين السكان الذين هربوا من منازلهم تاركين ذكرياتهم تتلاشى مع اللهب.
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أشد حرائق الغابات فتكا وتدميرا في ولاية كاليفورنيا، حيث التهمت ألسنة اللهب مساحات شاسعة من الغابات والمناطق السكنية، ما تسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة، الحدث أثار ردود فعل محلية ودولية متعددة، وتناولته الأوساط العلمية والدينية والسياسية بوجهات نظر متباينة، ما جعل هذه الحرائق قضية جدلية تخطت كونها مجرد كارثة طبيعية.
طبيعة الحرائق وأسبابها
حسب الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، فإن حرائق الغابات في كاليفورنيا هي ظاهرة متكررة، لكنها ازدادت حدة في السنوات الأخيرة بسبب تغيرات مناخية أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار والرطوبة، كما أوضح أن الأسباب تتنوع بين عوامل طبيعية مثل البرق، وأخرى بشرية مثل الإهمال أو الحرق العمد.
وأشار شراقي إلى أن الرياح القوية المعروفة برياح "سانتا آنا" لعبت دورا أساسيا في تأجيج هذه الحرائق وانتشارها السريع، حيث وصلت سرعتها إلى 160 كم/ساعة، هذه الرياح، مع وجود الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، جعلت السيطرة على الحرائق أمرا بالغ الصعوبة، حيث التهمت أكثر من 35 ألف فدان ودمرت آلاف المنازل.
الأبعاد الدينية والسياسية
الحرائق لم تكن مجرد كارثة طبيعية في نظر البعض، بل تم تفسيرها في سياقات دينية وسياسية، ففي مصر، أثارت الحرائق جدلا واسعا بين مشاعر الشماتة والتعاطف، حيث رأت بعض الشخصيات مثل الدكتور وفاء إبراهيم أن ما حدث هو عقاب إلهي نتيجة السياسات الأمريكية الداعمة لـ"إسرائيل"، وشارك السفير محمد مرسي هذا الرأي، مشيرا إلى أن ما جرى يعكس عدالة الله وانتقامه من الظلم.
في المقابل، كان هناك من دعا إلى قراءة الأحداث بعيدا عن التفسيرات الدينية، مثل أنور الهواري، الذي اعتبر الكارثة درسا يعكس ضعف البشرية أمام قوى الطبيعة، بغض النظر عن مدى تقدمها التكنولوجي.
الأبعاد العلمية
تناولت أبحاث وتقارير متعددة أسباب الحرائق وتداعياتها، وربطت أغلبها بين تغير المناخ وزيادة حدة هذه الظاهرة، الدكتور أبولوستولوس فولغاراكيس أشار إلى أن التغير المناخي أدى إلى اتساع موسم الحرائق في كاليفورنيا، ما زاد من حدتها، وأكد أن الرياح الجافة والنباتات القابلة للاشتعال، مع انخفاض معدلات الأمطار، هي عوامل رئيسة وراء تفاقم الوضع.
كما تناول باحثون آخرون مثل الدكتور دوغلاس كيلي والدكتورة كيمبرلي سيمبسون مسألة الاستعدادات المستقبلية لمواجهة الحرائق، وشددوا على أهمية التكيف مع "الطبيعة الجديدة" لهذه الحرائق، من خلال إدارة النباتات استراتيجيا وتقليل آثار التغير المناخي.
الأبعاد الإنسانية والاقتصادية
الحصيلة البشرية والاقتصادية لهذه الحرائق كانت كارثية، إذ أودت بحياة 16 شخصا على الأقل، وأجبرت مئات الآلاف على النزوح. وبلغت الخسائر المادية عشرات المليارات من الدولارات، حيث دُمرت آلاف المنازل والبنى التحتية. ورغم ذلك، أصدرت الخارجية المصرية بيانا أعربت فيه عن تضامنها مع الشعب الأمريكي، وأهابت بمواطنيها في المناطق المتضررة توخي الحذر.
تمثل حرائق كاليفورنيا الحالية إنذارا واضحا للعالم بأسره حول المخاطر المتزايدة لتغير المناخ، وبينما تختلف الآراء حول تفسير أسباب هذه الكارثة، سواء كانت طبيعية أو عقابا إلهيا، فإن الحقيقة الثابتة هي أننا بحاجة إلى تبني سياسات أكثر استدامة وإعداد بنية تحتية أكثر مرونة لمواجهة مثل هذه الأزمات.
إن هذه الكارثة ليست مجرد شأن أمريكي، بل رسالة عالمية تحث على ضرورة العمل الجماعي للحد من آثار التغير المناخي، وكما قال أحد العلماء: "حرائق الغابات ليست ظاهرة طبيعية فحسب، بل نتيجة لقرارات بشرية قد تكون مكلفة".