الوقت- أثار سقوط بشار الأسد وتأسيس الهيئة الحاكمة لهيئة تحرير الشام في سوريا، اهتمام العديد من المحللين والسياسيين، وفي الوقت نفسه، كان رد فعل الدول المختلفة على التطورات في سوريا، بما في ذلك مصر، لافتاً للنظر، لكن هناك حالات أهم في جوار مصر مثل ليبيا والسودان وغزة، وقد جرت في هذه المذكرة محاولة لتحليل سلوك مصر تجاه التطورات في سوريا، وتحليل دوافع هذا البلد وأهدافه في هذا الصدد.
1. خلفية العلاقات المصرية السورية
العلاقات بين مصر وسوريا لها تاريخ طويل ومعقد، وقد اتبعت هاتان الدولتان، اللتان اتحدتا ذات يوم في شكل الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961)، مسارات مختلفة في سياستيهما الداخلية والخارجية بعد انهيار هذا التحالف، ومع بداية الأزمة في سوريا عام 2011، اعتمدت مصر مقاربات مختلفة تجاه هذه القضية في فترات مختلفة، وخلال رئاسة محمد مرسي، دعمت مصر معارضي حكومة بشار الأسد؛ لكن مع تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا، تغيرت سياسة القاهرة نحو الدعم الضمني للحكومة السورية والحفاظ على الاستقرار في هذا البلد.
ويتمتع البلدان بعلاقات تاريخية استثنائية مع بعضهما البعض؛ لأنه في حرب أكتوبر 1973 (حرب كيبور)، بدأت مصر وسوريا عملية مشتركة ضد الكيان الصهيوني في شرق قناة السويس ومرتفعات الجولان.
ويتابع شعب مصر تطورات المشهد السوري نظراً لجذورهم التاريخية المشتركة، ولهذا السبب، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أيضًا أن لديها رغبة صادقة في دعم سوريا في المرحلة الحالية، وقد أثرت التطورات الإقليمية، بما في ذلك الحد من نفوذ الجماعات الإرهابية مثل "داعش" واقتراب بعض الدول العربية من الحكومة السورية، على سياسات مصر.
كما شكلت عودة سوريا إلى الجامعة العربية عام 2023 نقطة تحول في علاقات الدول العربية مع دمشق، ومصر، التي سعت دائما إلى الحفاظ على دورها القيادي في العالم العربي، رحبت بهذا التطور وحاولت تعزيز حضورها في المعادلات الإقليمية.
2. سلوك مصر قبل وبعد سقوط بشار الأسد
أ) موقف مصر من التطورات في سوريا قبل سقوط بشار الأسد
ومع بدء عملية ردع العدوان (الرد الوقائي على عداء حكومة بشار) في الـ 7 من ديسمبر 2022، كانت مصر أول دولة تعبر عن موقفها من التطورات في سوريا.
أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً بتاريخ الـ10 من كانون الأول (ديسمبر) 2022 بعد المحادثة الهاتفية التي جرت بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ووزير الخارجية السوري بسام الصباغ مساء الجمعة الـ 9 من كانون الأول (ديسمبر).
وجاء في هذا البيان: "بعد تقدم وسيطرة الجماعات المسلحة المناهضة لسوريا في حلب وإدلب ومناطق أخرى، أعربت مصر عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة في سوريا، وأعلنت دعمها للحكومة السورية ومؤسساتها وشددت على أهمية دور هذا البلد في تحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب وتوسيع سيادة الدولة واستقرارها، ويؤكد على استقلالها ووحدة أراضيها".
كما قال وزير الخارجية المصري على هامش المؤتمر الدولي لدعم غزة في القاهرة: "إن ما يحدث في سوريا مثير للقلق وإن مصر مهتمة بالحفاظ على الحكومة السورية ومؤسساتها"، وفي هذا الصدد، أجرت مصر اتصالات مكثفة مع كل الأطراف العربية والإقليمية والأطراف الدولية المؤثرة.
كما أكد وزير الخارجية المصري على استمرار الجهود لاحتواء الوضع الراهن وإبعاد سوريا عن أي مخاطر تهدد سلامة وصحة المواطنين الأبرياء في هذا البلد، فضلاً عن الدعم الكامل من شعب هذا البلد، وما يمكن فهمه من التصريحات الأولية لمصر بعد التطورات في سوريا هو أن مصر تؤيد وحدة أراضي سوريا وتعارض أي تقسيم لهذا البلد.
وترى القاهرة أن الحفاظ على وحدة سوريا ضروري لأمن واستقرار المنطقة، وتقسيم هذا البلد يمكن أن يكون له عواقب سلبية واسعة النطاق، لذلك، حاول السيسي اعتماد نهج متوازن قائم على المصالح الوطنية تجاه التطورات في سوريا، لكنه دعم أيضًا بشار الأسد بطريقة ما.
