الوقت - أثار موقف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر حيال الأوضاع في غزة جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والمجتمعية في المملكة المتحدة، حيث انتقد ممثلو الجالية العربية بشدة تصريحاته التي امتنع فيها عن وصف الهجوم على غزة بالإبادة الجماعية.
واعتبروا أن تصريحاته تنطوي على تجاهل للمسؤولية الأخلاقية والقانونية، وطالبوه بمراجعة موقفه والاعتراف بما وصفوه بالجرائم الجارية في غزة باعتبارها تطهيرًا عرقيًا وأعمال إبادة جماعية وفقًا للقانون الدولي.
وخلال جلسة البرلمان الأخيرة، رفض ستارمر استخدام مصطلح "إبادة جماعية" للإشارة إلى الأحداث في غزة، مستندًا إلى تعريف الإبادة الجماعية في القانون الدولي.
وصرّح أمام مجلس العموم أنه يدرك تمامًا تعريف الإبادة الجماعية، ولهذا السبب لا يستخدم المصطلح لوصف ما يجري، لكن موقفه قوبل بردود فعل قوية، أبرزها من النائب أيوب خان الذي أكد أن الإبادة الجماعية تُحدد بالنية لا بالأرقام، مشيرًا إلى أن تصرفات الحكومة الإسرائيلية خلال أكثر من 400 يوم تظهر بوضوح نوايا متعمدة للإبادة الجماعية، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من 45 ألفًا من المدنيين الأبرياء.
رسالة قوية إلى رئيس الوزراء
في رسالة شديدة اللهجة، عبّر ممثلو الجالية العربية في المملكة المتحدة عن إدانتهم لموقف رئيس الوزراء، وأكدوا أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف المدنيين، بمن في ذلك الأطفال والنساء، وتدمير البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس، تشكل جرائم حرب واضحة وفقًا لاتفاقيات جنيف.
وقالوا إنه “في حين أننا نقدر بعض الخطوات الإيجابية التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء، مثل دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وفرض قيود على صادرات الأسلحة إلى الدولة المحتلة، إلا أن موقفاً شخصياً من شخصية معروفة بتاريخها في الدفاع عن حقوق الإنسان، يظل محبطاً إذا ما تم التقليل من شأن أو إنكار خطورة هذه الجرائم".
واعتبروا “أن الإجراءات المستمرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك التهجير القسري، التدمير الواسع للبنية التحتية المدنية، والقتل المستهدف للمدنيين، تتوافق تماماً مع تعريفات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويجب أن يتم التعاطي معها على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي”.
وأضافت الرسالة إن "إسرائيل" تتبع سياسة ممنهجة للتجويع في شمال غزة وتطهير عرقي يهدف إلى إخلاء السكان قسرًا وإنكار حقهم في العودة.
كما شددت الرسالة على أن موقف رئيس الوزراء البريطاني يهدد بتوريط المملكة المتحدة أخلاقيًا وقانونيًا، ويضعها في "الجانب الخطأ من التاريخ".
ودعت الرسالة الحكومة البريطانية إلى اتخاذ خطوات فورية للتصدي للانتهاكات الإسرائيلية، من بينها:
1. وقف صادرات الأسلحة: وقف تصدير أي أسلحة يمكن استخدامها في الصراع.
2. الضغط الدبلوماسي: ممارسة أقصى درجات الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف العمليات العسكرية في غزة ولبنان.
3. الدعم القانوني الدولي: دعم التحقيقات والملاحقات القضائية في المحكمة الجنائية الدولية بحق المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.
4. الالتزام بالقانون الدولي: الامتناع عن دعم أي انتهاكات للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يتوافق مع التزامات المملكة المتحدة بموجب اتفاقيات جنيف.
وأكد ممثلو الجالية العربية أن بريطانيا، كعضو في الأمم المتحدة، يجب أن تلتزم بدورها في دعم حقوق الإنسان والقانون الدولي، بما في ذلك حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، كما دعوا إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن وتوصيات لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة.
واختُتمت الرسالة بتأكيد على أهمية أن يكون موقف رئيس الوزراء البريطاني واضحًا وثابتًا بشأن هذه القضايا الإنسانية الخطيرة.
واعتبرت الجالية أن استمرار الرفض لتسمية الجرائم بما هي عليه يُظهر تخليًا عن العدالة والمسؤولية الأخلاقية، ودعت إلى تغيير فوري في السياسة لضمان مواجهة هذه الجرائم وإدانتها على جميع المستويات.
ومن الموقعين على الرسالة: عدنان حميدان ـ رئيس منصة "العرب في بريطانيا، د. غادة كرمي ـ طبيبة ومؤرخة، صباح المختار ـ رئيس اتحاد المحامين العرب، رغد التكريتي ـ ممثلة الجمعية الإسلامية في بريطانيا، ريم الكيلاني ـ موسيقية وفنانة، د. محمد الحاج علي - رئيس الجمعية السورية الويلزية، د. عمر عبد المنان - رئيس العاملين الصحيين البريطانيين من أجل فلسطين، زاهر بيراوي - رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا، محمد كزبر - مدير مسجد فينسبري بارك في شمال لندن، د. أسامة أبو عون - مستشار وأكاديمي.
رسالة الجالية العربية في بريطانيا تعكس إحساسًا عميقًا بالمسؤولية تجاه ما يحدث في غزة، وتدعو إلى اتخاذ مواقف واضحة تعزز العدالة وتدعم حقوق الإنسان، موقف رئيس الوزراء البريطاني الحالي يثير تساؤلات أخلاقية وسياسية حول دور بريطانيا في هذا الصراع ومدى التزامها بمبادئ القانون الدولي.
وتواصل "إسرائيل" مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
موقف ستارمر، إذا استمر، قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين الحكومة البريطانية والجالية العربية، وقد يؤثر ذلك على صورة المملكة المتحدة في العالم العربي، فرفض تسمية هذه الجرائم بما هي عليه يعكس، حسب الجالية، عدم الاكتراث بالعدالة ويهدد بتوريط المملكة في تاريخ من الانتهاكات.
وفي الختام يمكن القول إن ما يحدث في غزة ليس مجرد صراع عسكري، بل هو قضية إنسانية تتطلب من المجتمع الدولي، بما في ذلك بريطانيا، اتخاذ موقف واضح وصريح، حيث إن موقف الجالية العربية في المملكة المتحدة يعكس الحاجة الملحة لتغيير السياسات الحالية، لضمان احترام حقوق الإنسان ومواجهة الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية بفعالية.