الوقت – في مشهدٍ يعكس تفاقم الأزمة، انبرت وسائل الإعلام العبرية، خلال الفترة الأخيرة، في تسليط الضوء على تصاعد وتيرة الضربات الصاروخية اليمنية، مخصصةً الحيز الأكبر من تغطياتها الإعلامية لتحليل هذا التطور الاستراتيجي الخطير، وقد أماطت هذه التغطيات المكثفة، اللثام عن مكامن الخلل الجسيمة التي تعتري المنظومة الدفاعية للجيش الإسرائيلي، ما يضع علامات استفهام كبرى حول قدرته على مواجهة التحديات المتصاعدة.
القدرات الصاروخية اليمنية تتخطى الحواجز الجغرافية: من إيلات إلى عمق تل أبيب
في تطورٍ دراماتيكي يعكس تحولاً استراتيجياً في المشهد الإقليمي، كشفت هيئة البث في الكيان الصهيوني عن مشهدٍ غير مسبوق في تاريخ المواجهة، حيث شهدت الأراضي المحتلة موجة نزوح جماعية للمرة الثالثة خلال أسبوع واحد، إذ هرع الملايين إلى الملاجئ تحت وطأة الضربات الصاروخية اليمنية المتتالية.
وفي تحليلٍ عسكري، قدّم "نير دفوري"، الخبير العسكري في القناة 12 الإسرائيلية، شرحاً دقيقاً للتطور النوعي في القدرات العسكرية اليمنية، وأوضح أن الصاروخ الأخير الذي انطلق من اليمن وأصاب هدفه بدقة متناهية، يمثّل نقلةً نوعيةً في المواجهة الاستراتيجية، إذ تمكن من اختراق المنظومة الدفاعية الإسرائيلية متعددة الطبقات، ويعزى هذا النجاح الاستثنائي إلى ابتكارات تقنية متقدمة في تصميم الرأس الحربي وتزويده بمنظومة دفع صاروخي متطورة، ما أفقد منظومات الاعتراض الإسرائيلية قدرتها على التصدي له.
وفي تقييمٍ للموقف، أشار المحلل الصهيوني إلى أن الابتكارات التقنية التي أدخلتها القوات اليمنية على ترسانتها الصاروخية، قد أفضت إلى توسيع نطاق مداها بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي يشكّل تحولاً جذرياً في معادلات القوة الإقليمية، ويفرض واقعاً استراتيجياً جديداً على المنطقة بأسرها.
وفي تحليلٍ يكشف عمق المأزق الاستراتيجي، أفصح "تسفيكا هايموفيتش"، القائد السابق للمنظومة الدفاعية في الكيان الصهيوني، عن تحوّلٍ جذري في مسار المواجهة، مؤكداً أن القدرات العسكرية اليمنية قد تجاوزت حدود إيلات التي كانت تُشكّل المسرح التقليدي لعملياتها، لتمتد إلى العمق الاستراتيجي للكيان في المناطق المركزية من فلسطين المحتلة، في تطورٍ يُنذر بتحولاتٍ دراماتيكية في موازين القوى الإقليمية.
وأردف هايموفيتش، في تقييمٍ يعكس حجم القلق الاستراتيجي، أن الابتكارات التقنية المتقدمة التي أُدخلت على المنظومة الصاروخية اليمنية، تفرض تحدياتٍ غير مسبوقة على المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، ما يضعها أمام معادلاتٍ عسكرية جديدة.
وفي السياق ذاته، قدّم "ران كوخاف"، أحد أبرز القادة السابقين للمنظومة الدفاعية في جيش الاحتلال، وصفاً دقيقاً عبر القناة 13 الإسرائيلية، كاشفاً أن سلسلة الإخفاقات في التصدي للصواريخ اليمنية، تنبع من خللٍ بنيوي عميق يعتري المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، ما أفضى إلى فشلٍ متواصل في عمليات الاعتراض.
