الوقت - لم يعد القطب الشمالي المنطقة المجمدة والنائية كما هو في السابق، مع ذوبان الجليد، تشتد المنافسة الجيوسياسية والاقتصادية في القطب الشمالي، هذه المنطقة غنية بموارد المحيط الطبيعية مثل النفط والغاز والأسماك والمعادن الأرضية النادرة، وأصبحت منذ عدة سنوات محط اهتمام القوى العالمية، وتتنافس مختلف البلدان بشدة على الموارد وطرق الشحن الجديدة من القطب.
ما هي جاذبية القطب الشمالي؟
يتمتع القطب الشمالي باحتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية، وتشتهر جرينلاند بمعادنها الأرضية النادرة، وتعد سيبيريا كنزًا دفينًا لموارد الطاقة، وقد جذبت هذه الأصول اهتمام الدول الأخرى بشكل متزايد، بالنسبة للصين، تتمتع إمكانات طريق الحرير القطبي الشمالي، كجزء من مبادرة الحزام والطريق، بجاذبية اقتصادية واستراتيجية.
ومن الممكن أن يؤدي طريق الحرير القطبي الشمالي، إذا تم تشغيله، إلى تقليص مسافة الشحن بين الصين وأوروبا بشكل كبير، الرحلة من شنغهاي، الصين إلى روتردام، هولندا عبر طريق القطب الشمالي أقصر بحوالي 6400 كيلومتر من الطرق التقليدية عبر مضيق ملقا وقناة السويس، وهذا يعني توفيرًا كبيرًا في الوقت والمال، ما يقلل الرحلة التي تستغرق 48 يومًا إلى حوالي 35 يومًا.
وقد سلطت الاضطرابات الأخيرة في طرق التجارة التقليدية، مثل الحرب في اليمن ثم الحرب في غزة وتأثيراتها على الشحن في البحر الأحمر، الضوء على قيمة الشحن في القطب الشمالي.
القطب لا يزال هادئا
على الرغم من عوامل الجذب الكبيرة لطرق التجارة من القطب الشمالي، إلا أن حركة المرور على طريق بحر الشمال لا تزال ضئيلة، وفي عام 2023، سجل طريق بحر الشمال الروسي مرور 34 مليون طن فقط من البضائع، بينما مر أكثر من مليار طن عبر مضيق ملقا في نفس العام (اسم الممر المائي بين سومطرة وشبه جزيرة الملايو الذي يربط بحر أندامان في المحيط الهندي ببحر الصين الجنوبي في المحيط الهادئ) في جنوب شرق آسيا، ولا يجرؤ سوى عدد قليل من السفن غير الروسية على عبور مياه القطب الشمالي، حيث يظل الطريق محفوفًا بالتحديات اللوجستية والبيئية والسياسية.
قد يظهر القطب الشمالي كطريق مختصر على الخريطة، لكن الملاحة فيه لا تزال محفوفة بالمخاطر، على الرغم من ذوبان الجليد، لا يمكن التنبؤ بظروف الشحن بسبب الجليد العائم والطقس القاسي وفترات الظلام الطويلة خلال أشهر الشتاء، وتحتاج السفن إلى هياكل متطورة لتحمل الاصطدامات الجليدية، وتفتقر المنطقة إلى البنية التحتية القوية اللازمة للشحن التجاري.
ويؤكد الخبراء أن مخاطر النقل من طرق القطب الشمالي أكبر من فوائده، حيث يمكن أن يكون حطام السفينة في القطب الشمالي كارثيًا ويترك الطاقم عالقًا في الجليد، بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قدرات روسيا على الدوريات القطبية وفرق الإنقاذ محدودة.
مجال المنافسات الإستراتيجية
وفي الوقت نفسه، فإن القطب الشمالي ليس ساحة معركة اقتصادية فحسب، بل هو أيضا مسرح للمنافسة الاستراتيجية المتنامية بين جيران القطب الشمالي والمنافسين العالميين، وبعد حرب أوكرانيا، حاول مجلس القطب الشمالي - الذي ينسق التعاون الإقليمي بين دول القطب الشمالي الثماني - إلى حد كبير تهميش موسكو، وقد أدى ذلك إلى إضعاف مكانة روسيا الدبلوماسية داخل مجلس القطب الشمالي، وخاصة أن الأعضاء الآخرين في مجلس القطب الشمالي هم دول أعضاء في الناتو.
