الوقت- الكثير من علامات الاستفهام تشوب تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، التي وُصفت بأنها رسالة “غير مسبوقة”، وأشار فيها إلى أنه يجب مراجعة الموقف المصري من الاتفاق حال تسبب برنامج الإصلاح الاقتصادي في “ضغط لا يتحمله الناس".
وفي هذا السياق حذر السيسي، من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجه البلاد، وذلك ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية، وفي خضم حديثه أشار السيسي إلى أن البرنامج الذي يتم تطبيقه حاليًا “يتم في ظروف إقليمية ودولية وعالمية شديدة الصعوبة، لها تأثيرات سلبية للغاية في العالم أجمع، مشيراً إلى توقعات وقوع ركود اقتصادي خلال السنوات القليلة المقبلة.
من الجدير بالذكر أن الحكومة المصرية كانت قد قررت رفع أسعار الوقود الأسبوع الماضي، للمرة الثالثة هذا العام، ما تسبب في استياء شعبي، قابله رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بالحديث عن أنه لن يكون هناك أي ارتفاع جديد في أسعار المحروقات قبل 6 أشهر.
ما المقصود بالمراجعة؟
ومراجعة موقف مصر مع الصندوق ينطوي على إعادة فتح برامج الإصلاحات الاقتصادية وتأجيل بعضها لفترات زمنية لاحقة، بهدف التخفيف من صدمة تبعاتها على المستهلك المحلي، ومن خلال تركيز السيسي على الوضع الاقليمي يمكن الاستشفاف أنه يمكن أن تشمل المراجعة مرونة في بعض الشروط، أو التعديلات بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الداخلية أو الدولية، التي قد تتغير بمرور الوقت.
ومن الناحية العملية، قد تشمل مراجعة الموقف مع الصندوق مناقشة تأجيل بعض الإصلاحات، أو إعادة ترتيب أولوياتها، مثل مراجعة توقيت خفض الدعم أو سياسات سعر الصرف، ويمكن أن يتضمن أيضًا تعديل أهداف البرنامج، أو المطالبة بمرونة أكبر فيما يتعلق بالتزامات الديون.
فيما أشارت مصادر إعلامية عن مسؤول في صندوق النقد الدولي قوله إن المؤسسة الدولية مصممة على المضي قدما في خطة الإصلاحات من دون تغيير، وفق الجداول الزمنية المحددة مسبقا مع الحكومة المصرية.
وقال المصدر: "تبقى من الإصلاحات التي لم يتم إكمالها بعد، رفع الدعم كاملا عن الوقود، إلى جانب رفع الدعم عن الكهرباء لبعض الشرائح الاستهلاكية، وإخراج الدولة من عشرات الشركات العاملة في البلاد".
ما الذي يدفع مصر إلى إعلان اقتصاد الحرب؟
في ظل توترات خطيرة وصراعات متعددة الأطراف، تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ نحو عام، أعلنت مصر على لسان رئيس حكومتها، مصطفى مدبولي، أن القاهرة قد تلجأ إلى “اقتصاد الحرب”، ما يثير التساؤلات حول التحديات التي تواجه البلاد، وسبل مواجهتها، وقبل أيام، أعلنت مصر على لسان مدبولي، أنها قد تلجأ إلى “اقتصاد الحرب”، ما أثار تساؤلات بشأن التحديات التي تواجه البلاد، وسبل مواجهتها، الأمر الذي اعتبره المحللون الاقتصاديون، بمثابة “مسألة كارثية بكل معنى الكلمة على خطط البلاد الاستثمارية".
وأشار في تصريحات إلى أن وجود تهديدات مباشرة لا يعني اللجوء إلى ذلك السيناريو، مردفا: “أظن أن رئيس الوزراء خانه التعبير بشكل كبير جدا في المؤتمر الصحفي".
ولفت إلى أن مرد ذلك قد يكون إلى أن المراجعات مع صندوق النقد الدولي كان من المفترض أن تتم في سبتمبر الماضي، لكن جرى تأجيلها إلى نوفمبر المقبل، ومن الواضح أن هناك مفاوضات لتأجليها مرة أخرى إلى يناير".
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل إعلان اللجوء إلى اقتصاد الحرب ناجم عن ضرورة ملحة أم للتلويح بالوضع الكارثي الذي يعاني منه الاقتصاد المصري.
