الوقت- أمام هول المجازر في غزة لم تعد جريمة الإبادة الجماعية التي يقترفها كيان العدو الاسرائيلي في غزة خفية على أحد، الأمر الذي أجبر استاذ تاريخ المحرقة في الجامعة الغبرية في القدس عاموس غولدبرغ على الاعتراف بهول الجريمة الصهيونية وذلك في مقال رأي نشره موقع "مشروع فلسطين" وفق ما نقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
حيث قال غولدبرغ: إن حجم القتل والدمار الذي ألحقته "إسرائيل" بغزة يشكل “سحقاً متعمداً للوجود الفلسطيني في غزة"، وكتب غولدبرغ في مقاله رافضا العديد من الحجج الخاطئة التي استشهد بها المدافعون الإسرائيليون لإنكار الفظائع التي ارتكبت في غزة، قائلا: “نعم، إنها إبادة جماعية”.
نطق ناطق من أهله
وأضاف الباحث الإسرائيلي في مداخلته التي أعاد نشرها موقع “ميدل إست مونيتور”، إنه من الصعب والمؤلم للغاية الاعتراف بذلك، ويقصد الإبادة الجماعية، واستدرك بالقول “ولكن على الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من كل جهودنا للتفكير بشكل مختلف، بعد أشهر من الحرب الوحشية، لم يعد بإمكاننا تجنب هذا الاستنتاج".
إن مقال غولدبرغ هو الأحدث من أحد كبار الخبراء في هذا الموضوع للوصول إلى مثل هذا الاستنتاج المدمر، كما يلاحظ “ميدل إيست مونيتور”، بعد أن ذكر المقال أن الإسرائيليين مخطئون في وجهة نظرهم بأن الإبادة الجماعية يجب أن تبدو مثل الهولوكوست قبل أن يتم تصنيفها على هذا النحو، يشرح لماذا يعتقد أن تصرفات كيان الاحتلال يمكن اعتبارها إبادة جماعية.
ويعترف البروفيسور الإسرائيلي أن هناك أدلة كافية للتوصل إلى أن جيش الاحتلال الاسرائيلي يمارس إبادة جماعية في غزة وقال غولدبرغ: “سوف تمر عدة سنوات قبل أن تصدر المحكمة في لاهاي حكمها، لكن يجب ألا ننظر إلى الوضع الكارثي من خلال العدسات القانونية البحتة".
وأضاف إن “ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية لأن مستوى ووتيرة القتل العشوائي والدمار والطرد الجماعي والتهجير والمجاعة والإعدامات ومحو المؤسسات الثقافية والدينية وسحق النخب، بما في ذلك قتل الصحفيين".
واعتبر البروفيسور الإسرائيلي أن “التجريد الشامل من الإنسانية للفلسطينيين يخلق صورة شاملة للإبادة الجماعية، والسحق الواعي والمتعمد للوجود الفلسطيني في غزة”
وفي إحدى الحجج الأكثر إقناعًا التي قدمها غولدبرغ، يذكر البروفيسور الإسرائيلي أن “القاسم المشترك” في معظم عمليات الإبادة الجماعية هو ادعاء مرتكبي أعمال الإبادة الجماعية بأن الدافع وراء أعمال الإبادة الجماعية هو الدفاع عن النفس، وقال غولدبرغ: “من الناحية التاريخية، لا يتعارض الدفاع عن النفس مع الإبادة الجماعية، ولكنه عادة ما يكون أحد أسبابها الرئيسية، إن لم يكن السبب الرئيسي".