كما أن انضمام السويد وفنلندا مؤخراً إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أدى إلى توازن ضد روسيا، وفي الوقت نفسه، أبدى حلف شمال الأطلسي استعداده لإجراء عمليات في القطب الشمالي من خلال تدريبات بمشاركة آلاف الجنود من النرويج والسويد وفنلندا، وفي الوقت نفسه، أصبح الوجود العسكري الروسي في القطب الشمالي أكثر محدودية مما كان عليه في الماضي بسبب الحرب في أوكرانيا.
وحتى الصين، التي تقع جغرافياً خارج منطقة القطب الشمالي، أعلنت نفسها دولة قريبة من القطب الشمالي، ويبدو أن هذا الادعاء الصيني يهدف إلى هدفين: تأمين الوصول إلى موارد القطب الشمالي، وكذلك استغلال خطوط الشحن الناشئة.
وفي الوقت نفسه، تراقب روسيا بعناية ادعاءات الصين بشأن القطب الشمالي ولا تتفق مع بعض ادعاءات الصين، ويشكل القطب الشمالي جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي والصادرات الروسية.
تمتلك روسيا حاليًا أكبر أسطول من كاسحات الجليد إلى جانب كاسحات الجليد التقليدية، حيث تعد روسيا الدولة الوحيدة التي تستخدم كاسحات الجليد النووية، وتعد كاسحات الجليد مهمة لتطهير الممر، وخاصة في فصل الشتاء عندما يمكن للجليد الصلب أن يمنع مرور السفن التجارية.
ومن ناحية أخرى، اتخذت الصين نهجا طويل الأمد واستثمرت البلاد بكثافة في أبحاث القطب الشمالي وتطوير التكنولوجيا للشحن القطبي وكسر الجليد واستخراج الموارد، ومن خلال توسيع قدراتها التكنولوجية، تضع الصين نفسها في وضع يسمح لها بالاستفادة من إمكانات القطب الشمالي في العقود المقبلة، ومع ذلك، فقد تم تخفيف حدة خطاب بكين حول طريق الحرير في القطب الشمالي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ما يعكس التحديات اللوجستية والجيوسياسية التي يواجهها الطريق.
تعد المنطقة القطبية الشمالية واحدة من المناطق البحرية القليلة التي لا تهيمن عليها البحرية الأمريكية، وقد تسبب هذا في قلق استراتيجيي لوزارة الدفاع الأمريكية بشأن النفوذ المتزايد لروسيا والصين في هذه المنطقة، وحذر الأدميرال داريل كودل من البحرية الأمريكية من تصرفات روسيا والصين في القطب الشمالي، وقد أدركت الولايات المتحدة تدريجياً الأهمية الاستراتيجية للقطب الشمالي، كما أن القدرات الأمريكية في كسر الجليد متخلفة عن روسيا.
الرؤية المستقبلية
مستقبل القطب الشمالي كطريق تجاري غير مؤكد، وفي حين يفتح ذوبان الجليد نظريا فرصا جديدة، فإن التحديات العملية ــ من الظروف الجغرافية الصعبة إلى التوترات الجيوسياسية ــ لا تزال تقف في الطريق.
على الرغم من العقبات الحالية، تظل منطقة القطب الشمالي منطقة ذات إمكانات هائلة بالنسبة لروسيا، ويعد هذا بمثابة شريان الحياة للحفاظ على أهميتها الجيوسياسية، وبالنسبة للصين، فهي منطقة استراتيجية لتأمين الموارد وتنويع طرق التجارة، وبالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فهو مجال لمواجهة النفوذ المتزايد لروسيا والصين، ربما لا يكون القطب الشمالي قادراً بعد على التنافس مع قناة السويس أو مضيق ملقا باعتباره شرياناً تجارياً عالمياً، ولكن المنافسة الهادئة تتشكل تحت الجليد الذائب.