الوقت- لا شك أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية في العالم العربي والإسلامي، قضية تشغل بال الملايين وتستدعي التضامن والدعم، ولكن، وللأسف الشديد، فإن الصورة الداخلية للمشهد الفلسطيني معقدة ومتشابكة، مليئة بالتناقضات والمفارقات، ففي الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لواحدة من أعنف وأطول عمليات الاحتلال في التاريخ، نجد أن هناك قوى داخلية تعمل بشكل متناقض، بل وتتعارض مع تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وأبرز هذه القوى هي السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، بدلاً من أن تكون هذه الأجهزة حامية للشعب الفلسطيني وحقوقه، وتحارب من أجل تحريره من الاحتلال، نجدها تقوم بدور معاكس تماماً، فبدلاً من الوقوف إلى جانب أبناء شعبها المقاوم، نراها تقف بوجههم وتقمعهم، وتنفذ أجندة الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية.
لقد شهدنا جميعاً جرائم السلطة الفلسطينية بحق أبناء شعبها، سواء كانت اعتقالات تعسفية، أو قمعاً للمظاهرات السلمية، أو حتى تعاوناً أمنياً مع الاحتلال، هذه الجرائم ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لسلسلة طويلة من الانتهاكات التي ارتكبتها السلطة منذ تأسيسها، ولا يقتصر الأمر على الضفة الغربية، فحتى في قطاع غزة، لم يكن موقف السلطة الفلسطينية مشرفاً، ففي الحروب المتكررة التي شنتها "إسرائيل" على غزة، لم تقدم السلطة الدعم الكافي لأهل غزة هناك، بل غالباً ما كانت تتفرج على معاناتهم.
هذا الواقع المؤلم يطرح تساؤلات جدية حول دور السلطة الفلسطينية، وشرعيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني، فكيف يمكن لسلطة تقمع شعبها وتتعاون مع عدوه أن تدعي أنها تمثله؟ وكيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يحقق حريته واستقلاله في ظل وجود مثل هذه السلطة؟
أجهزة الأمن الفلسطينية.. حليف للاحتلال أم حامٍ للشعب؟
في تصريحات أصدرتها يوم السبت، "أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية أنها تمكنت من السيطرة على سيارة مفخخة كانت معدة للتفجير وسط المدنيين وعناصر الأمن في مدينة جنين بالضفة الغربية، هذا الإعلان جاء في سياق الاشتباكات العنيفة المستمرة بين الأجهزة الأمنية ومسلحي فصائل فلسطينية في المدينة ومخيمها".
وفقًا لبيان صادر عن المتحدث الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطيني، تم "إحباط محاولة لارتكاب كارثة محتملة في مخيم جنين، من خلال السيطرة على سيارة مفخخة كانت معدة من قبل مجموعات خارجة على القانون، والتي كان يُخطط لتفجيرها بين المدنيين وعناصر الأمن في عملية إجرامية جبانة تعكس نهجًا داعشيًا غريبًا عن المجتمع الفلسطيني".
تعرضت مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية للتأرجح مرة أخرى على صفيح ساخن، مصادر محلية في الضفة الغربية أفادت بأن الاشتباكات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والمقاومين بدأت في ساعة مبكرة من صباح السبت، كما تشهد المدينة اشتباكات في عدة نقاط وميادين عامة وتفجير عبوات ناسفة.
وفي الوقت ذاته، عقد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى ووزير الداخلية زياد هب الريح وقادة الأجهزة الأمنية اجتماعًا في مقر محافظة جنين لمتابعة التطورات الأمنية بعد إطلاق ما سُمي بـ"عملية حماية وطن" بهدف "بسط القانون".
صفحة سوداء بحق أبناء الشعب الفلسطيني
ازدادت وتيرة الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بحق الشباب الفلسطيني، ما أثار غضباً واسعاً داخل المجتمع الفلسطيني وخارجه، بدلاً من الوقوف إلى جانب أبناء شعبها ودعم نضالهم من أجل الحرية والكرامة، تنتهج السلطة الفلسطينية نهجاً مشابهاً لسياسات كيان الاحتلال الصهيوني، ما يفضح زيف ادعاءاتها بالعمل من أجل مصالح الشعب الفلسطيني.
يوماً بعد يوم، يسقط قناع السلطة الفلسطينية المزيف، كاشفًا عن تعاونها الحقيقي مع الاحتلال الإسرائيلي، وبدلاً من حماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي، تشارك السلطة الفلسطينية بشكل نشط في قمع واعتقال المقاومين، وحتى استهداف من يعتبرون "خارجين عن القانون"، هذا النهج المزدوج لا ينتهك حقوق الإنسان فحسب، بل يعمق أيضًا من التقسيم والعدم داخل المجتمع الفلسطيني.