ب) موقف مصر من التطورات في سوريا بعد سقوط بشار الأسد
وقال عبد الفتاح السيسي، عن تطورات الأوضاع في سوريا: إن مصر تابعت ما يحدث في سوريا، وأكد أن السفارة المصرية في دمشق ستواصل عملها، كما دعا إلى ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وأمن شعبها، كما دعا إلى ضرورة البدء بعملية سياسية شاملة لا تستبعد أي طرف وتشمل كل المكونات والقطاعات.
ويرى الرئيس المصري أن "إسرائيل" انتهكت اتفاق الفصل لعام 1974 باحتلال المنطقة العازلة واحتلال الأراضي السورية، وذكر السيسي أيضًا أن مصر لاحظت استهداف "إسرائيل" للبنية التحتية ومقدرات الحكومة السورية، وتريد الضغط على "إسرائيل" لوقف هجماتها على سوريا.
ومن الأسباب الرئيسية للقلق المصري بشأن التطورات في سوريا تزايد نشاط الجماعات المتطرفة في المنطقة، وخاصة في مصر، وبالنظر إلى تجربتها في محاربة الجماعات الإرهابية في سيناء ومناطق أخرى، تشعر الحكومة المصرية بقلق بالغ إزاء انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط، ولذلك، حاولت القاهرة تجنب أي أعمال تؤدي إلى تقوية الجماعات المتطرفة.
وفي هذا الصدد، حسب «رأي اليوم»، عقد الفريق أول السيسي اجتماعًا مع قادة القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية يوم الـ 25 من ديسمبر 2022، وفي هذا اللقاء الذي عقد في وقت مهم وحساس للغاية، قال السيسي بوضوح: "الجيش جاهز للتعامل مع أي خطر داخلي وخارجي".
كما رأى أنه يمكن إدارة المجتمع بالسلام الاجتماعي، ويجب الاستماع لأصوات الناس قبل أن يتحول غضب الناس إلى توتر، ولذلك فمن الواضح والجلي أن لقاء السيسي مباشرة [بعد 7 أيام من سقوط بشار الأسد] مع القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية في البلاد، يبعث برسالة إلى الشعب المصري مفادها بأن السيسي يملك السلطة، وقدرته على الحفاظ على حكومته والقوات المسلحة هي التي تدعمه.
وقال عبد الفتاح السيسي في الـ 25 من ديسمبر 2022 أيضاً في لقاء مع عدد من الصحفيين رداً على التطورات في سوريا: "إن سوريا تتمتع بموقع جيوسياسي مهم، ومن يقرر الآن (في سوريا) هم أصحاب البلد، إما أن يدمروه أو يبنوه".
سلوك مصر في مستقبل التطورات السورية
بعد سقوط بشار الأسد، قد يتأثر سلوك مصر مع الهيئة الحاكمة السورية الجديدة بعوامل مختلفة، وتشمل هذه العوامل المصالح الوطنية لمصر، والتطورات الإقليمية، والضغوط الدولية، وتشمل الإجراءات المصرية المحتملة مع سوريا ما يلي:
1. دعم الحكومة الانتقالية: قد تدعم مصر الحكومة الانتقالية التي سيتم تشكيلها بعد سقوط بشار الأسد، ويمكن أن يتماشى هذا الإجراء مع جهود القاهرة للعب دور بناء في حل الأزمة في سوريا وتعزيز مكانتها في العالم العربي.
وأشار المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلف، حول مستقبل سوريا والانتقال من المرحلة الانتقالية، إلى ضرورة قضاء هذه المرحلة بمشاركة مختلف الطوائف والأديان، وينبغي لجميع القوى السياسية السورية أن تلعب دوراً في إدارة العملية الانتقالية.
وحسب تقرير الحرة، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن الحكومة الانتقالية في سوريا: إن بلاده ملتزمة بدعم عملية انتقالية سلمية وشاملة في سوريا، وفي الوقت نفسه تريد حقوق جميع الطوائف السورية، بما في ذلك العلويون والمسيحيون، واحترامها، ما يؤكد على أهمية مكافحة الإرهاب وضمان الأمن.
2. تعزيز التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية: قد يؤدي سقوط بشار الأسد إلى قيام مصر بتعزيز التعاون مع جهات فاعلة مثل تركيا وقطر، وقد لعبت هذه الدول دوراً فعالاً في التطورات في سوريا، وتستطيع مصر تأمين مصالحها من خلال التعاون معها، وحسب آرتي عربي، فإن وزير الخارجية بدر عبد العاطي أجرى عدة اتصالات مع الأطراف الإقليمية والدولية لتنسيق المواقف وتبادل الآراء والتقييمات حول الوضع في سوريا.
