الوقت - أوردت وسائل الإعلام الصهيونية يوم السبت الماضي نبأ استهداف مقر إقامة نتنياهو في قيسارية بطائرة مسيرة انتحارية، ما أسفر عن دوي انفجار مهول، وفقاً لما تناقلته هذه المصادر.
وأكدت إذاعة جيش الاحتلال أن هذه الطائرة المسيرة، تنتمي إلى فئة الطائرات التي وظّفها حزب الله في الهجوم على مقر لواء غولاني جنوب حيفا، والتي تتسم بصعوبة اعتراضها نظراً لتقنيتها المتطورة.
وفي حين صرحت هيئة البث الصهيونية بأن الطائرة المسيرة اجتازت مسافة 70 كيلومتراً من الأراضي اللبنانية إلى قيسارية، أفاد موقع "والا" الإلكتروني أن الطائرة التي استهدفت مقر نتنياهو، تمكنت من بلوغ هدفها رغم المطاردة الحثيثة من قبل المروحيات العسكرية الإسرائيلية، ما يشير إلى تفوق تقني ملحوظ.
إلقاء التهم على إيران: مناورة للتملص من مواجهة حزب الله
في أعقاب الحادث الأخير، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - الذي تفيد التقارير الإعلامية الإسرائيلية بغيابه عن موقع الحدث - إلى توجيه أصابع الاتهام نحو إيران بشكل فوري، وفي خضم الأنباء عن نقل اجتماعات مجلس الوزراء إلى مخبأ محصن، أطلق نتنياهو تصريحات تهديدية مفادها بأن "العناصر الإيرانية ارتكبت خطأً فادحاً"، مؤكداً أن هذا الاعتداء لن يثني "إسرائيل" عن مواصلة عملياتها العسكرية.
وفي تناغم تام مع موقف مكتب رئاسة الوزراء، أجمع المحللون في وسائل الإعلام الإسرائيلية على اعتبار استهداف مقر إقامة نتنياهو بطائرة مسيرة متفجرة، نقطة تحول محورية في مسار الحرب متعددة الجبهات، واصفين إياه برسالة رمزية ذات دلالات عميقة من إيران، تبرهن قدرتها على الوصول إلى نتنياهو، وأي مسؤول سياسي أو عسكري إسرائيلي آخر.
على سبيل المثال، قدمت صحيفة "معاريف" تحليلاً يصف الهجوم على مقر إقامة رئيس الوزراء، بأنه دليل دامغ على القدرات الإيرانية في اختراق المناطق المحيطة بمنزل نتنياهو.
في المقابل، نفى عدد من كبار المسؤولين الدبلوماسيين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبشكل قاطع، المزاعم المتعلقة بتورط طهران في هذا الهجوم بالطائرات المسيرة.
وفي هذا السياق، صرح إسماعيل بقائي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان رسمي لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا): "إن الكيان الصهيوني قائم على أسس من الأكاذيب وتحريف الحقائق، وإن نشر المعلومات المضللة يمثّل النهج المعتاد والراسخ لهذا الکيان وقيادته المتورطة في جرائم حرب".
علاوةً على ذلك، أصدرت البعثة الدبلوماسية الإيرانية لدى الأمم المتحدة بياناً رسمياً لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نفت فيه بشكل قاطع مسؤولية طهران عن استهداف مقر إقامة نتنياهو بطائرة مسيرة، مؤكدةً أن "العملية التي استهدفت مقر إقامة نتنياهو بطائرة مسيرة، نُفذت من قبل القوى اللبنانية، أما فيما يخصّ الرد على الاعتداءات الإسرائيلية (ضد إيران)، فقد تكفلنا بذلك بأنفسنا".
إن تصريحات نتنياهو حول الدور الإيراني المزعوم، تأتي في سياق تصعيد ملحوظ للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، والتي شملت اغتيال عدد من القيادات البارزة في حزب الله خلال الأسابيع الأخيرة، وقد ردّت المقاومة اللبنانية بتوجيه ضربات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة، استهدفت العمق الاستراتيجي للأراضي المحتلة.
ومن أبرز هذه العمليات وأكثرها تأثيراً، الهجوم الذي استهدف قاعدة لواء غولاني النخبوي جنوب حيفا قبل أسبوعين تقريباً، حيث تم استخدام طائرات "مرصاد" المسيرة المتطورة التابعة لحزب الله، وعلى الرغم من محاولات التعتيم الإعلامي المكثفة، اضطرت تل أبيب إلى الإقرار بسقوط عشرات القتلى والجرحى جراء هذا الهجوم النوعي.
تشير هذه الوقائع الميدانية بوضوح إلى أن استراتيجية تل أبيب في توجيه الاتهامات لإيران، تهدف إلى التغطية على هشاشة موقفها أمام القدرات العسكرية المتنامية لحزب الله، وإلى التستر على فشل تصريحاتها السابقة بشأن القدرة على تدمير البنية التحتية للمقاومة من خلال الغارات الجوية.
معادلة توازن الرعب
بعد الهجوم الجريء الذي شنته المقاومة على مقر إقامة رئيس وزراء الکيان الصهيوني، تواترت الأنباء عن إجراءات أمنية مشددة فرضها الكيان على كبار مسؤوليه السياسيين والعسكريين والأمنيين، وسط مخاوف جدية من استهداف أماكن وجودهم، ما دفعهم إلى تقييد تحركاتهم بشكل كبير والتزام السرية التامة.
