الوقت - تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة، وخاصة في سوريا، حيث تسببت التغيرات الأخيرة في الوضع السوري في تصاعد المخاوف لدى مصر من تداعيات هذه الأحداث على استقرارها وأمنها القومي.
في خطوة غير مسبوقة، وصل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الشاباك إلى القاهرة في زيارة عاجلة لبحث القلق المصري حيال الأوضاع في سوريا وتداعياتها المحتملة على دول الجوار، وبينما تسعى مصر لاحتواء التصعيد في غزة وتخفيف التوترات الإقليمية، يظل التهديد الأمني والاقتصادي الناجم عن الأزمة في سوريا في بؤرة اهتمام القيادة المصرية، ما يثير تساؤلات حول تأثير هذه التطورات على مستقبل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول المنطقة.
وكان القلق المصري هو سبب طلبهم عقد لقاء عاجل مع هليفي وبار، اللذان التقيا لساعات نظراءهما المصريين، حسبما ذكرت صحيفة “معاريف”، الأربعاء.
ويرجح في "إسرائيل"، حسب الصحيفة، أن هليفي وبار سيقومان بزيارات مشابهة إلى عواصم عربية وخاصة في دول الخليج الفارسي، بادعاء أنه “بدؤوا يشعرون في الشرق الأوسط بهزات ارتدادية” للزلزال في سورية.
وأردفت الصحيفة إن “التخوف الآن هو أن عددا كبيرا من الجماعات، بين اللاجئين السوريين وكذلك معارضي الأنظمة في أنحاء الشرق الأوسط، سترفع رؤوسها، من الأردن والعراق وحتى انتفاضة متجددة للإخوان المسلمين في السعودية والبحرين والكويت، وفي مصر أيضا”.
وتشير التوقعات الإسرائيلية إلى أنه في الفترة القريبة المقبلة، ستشهد دول عربية “عمليات وقائية” تنفذها أجهزة شرطة ومخابرات ضد ناشطين في جماعات متنوعة ومن ضمنها جماعات إسلامية متطرفة، “بهدف منع حدوث ما جرى في سورية في أراضيها، وتخشى "إسرائيل" من أن تحفز أحداث سورية جهات في الضفة الغربية”، حسب الصحيفة.
وحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن تقديرات في جهاز الأمن الإسرائيلي تشير إلى احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، بتأثير من سقوط نظام الأسد والتطورات في سورية التي وُصفت بـ”تدحرج حجارة الدومينو”، وأن يقود تدهور الوضع في الضفة الغربية في حال تصاعد بشكل كبير إلى انهيار السلطة الفلسطينية.
وكانت وسائل إعلام مصرية، قد ربطت زيارة هاليفي وبار بمساعي الوصول إلى تهدئة في قطاع غزة، واحتواء التصعيد في المنطقة.
وذكرت قناة القاهرة الإخبارية أن "الزيارة تأتي "في إطار سعي مصر للوصول إلى تهدئة في غزة، ودعم دخول المساعدات إلى القطاع، ومتابعة تدهور الأوضاع في المنطقة"، دون تفاصيل أكثر.
من جهتها، أفادت القناة "14" العبرية بأن بار وهاليفي "بحثا في القاهرة صفقة محتملة" لتبادل الأسرى، مضيفة إنه "جرى خلال اللقاء بحث أسماء وأعداد الأسرى الإسرائيليين بغزة الأحياء والقتلى، وأسماء وأعداد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم ضمن الصفقة".
ووفق القناة فإن "هناك بعض التقدم نحو التوصل إلى صفقة محتملة، والفرق عن المرات السابقة هو أن حركة حماس على ما يبدو لا تجعل وقف الحرب شرطا للصفقة"، وفق ادعائها.
وقالت إن "هاليفي كان حاضرا لأن المحادثات تناولت أيضا محور فيلادلفيا ومعبر رفح، ربما تحسبا لاحتمال نقل السيطرة عليهما إلى مصر أو إلى السلطة الفلسطينية".
ووفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في الـ30 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فقد تقدمت مصر بمقترح صفقة تشمل هدنة لـ60 يوما في غزة، وتبادلا للأسرى بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بعد 7 أيام من سريان الهدنة، ويسمح لـ"إسرائيل" بالاحتفاظ بوجود عسكري في غزة خلال هذه الفترة.