3. التفاعل مع القوى العالمية: حاولت مصر دائمًا تعديل سياستها الخارجية على أساس التوازن بين القوى العالمية، وفي حالة سوريا، تحاول القاهرة الحفاظ على علاقاتها مع اللاعبين الرئيسيين وتجنب التوترات غير الضرورية.
4. التركيز على الأمن القومي: قد تكون الأولوية الأخرى لمصر بعد سقوط بشار الأسد هي التركيز على الأمن القومي، وتشعر القاهرة بالقلق من توسع أنشطة الجماعات الإرهابية وتنشيط جماعات الإخوان في القاهرة، وبعد التطورات في سوريا، طالبت حركة التغيير في جماعة الإخوان المسلمين بإعادة توحيد هذه الجماعة. وحسب القدس العربي، أعلنت هذه الحركة في بيان لها: "بعد سقوط ثورة دولنا، أعاد انتصار الثورة السورية الأمل إلى قلب الربيع العربي وأثبت لنا أن إرادة الشعب لا تقهر إذا ظل ثابتا وملتزما"، ومن الواضح للجميع أن النظام العسكري في مصر ظل يرتكب الظلم والقسوة والقمع منذ انقلابه الغاشم.
إن الوقوف ضد هذا النظام لم يعد خيارا، بل واجباً لا يمكن تأجيله، ولن يتم إسقاط هذا الظلم إلا بإرادة ثورة واحدة تسعى بكل قوتها إلى كسر القيود واستعادة إرادة الشعب وتعزيزها”، كما أعلنت هذه الحركة في بيانها أن هذا النظام (المصري) لن يمر من دون ثورة ولن يطلق سراح أسرانا في السجون المصرية إلا بثورة حقيقية تقتلع شجرة الاستبداد وتعيد الحقوق إلى أصحابها، إن هذه الثورة لا يمكن أن تتحقق بالمفاوضات المذلة مع نظام لا يؤمن إلا بالقسوة والظلم.
5. الوساطة في إعادة إعمار سوريا: كان من أولويات مصر في السنوات الأخيرة توسيع التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، وفي هذا السياق، توفر إعادة إعمار البنية التحتية السورية فرصة للشركات المصرية للعب دور نشط، ولا يساعد هذا الإجراء على تعزيز علاقات القاهرة مع دمشق فحسب، بل يخلق أيضًا فرصًا اقتصادية للشركات المصرية.
التحديات والفرص التي تواجهها مصر بعد سقوط بشار الأسد
سلوك مصر بعد سقوط بشار الأسد سيكون مصحوبا بالتحديات والفرص، ومن بين هذه التحديات التي تواجه مصر التنافس مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى، وإدارة الأزمات الداخلية والتعامل مع التهديدات الأمنية.
ومن ناحية أخرى، ستجلب التطورات في سوريا فرصاً للقاهرة، بما في ذلك تعزيز النفوذ الإقليمي والاستغلال الاقتصادي لإعادة إعمار سوريا، ومع ذلك، بسبب القيود الاقتصادية المحلية، قد لا تتمكن مصر من إعادة بناء سوريا بشكل فعال، بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز العلاقات مع سوريا يمكن أن يؤدي إلى زيادة نفوذ مصر في العالم العربي وترسيخ مكانة البلاد كلاعب رئيسي.
خلاصة الكلام
جاءت تصريحات السلطات المصرية خلال بداية التوتر في سوريا مشابهة لمواقفها السابقة في هذا البلد؛ موقف مصر تجاه سوريا يقوم على حماية البلاد ومؤسساتها، ورفض أي تدخل أجنبي أو دعم الميليشيات أو الجماعات المسلحة في أي دولة، لكن يمكن تحليل سلوك مصر بعد سقوط بشار الأسد من أجل الحفاظ على التوازن بين المصالح الوطنية والعلاقات الإقليمية والالتزامات الدولية.
ومن خلال تبني نهج الحذر والتأكيد على الحلول السياسية، تحاول القاهرة لعب دور بناء في سوريا، ومع ذلك، فإن القيود المحلية والإقليمية قد تحد من قدرة مصر على تحقيق أهدافها، ومن المتوقع أن يركز عبد الفتاح السيسي بعد بشار الأسد على أمنه القومي لمنع تنشيط جماعات المعارضة والإرهاب في مصر وتعزيز تعاونه مع اللاعبين الرئيسيين في مجال التطورات السورية، كما ستدعم مصر الحكومة الانتقالية في سوريا بشرط مشاركة جميع الطوائف في المستقبل السياسي للبلاد.