الوقت - في حين يسعى الكيان الصهيوني، عبر إرسال وفود أمريكية إلى بيروت، إلى وقف عمليات حزب الله ضده في شمال ووسط فلسطين المحتلة، معتقداً أن الضغوط العسكرية والسياسية على لبنان قد تُجبر المقاومة على التراجع، بدأت وسائل الإعلام والأوساط العبرية بالكشف عن حقائق متعددة، تُظهر أن الوضع الفعلي لـ "إسرائيل" يتناقض تماماً مع ادعاءات مسؤوليها.
نتنياهو غير مكترث لمعاناة الإسرائيليين
وفي هذا السياق، صرَّح "عاموس هرئيل"، الكاتب والمحلل العسكري الصهيوني البارز في صحيفة "هآرتس" العبرية، بأن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى إنهاء العمليات في لبنان، غير أنه لا توجد أي مؤشرات على سعي الحكومة نحو تسوية سياسية في المستقبل القريب.
يأتي هذا في وقت يُقتل فيه عدد من الجنود الإسرائيليين يومياً في المواجهات مع قوات حزب الله، فيما يستمر القصف الصاروخي المكثف على الجبهة الشمالية لـ "إسرائيل" (فلسطين المحتلة)، ما يؤدي إلى خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين، وقد امتدت صفارات الإنذار من المناطق الشمالية إلى المناطق الوسطى.
وأضاف هرئيلك إنه بعد استعراض مستفيض للتطورات الأخيرة في الصراع الدائر بين "إسرائيل" وحزب الله، يتجلى بوضوح أن الأمور لم تجرِ وفقًا للسيناريو الذي رسمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعائلته، ففي الوقت الذي ينشغلون فيه بإصلاح نوافذ مسكنهم التي طالها الضرر جراء هجوم شنته طائرة مسيرة تابعة لحزب الله، نجد كبار المسؤولين العسكريين، على غرار رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي ووزير الحرب يوآف غالانت، يقفون موقفًا ضعيفًا ومتراجعًا أمام نتنياهو.
وتثير التصريحات الصادرة عن نتنياهو، والتي يعرب فيها عن عزمه على مواصلة المعركة حتى بلوغ نهايتها، العديد من التساؤلات حول ماهية هذه النهاية المنشودة بالتحديد، فهل يرمي بذلك إلى إعادة احتلال جنوب لبنان وصولًا إلى نهر الليطاني؟
الکيان يبالغ 100% بشأن الضربات التي تستهدف حزب الله
وفي هذا الصدد، اعترف المحلل الأمني البارز في صحيفة يديعوت أحرونوت، رونان بيرغمان، بأن "إسرائيل" قد بالغت بنسبة 100% في تقدير حجم الضربات التي وجهتها لحزب الله، مشددًا على أن المؤسسات الإسرائيلية رفيعة المستوى، بما فيها أجهزة الاستخبارات والمؤسسة العسكرية، قد تصرفت بأسلوب يفتقر إلى الاحترافية إلى حد بعيد، وانجرفت في غمرة نشوة وهمية.
من ناحيته، أكد ران بن يشاي، المحلل العسكري في الصحيفة ذاتها، أن وقع الصدمة التي تلقاها حزب الله قبل شهر من الآن قد تبدد، مستشهدًا في ذلك بالأحداث الجارية على أرض المعركة في القرى الحدودية بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حزب الله، علاوةً على الهجمات الصاروخية المتلاحقة التي يشنها الحزب، ولا سيما هجماته الفتاكة بواسطة الطائرات المسيرة ضد أهداف إسرائيلية.
استراتيجية حزب الله الدقيقة في توجيه ضربات قاصمة للجيش الإسرائيلي
وأضاف المحلل: تمثّل هذه الظاهرة سمةً مألوفةً في التاريخ العسكري العالمي؛ فأي جيش أو فصيل مسلح، على شاكلة حماس وحزب الله، عندما يتعرض لهزة عنيفة ويتلقى ضربةً موجعةً، ما يلبث أن يشرع في التعافي واستعادة قوته وحضوره على نحو مباغت.
وهذا بالتحديد ما ينهمك حزب الله في تنفيذه في الوقت الراهن، حيث يحرص على التركيز على الخط الثاني من القرى الواقعة على مسافة 5 كيلومترات تقريبًا من الشريط الحدودي، ومن هناك ينكب على استقاء المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن تحركات قوات الجيش الإسرائيلي، وتحديد الأهداف ذات الأولوية، ثم شن هجمات مركزة عليها.