وفي تقييمٍ بالغ الأهمية، أماط "رونين مانليس"، الناطق العسكري السابق لجيش الاحتلال، اللثام عن واقعٍ أمني مقلق، مؤكداً أن الضربات اليمنية قد فرضت واقعاً جديداً على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي المحتلة. وأشار إلى أن هذا الواقع يتجلى في المشهد اليومي المتكرر لآلاف المستوطنين وهم يهرعون إلى الملاجئ، في دلالةٍ صارخة على عمق الأزمة الأمنية والاستراتيجية التي تعصف بالكيان الصهيوني.
وشدّد على أن استبعاد اليمن من دائرة الأهداف الاستراتيجية في خارطة المواجهة المعلنة، يُمثل خطأً استراتيجياً فادحاً، وأضاف إن منظومة الردع الإسرائيلية لا تزال تتخبط في محاولاتها لتحقيق أهدافها المرسومة، في ظل تنامٍ متسارع للقدرات العسكرية اليمنية.
وفي تشخيصٍ للمشهد، قدّم "مايكل ميلشتاين"، رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، تحليلاً كشف فيه أن مواجهة التحدي اليمني المتصاعد، يستلزم إعادة هيكلة جذرية للاستراتيجية الإسرائيلية برمتها.
وأوضح ميلشتاين، في تقييمٍ يعكس عمق المأزق الاستراتيجي، أنه في حين تقتضي الضرورة العسكرية توجيه الجهود نحو استهداف القيادات العليا لحركة أنصار الله، إلا أن الواقع الميداني يصطدم بعقبةٍ جوهرية، تتمثل في قصورٍ استخباراتي حاد وشحٍّ في المعلومات الاستراتيجية حول القيادات اليمنية، وهذا القصور المعلوماتي يُقوّض أي محاولة لتنفيذ عملياتٍ عسكرية فعّالة، ما يضع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في موقفٍ استراتيجي حرج.
الضربات الإسرائيلية تخفق في النيل من القدرات العسكرية اليمنية
من ناحية أخری، طرحت صحيفة "هآرتس" العبرية، عبر دراسة لـ "تسفي برئيل"، تساؤلاً محورياً يلامس جوهر الأزمة الراهنة: ما مدى قدرة الضربات الإسرائيلية المتتالية على ميناء الحديدة والمناطق اليمنية الأخرى في تحجيم القدرات العسكرية اليمنية المتنامية؟ وهل تمتلك هذه الضربات القدرة على إجبار صنعاء على وقف عملياتها الصاروخية والمسيّرة ضد الكيان الصهيوني؟
وفي شرح يستند إلى معطيات ميدانية، كشف المحلل الصهيوني عن حقيقةٍ مفادها بأن الغارات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، لم تنجح في إحداث أي خرقٍ جوهري في البنية التحتية العسكرية اليمنية، وأشار إلى أن النطاق العملياتي الإسرائيلي في الساحة اليمنية، يظل محدوداً ومقيداً بعوامل استراتيجية وتقنية متعددة.
کما أماط المحلل اللثام عن معضلةٍ جوهرية تواجه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تتمثل في غموضٍ استخباراتي حاد وضبابية في الخرائط المعلوماتية المتعلقة بالساحة اليمنية، وأضاف إن البنية العسكرية الراسخة والمتطورة التي تمتلكها صنعاء، تفرض تحدياتٍ غير مسبوقة على المنظومة العسكرية الإسرائيلية في أي مواجهة محتملة، ما يعمّق من حدة المأزق الاستراتيجي، ويضع الكيان الصهيوني أمام معادلاتٍ عسكرية معقدة.
الدول العربية تفتقر إلى الجرأة للانضمام إلى التحالف الأمريكي ضد اليمن
ويكشف المقال أن المشهد الإقليمي يفرض على "إسرائيل" معادلةً متعددة الأبعاد، تتخطى نطاق المصالح والسياسات الأمريكية، لتشمل حسابات دقيقة لمصالح المحور العربي الرئيسي، المتمثل في المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر في علاقتها مع اليمن.