يضيف عاموس غولدبرغ: باعتباري مؤرخًا، إذا نظرت إلى الصورة الشاملة، ستجد كل عناصر الإبادة الجماعية، فالنّية واضحة: فقد أعرب الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والعديد من كبار الضباط العسكريين عن ذلك بكل صراحة، لقد شهدنا تحريضات لا حصر لها لتحويل قطاع غزّة إلى أنقاض، وادعاءات بعدم وجود أبرياء هناك، وما إلى ذلك، وتتعالى الدعوات الشعبية لتدمير قطاع غزّة من كل أطياف المجتمع الصهيوني والقيادة السياسية، حيث يسود في المجتمع الإسرائيلي جو متطرف لنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين إلى حد لا أستطيع أن أتذكر أني رأيته طوال الثمانية والخمسين عامًا التي عشتها هنا.
النتيجة هي كما هو متوقع: قتل وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، وتجويع متعمد ومنع المساعدات الإنسانية، ومقابر جماعية لا نعرف مداها الكامل حتى الآن، ونزوح جماعي، وما إلى ذلك، وهناك أيضًا شهادات موثوقة عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة [دون مُحاكمة]، ناهيك عن عمليات القصف العديدة للمدنيين فيما تسمى بالـ «مناطق الآمنة»، لم يعد قطاع غزّة كما عرفناه موجودًا بعد الآن، وبالتالي فإن النتيجة تتناسب تماما مع النوايا. ولكي نفهم النطاق الكامل لهذا الدمار والقسوة، أنصح بقراءة تقرير الدكتور لي مردخاي، وهو السجل الأكثر شمولًا وتحديثًا لما حدث في قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويحذر غولدبرغ من أن "إسرائيل" تسير على طريق الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين في فلسطين منذ تأسيسها في عام 1948 عندما تعرض أكثر من نصف السكان للتطهير العرقي، ويذكر الحقيقة المعروفة وهي أن هناك صلة بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
من هو عاموس غولدبرغ؟
عاموس غولدبرغ، أستاذ مشارك في قسم التاريخ اليهودي واليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس، نُشرت له مقالة في شهر أبريل/نيسان في مجلة لوكال كول (سيحا مكوميت)، خلُص فيها إلى أن تصرفات "إسرائيل" في قطاع غزّة تُمثّل إبادة جماعية.
صرخة علماء
في سياق متصل ووسط صمت عالمي مطبق أطلق فريق يضم 15 عالم طب نداء عاجلا لكسر الصمت العالمي حيال الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.
الفريق العلمي الذي تترأسه عالمة الجينات الإيطالية باولا ماندوكا، أطلق النداء بعنوان "إدانة الإبادة الجماعية في غزة واتخاذ الإجراءات اللازمة"، إلا أن مجلات علمية مرموقة رفضت نشره، وجاء في النداء الذي نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "يجب على المنظمات الطبية بكل أنحاء العالم أن تدين حالة الحرمان من العلاج (في غزة)"، وذكر أن المؤسسات الطبية التي تلتزم الصمت إزاء هذا الوضع "ستظل متواطئة في الجرائم المرتكبة في غزة".
وأكدت ماندوكا التي عملت بمستشفيات غزة بين عامي 2010 و2019، أن مجلتين طبيتين رفضتا نشر النداء العاجل، وأوضحت أن إحدى المجلتين "لم تستجب على الإطلاق، والأخرى بررت رفضها بعدم وجود محتوى أخلاقي كاف"، وقالت ماندوكا: "يبدو أن النشر في المجلات يقتصر على نقل الأحداث فقط، وأن انتقاد المنظمات الطبية والدعوة للتحرك غير مقبول".
ولفتت إلى أنها قررت مع الفريق العلمي الذي تترأسه، نشر النداء العاجل على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفت العالمة الإيطالية صمت المنظمات الطبية على ما يحدث في غزة بأنه "مروع"، وذكرت أن المؤسسات الصحية الكبرى ليس في "إسرائيل" فقط بل في دول أخرى أيضا، التزمت الصمت تجاه هذه الأوضاع.
ودعت ماندوكا المنظمات الصحية الكبرى إلى "ممارسة الضغوط من أجل وقف هجمات الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة وخلق قضية رأي عام" بهذا الخصوص.