وأوضح هذا المحلل الصهيوني البارز أن حزب الله يمتلك ترسانةً ضخمةً ومتنوعةً من الأسلحة الفتاكة والصواريخ الموجهة المضادة للدروع، يتسم الكثير منها بدقة متناهية في إصابة الهدف المحدد"، وقد نجحت قوات النخبة في لواء رضوان التابع لحزب الله، من خلال عمليات الاستطلاع البري المكثفة وبمساعدة الطائرات المسيرة ذات التقنية العالية، في تحديد المواقع الدقيقة للقوات الإسرائيلية المنتشرة في المناطق الحدودية الحساسة.
ويواظب حزب الله على جمع المعلومات الاستخباراتية القيمة عن تحركات الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة، وهو قادر على رصد القوافل اللوجستية التي تضم أعدادًا غفيرةً من الجنود الإسرائيليين وتتبع مساراتها بدقة متناهية.
وأكد ران بن يشاي أن حزب الله قد أظهر براعته في مراقبة التحركات الفيزيائية والإشارات الإلكترونية الخاصة بالجيش الإسرائيلي، ويستغل هذه المهارة لإلحاق الأذى بالعسكريين الإسرائيليين، فبعد أن يقوم بجمع المعلومات، يبادر حزب الله بإطلاق صواريخ مضادة للدبابات، وأخرى ثقيلة قصيرة المدى باتجاه مواقع تجمع القوات الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته، كانت بعض عناصر وحدة رضوان قد أعدّت العدة مسبقًا للسيطرة على منطقة الجليل في شمال "إسرائيل" (فلسطين المحتلة).
وأشار الخبير الصهيوني إلى أن حزب الله قد نشر قوات بالقرب من الحدود الإسرائيلية (فلسطين المحتلة)، بهدف إرباك الجيش الإسرائيلي وتأخير استجابته، كما تسعى قوات حزب الله إلى أسر الجنود الإسرائيليين، وإلحاق خسائر جسيمة بالجيش الإسرائيلي، ولا تزال الخلايا العسكرية لحزب الله ناشطةً في الميدان، حيث يخرج بعض عناصرها من الأنفاق التي لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من اكتشافها بعد، ما يؤدي إلى تكبد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في المواجهات المباشرة مع قوات حزب الله.
وأوضح قائلاً: "على سبيل المثال، يوم الأربعاء الماضي، في هجوم مباشر نفذته قوات حزب الله التي خرجت من الأنفاق، لقي أربعة جنود إسرائيليين حتفهم وأصيب سبعة آخرون، وأفادت مصادر مطلعة على ساحات القتال بين القوات الإسرائيلية وحزب الله، بأن خمسة جنود إسرائيليين قتلوا الليلة الماضية جراء إصابتهم بصاروخ ثقيل انفجر في منطقة لوجستية تابعة لأحد الألوية القتالية للجيش".
وأضاف ران بن يشاي: "في المنطقة الوسطى، يبدو أن حزب الله قد رصد حركة المركبات الثقيلة على أحد الطرق المؤدية إلى المنطقة اللوجستية للجيش الإسرائيلي، وربما تمكن الحزب من تحديد مبنى تُجرى حوله أنشطة توزيع المعدات اللوجستية للجيش الإسرائيلي، وحالياً، يمتلك حزب الله القدرة على إطلاق صواريخ مضادة للدروع من طراز ألماس، تُطلق من خلف التحصينات وتُوجّه بدقة فائقة نحو الهدف، باستخدام آلية توجيه بصرية مثبتة على هذه الصواريخ".
وأكد هذا المحلل الصهيوني: "بعبارة أخرى، ينبغي الاعتراف بأن حزب الله اليوم، مقارنةً بحرب لبنان الثانية في عام 2006، أصبح أكثر استعدادًا للعمليات البرية، بالإضافة إلى تسلحه بأنواع متعددة من الأسلحة الدقيقة والصواريخ والطائرات المسيرة المتطورة، حيث إن عملية تعزيز القدرات البرية لحزب الله في قواته الأمامية، باتت واضحةً للعيان، كما أن إطلاق الطائرات المسيرة القاتلة إلى عمق "إسرائيل" (فلسطين المحتلة) والصواريخ التي تصل إلى المناطق الوسطى، يشكّل دليلاً قاطعًا على أن حزب الله قد نجح في استعادة قوته".