وفي هذا السياق، أفادت وسائل الإعلام العبرية بأن حزب الله يمتلك ترسانةً متطورةً من الأسلحة الدقيقة، وأنه على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربات موجعة للمسؤولين الإسرائيليين.
وفي تعليقه على هذه التطورات، صرح ليئور أكرمان، أحد كبار المسؤولين السابقين في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، أن حزب الله يتمتع بوضع استراتيجي متميز، ويمتلك مخزونات ضخمة من الصواريخ الفتاكة والطائرات المسيرة المتطورة.
وأضاف أكرمان إن حزب الله لم يستنفد سوى جزءاً يسيراً من قدراته الهائلة حتى الآن، مشيراً إلى أن البنية التحتية للمقاومة الإسلامية لا تزال صامدةً وقويةً، وأن الجزء الأكبر من ترسانتها الصاروخية بعيدة المدى والدقيقة لا يزال سليماً.
وفي السياق ذاته، أكد الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، في مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية، رداً على سؤال حول الهجوم الجريء بالطائرات المسيرة على مقر إقامة نتنياهو، أن المقاومة لن تدع رئيس وزراء الکيان الصهيوني يفلت من العقاب، وأنه لن يشعر بالأمان بعد الآن، مضيفاً إن العالم سيكون مكاناً أفضل دون وجود نتنياهو.
وشدّد قاسم على أن حزب الله أعلن منذ البداية أنه سيخوض المعركة دفاعاً عن إخوانه المجاهدين في غزة، وأن الحرب ستكون محدودةً، لكن الکيان الصهيوني أصر على جعلها حرباً شاملةً لا حدود لها.
يبدو أن تصريحات الشيخ نعيم قاسم تعكس استراتيجية "حيفا مقابل الضاحية" التي تبناها حزب الله خلال العام الماضي، والتي تقوم على مبدأ توازن الرعب، بمعنى أنه في الوقت الذي يلجأ فيه الكيان الصهيوني إلى سياسة الاغتيالات الجبانة لقادة المقاومة، سعياً لاستعراض قوته وتعويض إخفاقاته المدوية في ميادين القتال بغزة ولبنان، فإن المقاومة الإسلامية تفتح معادلةً جديدةً من خلال استهداف مقر إقامة نتنياهو، لتؤكد أن قادة الکيان الصهيوني باتوا في مرمى الأهداف العملياتية.
المستوطنون في دوامة من الهلع: حينما يغدو مقر رئيس الوزراء عرضةً للخطر، فأين يكمن الأمان؟
في لقائه مع قناة الجزيرة، كشف المسؤول رفيع المستوى في حزب الله عن رؤية استراتيجية تتعلق بالرسالة الموجهة للمستوطنين عبر هذه العملية، حيث صرّح بقوله: إن الكيان الإسرائيلي، بمساحته المحدودة، يجعل جميع قاطنيه في مرمى نيران حزب الله، ما يضعهم جميعًا تحت وطأة التهديد المستمر.
في المقابل، نجد نتنياهو - الذي أزهق أرواح ما يناهز الخمسين ألفًا من الفلسطينيين دون تحقيق أي من أهدافه المعلنة - يدلي بتصريح عقب الهجوم الأخير بالطائرات المسيّرة قائلاً: "سنواصل اجتثاث جذور الإرهاب، وسنعمل على استعادة الأسرى من غزة، وسنضمن عودة مواطنينا إلى ديارهم في الشمال".
تأتي هذه التصريحات في وقت جدّد فيه الشيخ نعيم قاسم، عضو المجلس المركزي لحزب الله، في خطاب تلفزيوني حديث، موقف المقاومة الثابت برفض عودة ما يقارب السبعين ألفًا من المستوطنين النازحين إلى المناطق الشمالية، وذلك حتى يتم وقف العدوان على غزة بشكل نهائي.
إن استهداف مقر رئاسة الوزراء، يكشف بجلاء عن قصور جوهري في منظومات الدفاع الإسرائيلية في مواجهة الطائرات المسيّرة وصواريخ حزب الله، بل يبرهن عجزها حتى عن توفير الحماية اللازمة لأهمّ شخصية سياسية في الكيان، وعدم قدرتها على إقامة درع واقٍ لأكثر المواقع حساسيةً في الأراضي المحتلة.
من الجدير بالذكر أن قيسارية تضمّ، إلى جانب مقر إقامة بنيامين نتنياهو، منازل نخبة من أثرى أثرياء "إسرائيل"، وعليه، فإن تعهدات قادة حزب الله تبدو أكثر واقعيةً وقابليةً للتحقق من وعود نتنياهو، الذي يطلقها من خلف جدران ملجئه المحصن.
يتفق خبراء الاستراتيجيات العسكرية على أن المنظومات الدفاعية الإسرائيلية، تعاني من قصور واضح في التصدي للتهديدات الجوية التي تشنها المقاومة، وتكمن المعضلة الرئيسية التي تواجه الدرع الجوي الإسرائيلي، في عدم قدرته على الكشف المبكر عن الطائرات المسيّرة، ولا سيما عندما تحلّق على ارتفاعات منخفضة وبسرعات متدنية.
لقد أثبت الهجوم على قيسارية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن حزب الله يمتلك القدرة الكاملة على اختراق العمق الإسرائيلي وإرباك النسيج الحياتي هناك، دون أن تقف في وجهه أي عوائق تذكر.