الوقت- هدّد جون ثون، زعيم الأغلبية الجديد في مجلس الشيوخ الأمريكي، المحكمة الجنائية الدولية بعقوبات صارمة إذا لم تُلغِ قرارها بشأن إصدار مذكرة توقيف ضد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وعدد من المسؤولين الإسرائيليين.
وجاءت تصريحات ثون في منشور له عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، حيث قال:
"إذا لم تُلغِ المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام قرارها المسيء وغير القانوني بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، يجب على مجلس الشيوخ التصويت فورًا على تشريع العقوبات".
وأضاف: إن الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، في حال تقاعس زعيم الأغلبية الحالي تشاك شومر عن التحرك، ستقف إلى جانب "إسرائيل"، باعتبارها "حليفًا رئيسيًا"، وستجعل هذا الأمر أولوية قصوى ضمن تشريعات الكونغرس المقبلة.
في 20 مايو الماضي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو، ويوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي، على خلفية تورطهما في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومع ذلك، تعرضت عملية إصدار القرار لتأخير استمر خمسة أشهر نتيجة الضغوط السياسية والتدخلات التي مارستها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
موقف الولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية
لطالما اتخذت الولايات المتحدة موقفًا معارضًا للمحكمة الجنائية الدولية، حيث رفضت مرارًا الانضمام إلى نظامها الأساسي (نظام روما الأساسي)، وأكدت عدم اعترافها بولايتها القضائية، وفي هذا السياق، تعتبر واشنطن أن أي استهداف لمسؤولين إسرائيليين بمثابة تجاوز للخطوط الحمراء التي تستدعي ردًا حاسمًا، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على المحكمة نفسها.
تأثير القرار على العلاقات الدولية
يشكل قرار المحكمة الجنائية الدولية محطة جديدة في النزاع المستمر حول محاسبة المسؤولين الإسرائيليين على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، فمن جهة، يعتبر الفلسطينيون هذا القرار خطوة تاريخية نحو تحقيق العدالة ومحاسبة الاحتلال على جرائمه المستمرة، ومن جهة أخرى، تنظر "إسرائيل" وحلفاؤها، وخاصة الولايات المتحدة، إلى القرار على أنه تهديد سياسي وأمني يستهدف شرعية قادتها.
تأسست المحكمة الجنائية الدولية كهيئة قضائية مستقلة تهدف إلى محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، إلا أن طبيعة عمل المحكمة تواجه تحديات عديدة، أبرزها ضعف التعاون من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة و"إسرائيل" التي ترفض الاعتراف بولايتها القضائية.
الكيان الإسرائيلي فوق المساءلة؟
منذ عام 1948، تمتع الاحتلال الإسرائيلي بحماية شبه مطلقة من المجتمع الدولي، وخاصة من قبل الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع إصدار قرارات تدينه، وفي هذا السياق، يظهر قرار المحكمة الجنائية الدولية كخطوة جريئة، لكنه يواجه مقاومة شديدة من القوى الغربية التي تسعى لإبقاء "إسرائيل" بمنأى عن المساءلة الدولية.
إذا تم تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، سيعتبر ذلك انتصارًا تاريخيًا للفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، كما قد يشجع القرار منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية على مواصلة توثيق الجرائم ورفع المزيد من القضايا ضد القادة الإسرائيليين.
من المتوقع أن تواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات كبيرة في تنفيذ قرارها، حيث يمكن أن تؤدي التهديدات الأمريكية إلى تقليص موارد المحكمة، أو حتى تقويض شرعيتها الدولية، ومع ذلك، فإن التمسك بمبادئ العدالة الدولية قد يدفع دولًا أخرى لدعم المحكمة، ما يشكل تحديًا لهيمنة الولايات المتحدة وحلفائها على النظام الدولي.
تداعيات حماية زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي لبنيامين نتنياهو
حماية زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، جون ثون، لبنيامين نتنياهو ليست مجرد موقف سياسي، بل هي رسالة واضحة حول مدى دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" بغض النظر عن سياساتها العدوانية في غزة ولبنان، هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية طويلة الأمد تركز على حماية "إسرائيل" كحليف رئيسي، ما يترك تداعيات عميقة على عدة مستويات:
إضفاء شرعية دولية على سياسات نتنياهو:
الدعم العلني من الولايات المتحدة، وخاصة من شخصيات بارزة مثل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، يعزز من جرأة نتنياهو في مواصلة سياساته العدوانية ضد الفلسطينيين واللبنانيين، مع شعوره بأن المحاسبة الدولية ستكون ضعيفة أو معدومة.
إضعاف العدالة الدولية
تهديد المحكمة الجنائية الدولية بعقوبات يضعف قدرتها على ملاحقة جرائم الحرب، ليس فقط في حالة "إسرائيل"، بل على مستوى عالمي، هذا يعكس ازدواجية المعايير في النظام الدولي ويقوض جهود العدالة والمساءلة.
تصعيد النزاع في غزة ولبنان
مع وجود دعم أمريكي قوي، قد يفسر نتنياهو ذلك كضوء أخضر لتصعيد حملاته العسكرية ضد غزة ولبنان، ما يزيد من احتمالات اندلاع صراعات جديدة أو توسع القتال الحالي.
ضغوط على الدول العربية والإقليمية
الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل" يعزز الضغط على الدول العربية المطبعة مع "إسرائيل"، ويؤدي إلى تعقيد المواقف الإقليمية، وخاصة في ظل تصاعد الغضب الشعبي العربي تجاه سياسات الاحتلال.
تأثير الانتخابات الأمريكية على نتنياهو وحروبه
الانتخابات الأمريكية تأتي في وقت حساس بالنسبة لنتنياهو، حيث تتقاطع سياساته الداخلية والخارجية مع التحولات في السياسة الأمريكية، يمكن تلخيص تأثير الانتخابات الجديدة في النقاط التالية:
تعزيز الدعم الجمهوري
مع سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، ومنهم شخصيات مثل جون ثون، سيزداد دعم "إسرائيل" بشكل مباشر، وخاصة فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية والتغطية السياسية في المحافل الدولية.
تصعيد السياسات العدوانية
يدرك نتنياهو أن وجود قيادة أمريكية داعمة مثل الجمهوريين يعطيه مساحة أكبر للمناورة، ما يدفعه لتصعيد حملاته العسكرية ضد غزة ولبنان لكسب مكاسب سياسية داخلية، سواء عبر سحق المقاومة الفلسطينية أو ضرب حزب الله في لبنان.
تعقيد المفاوضات الدولية
وجود إدارة أمريكية داعمة لـ"إسرائيل" قد يعقد أي جهود دولية لوقف إطلاق النار أو التوسط في النزاعات، الولايات المتحدة قد تلعب دورًا معرقلًا لأي قرارات في الأمم المتحدة تدين "إسرائيل".
يمثل قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف ضد بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت محطة مهمة في معركة تحقيق العدالة الدولية، ومع ذلك، فإن هذا القرار يضع المحكمة أمام اختبار حقيقي بشأن مدى قدرتها على مقاومة الضغوط السياسية من القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح العدالة الدولية في محاسبة المسؤولين الإسرائيليين، أم إن القوة السياسية ستنتصر على القانون مرة أخرى؟