وفي مفارقة لافتة، نجد أن هذه القوى العربية المحورية، على الرغم من تكبّدها خسائر اقتصادية جسيمة جرّاء الصراع اليمني السابق، تتخذ موقفاً حذراً يتسم بالامتناع المدروس عن الانضمام إلى التحالف الأمريكي المناهض لليمن في المرحلة الراهنة، ويعزى هذا الموقف إلى مخاوف عميقة من احتمالية استهداف بنيتها التحتية الحيوية، وبالأخص المنشآت النفطية الاستراتيجية، في سيناريو يستحضر هجمات 2019 المؤثرة على منشآت أرامكو السعودية.
وتكتسب المعادلة تعقيداً إضافياً في ضوء استعدادات المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، حيث تسعى المملكة جاهدةً للحفاظ على مناخ إقليمي مستقر، متجنبةً أي تصعيد محتمل مع اليمن، أو أي توترات إقليمية قد تؤثر سلباً على هذا الحدث العالمي المرتقب.
ويخلص تحليل صحيفة "هآرتس" إلى استنتاج محوري: تجد "إسرائيل" نفسها، كشريك في التحالف العسكري الأمريكي بالبحر الأحمر، في موقف دقيق يستدعي موازنةً حساسةً بين التزاماتها تجاه حلفائها الغربيين - الولايات المتحدة وبريطانيا - وضرورة احترام الخطوط الحمراء الإقليمية في التعامل مع الملف اليمني. ويضيف التحليل إن المشهد المستقبلي، حتى مع احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لا يحمل مؤشرات على تحسّن جوهري في الموقف الإسرائيلي تجاه اليمن.
ويكشف المقال عن تحول جذري في المشهد الإقليمي، حيث يستعرض كيف أن دونالد ترامب، وفي مقاربة براغماتية لافتة، دفع المملكة العربية السعودية نحو المسار الدبلوماسي مع صنعاء، مؤكداً بصريح العبارة أن الحل السياسي، وليس القوة العسكرية، هو المخرج الوحيد للأزمة اليمنية.
وفي سياق متصل، تتصاعد حدة الانتقادات في المحافل الإسرائيلية بوتيرة غير مسبوقة، موجّهةً سهام النقد اللاذع نحو المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيليتين، في ظل عجزهما الواضح عن مواجهة التحديات الاستراتيجية التي تفرضها القدرات العسكرية اليمنية المتنامية.
ويأتي تقييم "آفي أشكنازي"، الخبير العسكري في صحيفة "معاريف"، ليضع النقاط على الحروف، مؤكداً أن التأثير الاستراتيجي اليمني على الاقتصاد الإسرائيلي يمتد لأكثر من عام، في ظاهرة غير مسبوقة كشفت عن عجز إسرائيلي واضح في مواجهة التحديات المتصاعدة.
وفي شرح للإخفاق الاستخباراتي الإسرائيلي، يوجّه أشكنازي انتقادات حادة للمنظومة العسكرية الإسرائيلية، مشيراً إلى قصور استراتيجي في تقدير المخاطر المحتملة من الجبهة اليمنية، ويؤكد أن المؤسسة الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية أظهرت قصوراً استراتيجياً في التعامل مع التهديدات اليمنية، لتجد نفسها اليوم في سباق محموم لجمع المعلومات الاستخباراتية عن قدرات وإمكانيات أنصار الله، في وقت متأخر للغاية.
وتُختتم هذه التحليلات بتقرير استخباراتي كشفت عنه القناة 13 الإسرائيلية، يشير إلى تقديرات عسكرية إسرائيلية تتوقع تصعيداً استراتيجياً في العمليات العسكرية اليمنية ضد الكيان الإسرائيلي.