ويتضمن المقترح، حسب الصحيفة، إعادة فتح معبر رفح في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وأن تتولى السلطة الفلسطينية الإشراف على الجانب الفلسطيني من المعبر بمتابعة أوروبية، ضمن رقابة إسرائيلية، مع انسحاب حركة حماس، تماما من المعبر.
من جهته حذر خبير القانون الدولي محمد محمود مهران من مخاطر جسيمة تحيط بمصر في ظل تصاعد التوتر بالمنطقة، مشيرا إلى أن الأحداث الأخيرة في غزة وسوريا تشكل تهديدا للأمن القومي المصري.
وقال أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، إن المنطقة تشهد تحولات جيوسياسية خطيرة قد تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري.
وأوضح الدكتور مهران أن المخاطر المحدقة بمصر تتمثل في عدة محاور رئيسية، أبرزها التهديد الأمني على الحدود الشرقية مع استمرار العدوان على غزة، إضافة إلى التهديدات الاقتصادية الناجمة عن اضطراب الملاحة في البحر الأحمر، فضلا عن التهديد المائي مع استمرار أزمة سد النهضة.
كما أشار الخبير الدولي إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة يمثل تحدياً كبيراً لمصر، وخاصة مع تزايد الضغوط الإنسانية، محذرا من مخططات إسرائيلية لتهجير سكان غزة نحو سيناء، ومؤكداً أن الدولة المصرية ترفض بشكل قاطع أي محاولات للمساس بأمنها القومي.
وفيما يتعلق بالأزمة في سوريا، أكد مهران أن التصعيد الأخير وإسقاط النظام الحاكم، وتزايد التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا يشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي بأكمله، مضيفا إن تداعيات هذا الصراع قد تمتد لتشمل دول الجوار، ما يتطلب يقظة مصرية مستمرة.
وحول التهديدات الاقتصادية، أوضح الخبير أن استهداف الملاحة في البحر الأحمر يؤثر بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس، والتي تمثل مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة في مصر، محذرا من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة.
وشدد مهران على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب استراتيجية متكاملة تشمل تعزيز القدرات العسكرية والأمنية، وتقوية الجبهة الداخلية، وتنويع مصادر الدخل القومي، مؤكدًا أن مصر تمتلك من الخبرات والقدرات ما يمكنها من التعامل مع هذه التحديات بكفاءة.
وفيما يتعلق بالدور المصري في المنطقة، أشار أستاذ القانون إلى أن مصر تقوم بدور محوري في تهدئة التوترات وإيجاد حلول سلمية للأزمات، لافتا إلى أن القاهرة تنجح حتى الآن في الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها الإقليمية والدولية.
وحذر مهران مجددا من محاولات بعض القوى الإقليمية استغلال الأزمات الراهنة لتحقيق مكاسب على حساب الأمن القومي المصري، مشددا على أن مصر تراقب عن كثب كل التحركات في المنطقة وتتخذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها، مع تأكيده على ضرورة تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع الدول الصديقة، وتطوير القدرات العسكرية الردعية، وتقوية الجبهة الداخلية من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد مهران على أن قوة مصر واستقرارها يمثلان صمام أمان للمنطقة بأكملها، مؤكدا على أهمية الوعي الشعبي بحجم التحديات المحيطة، والتعامل بكل حذر في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة.
في الختام، تظل مصر أمام تحديات جيوسياسية خطيرة تهدد استقرار المنطقة بأسرها، وخاصة في ظل التوترات الناتجة عن الأوضاع في سوريا، وإن المخاوف المصرية من تأثيرات هذه التطورات على أمنها القومي والاقتصادي تفرض على السلطات المصرية اتخاذ خطوات استراتيجية لمواجهة هذه التهديدات.
ومن خلال تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع الدول الشقيقة، واتباع سياسة متوازنة في التعامل مع الأزمات الإقليمية، تسعى مصر للحفاظ على استقرارها وضمان حماية مصالحها، في هذا السياق، تبقى قوة مصر واستقرارها أحد العوامل الحاسمة في تأمين مستقبل المنطقة.