تاريخ السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها يمكن وصفه بأنه صفحة سوداء بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ومنذ البداية، اتسمت سياساتها بالقمع والقهر، ما أدى إلى تعميق الانقسامات الداخلية وتقويض الجهود المبذولة لتحقيق التحرر الوطني، وبدلاً من أن تكون قوة دافعة نحو الوحدة والتحرير، أصبحت السلطة الفلسطينية رمزاً للخيانة والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
العديد من الفلسطينيين يرون أن السلطة الفلسطينية قد فشلت في تحقيق أبسط حقوقهم، بل ساهمت في تدهور أوضاعهم المعيشية والأمنية، حيث إن التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، واعتقالات النشطاء السياسيين، والقمع الممنهج للحريات العامة، كلها أمور تزيد من الغضب الشعبي تجاه السلطة، وإذا ما استمرت السلطة الفلسطينية في اتباع نفس النهج المعادي للمقاومة وتجاهل مطالب شعبها، فسوف يكون مصيرها إلى مزبلة التاريخ، فالمقاومة والوحدة الوطنية هما السبيل الوحيد لتحقيق الحرية والاستقلال، وشعب فلسطين لن يسكت طويلاً أمام الظلم والقهر، فالحراك الفصائلي والشعبي يزداد قوة يوماً بعد يوم، والذين يقفون في وجه الشعب الفلسطيني لن يكونوا إلا جزءاً من الماضي المظلم الذي يرفضه التاريخ.
سلطة عميلة للاحتلال
تثار تساؤلات جدية حول دور السلطة الفلسطينية في خدمة كيان الاحتلال الصهيوني، حيث أثارت العديد من الإجراءات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية جدلًا واسعًا، واعتبرها الكثيرون تعاونًا مع الاحتلال الإسرائيلي على حساب المقاومة.
تظهر التقارير والشهادات أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقوم بعمليات اعتقال واسعة النطاق ضد الشباب والمقاومين، بناءً على أوامر صادرة عن السلطات الإسرائيلية، وهذه الاعتقالات تهدف إلى تحجيم الأنشطة النضالية ومواجهة ما تعتبره السلطة "أعمال عنف".
من الناحية السياسية، يُنظر إلى هذا التعاون الأمني على أنه جزء من اتفاقات أوسلو التي وُقعت في التسعينيات، والتي كانت تهدف إلى إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع ذلك، فإن هذا التعاون الأمني قد أدى إلى تعميق الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، وخاصة بين حركتي فتح وحماس.
ترى حماس وغيرها من الفصائل المقاومة أن هذا التعاون يتناقض مع الأهداف النضالية ويضعف من قدرة الشعب الفلسطيني على مقاومة الاحتلال، ومن الناحية الإنسانية، تؤدي هذه الاعتقالات إلى توترات اجتماعية ونفسية كبيرة، حيث تواجه الأسرى المعتقلين صعوبات جمة، كما أن هذه الممارسات تزيد من الشعور بخيبة الأمل بين الشباب الفلسطيني.
في المقابل، تدعي السلطة الفلسطينية أنها تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الأمني في الضفة الغربية، ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات تثير تساؤلات حول مدى شرعية هذه الممارسات وأهدافها الحقيقية، وخاصة في ظل الانتهاكات الحقوقية التي ترتكب بحق المعتقلين.
في الختام لا يمكن وصف ما تقوم به السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية تجاه أبناء شعبها إلا بالخيانة الصارخة للأمانة الوطنية والتآمر على الثورة الفلسطينية، فبدلاً من أن تكون هذه الأجهزة حامية لشعبها وحارسة على ثوابته الوطنية، تحولت إلى أداة بيد الاحتلال لتعقب المقاومين وسحق أي صوت معارض.
إن اعتقالات الشباب والمقاومين، والتعذيب الذي يتعرضون له، والتنسيق الأمني الوثيق مع الاحتلال، كلها دلائل قاطعة على أن السلطة الفلسطينية قد فقدت بوصلتها وأصبحت جزءًا من المشكلة وليست الحل، هذه الأفعال لا تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني ولا تقربه من تحقيق حريته واستقلاله، بل تساهم في تعميق الانقسامات وتقويض أي أمل في مستقبل أفضل.
إن استمرار هذا الوضع يتطلب تحركًا عاجلاً وحازمًا من قبل الشعب الفلسطيني كافة، ويجب على جميع الفصائل والقوى الوطنية والشعبية التوحد في مواجهة هذه الممارسات الظالمة، والعمل على إسقاط هذه السلطة الفاسدة التي باعت القضية الوطنية، كما يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته والضغط على السلطة الفلسطينية لوقف انتهاكاتها بحق شعبها، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، كما أن استمرار الصمت والتخاذل أمام هذه الجرائم يعني الشراكة فيها.