لماذا تتوجه مصر إلى مراجعة الاتفاق؟
بالعودة إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في ذلك الوقت اتفقت مصر مع الصندوق على برنامج إصلاحات اقتصادية يرافقه قرض بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن يتم تعليقه في 2023، بسبب خلافات بين الجانبين أبرزها رفض القاهرة تعويم الجنيه.
وتأثرت القاهرة بشدة جراء الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط 2022، نتج عن ذلك ارتفاع فاتورة واردات السلع المقومة بالنقد الأجنبي، ما أدى إلى تراجع وفرة الدولار، وفاقم ذلك تخارج أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية.
وفي 2023، ساءت سوق الصرف الأجنبية في مصر، ما دفع إلى ظهور السوق السوداء للعملة، رافق ذلك تعليق الصندوق إجراء مراجعات لبرنامجه الإصلاحي مع القاهرة، والذي عادة ما ينتج عنه صرف شريحة من القرض المالي. ومرد الخلاف في ذلك الوقت هو رفض مصر تحرير سعر صرف الجنيه.
لكن مع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تراجعت السياحة الوافدة إلى مصر، ثم هبطت حركة عبور السفن من قناة السويس، إذ تعد عائداتهما بجانب الصادرات من أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
وتحدث صندوق النقد الدولي مطلع 2024 في أكثر من مناسبة عن تضرر مصر بسبب التوترات الجيوسياسية في الإقليم، إلى أن تم الاتفاق على توسيع القرض السابق من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار، والذي جرى إعلانه مارس/آذار الماضي.
ينبغي توخي الحذر في القفزات الصعبة
لطالما حذر خبراء اقتصاديون من أن تنفيذ برامج خطيرة، مثل التحرر الكامل من سعر الصرف، أو ما يطلق عليه التعويم الكامل، سينتج عنه تضخم إضافي في الاقتصاد المصري، وارتفاع في أسعار السلع واختفاء بعضها، ما قد يقود إلى احتجاجات شعبية لا ترغب بها الحكومة المصرية.
وأشار السيسي في كلمته إلى أن مصر خسرت ما بين ستة إلى سبعة مليارات دولار من إيراداتها خلال الأشهر السبعة إلى العشرة الماضية، لافتًا إلى أن الوضع قد يستمر لمدة عام آخر على الأقل.
ولا يمكن غض النظر عن خسائر مصر نتيجة الحرب الدائرة حيث أجبرت هجمات أنصار الله في اليمن والمساندة للشعب الفلسطيني حركة الملاحة في البحر الأحمر السفن على تحويل مسارها بعيدًا عن قناة السويس لتنخفض إيراداتها إلى 870 مليون دولار في الربع الثاني مقارنة مع 2.54 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي.
هل يوافق صندوق النقد.. على إعادة التقييم والإصلاح
في هذا السياق يرى باحثون اقتصاديون أنه عادة تكون برامج الإصلاحات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي “مرنة ويمكنها التأقلم والتغير وفق الظروف والمستجدات الاقتصادية، كما حدث خلال جائحة كورونا أو الحرب الأوكرانية وحتى الحرب الحالية في الشرق الأوسط".
وبذلك يمكن لبرامج الإصلاح التكيّف مع الصعوبات الاقتصادية غير المسبوقة في مصر، المتمثلة في انخفاض كبير بإيرادات قناة السويس، وتراجع إيرادات السياحة، والمشاكل الأخرى التي يعاني منها الاقتصاد المصري، فالواقع الجيوسياسي والإقليمي يحتم على أن يبقى الوضع الداخلي في مصر مستقراً، وهو أمر يهم صندوق النقد الدولي بالتوازي مع تنفيذ برامجه الاقتصادية إن أردنا النظر إلى صندوق النقد الدولي كمؤسسة دولية بعيدة عن السياسة.
و في هذا الخصوص فإن التراجع عن نقاط معينة في البرنامج قد يكون ممكنًا، لكنه يتطلب موافقة الصندوق، وخاصة إذا كانت الظروف الاقتصادية الجديدة تبرر إعادة التفاوض على الشروط، لضمان تحقيق الأهداف الأساسية، دون الإضرار بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.