الوقت- إفلات كيان الاحتلال الإسرائيلي من العقاب والانصياع للقانون الدولي يزيد من مخاوف امتداد العنف الإبادي الذي يقترفه في غزة إلى جميع أنحاء فلسطين المحتلة في ظل دعم أمريكي غربي منقطع النظير لحكومة الاحتلال وتخاذل عربي اسلامي مهين للشعب الفلسطيني، وهو ما حذرت منه مقررة الأمم المتحدة الخاصة في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز معتبرة أن الفصل العنصري الإسرائيلي يستهدف غزة والضفة الغربية، في إطار عملية شاملة للتصفية والإحلال والتوسع.
واعتبرت ألبانيز أن "الإفلات من العقاب الممنوح لكيان الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة طويلة أتاح نزع الطابع الفلسطيني" عن الأراضي المحتلة، وجعل الفلسطينيين تحت رحمة القوى التي تسعى إلى القضاء عليهم كمجموعة وطنية".
ودعت المجتمع الدولي إلى "بذل كل ما في وسعه لوضع حد فوري لخطر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني" و"في نهاية المطاف، وضع حد لاستيطان الأراضي الفلسطينية من قبل إسرائيل".
و في هذا السياق دعا يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي، الجيش الإسرائيلي لإجبار الفلسطينيين على إخلاء شمال الضفة الغربية، وأعلن الجيش عن "إجلاء طوعي".
ويثير الحديث الإسرائيلي عن الترحيل القسري تحت ستار المصطلح الإنساني: "الإجلاء" مخاوف من أن الضفة الغربية ستلقى نفس مصير غزة من حيث التدمير والتهجير الشامل.
إذا حدث ذلك، فسيكون تصعيدًا كبيرًا لإستراتيجية الحكومة الإسرائيلية للتجريد التدريجي للفلسطينيين من الضفة الغربية، التي تمّ تنفيذها مباشرة من خلال الوسائل العسكرية وهجمات المستوطنين، وأيضًا بشكل غير مباشر من خلال التدهور المتعمد في جميع جوانب الحياة الفلسطينية.
ما وراء التمدد نحو الضفة
لا يمكن فصل ما يحدث في الضفة الغربية من حصار للمدن والمخيمات وتلويح بالتهجير عما حدث من قبل وعما دُون في الكتب والخطط الإسرائيلية، فالضفة ليست مجرد أرض أخذت اسمها من موقعها على ضفة نهر مقدس، بل إنها في الادعاءات الإسرائيلية "يهودا والسامرة"، فقد استعملت "إسرائيل" تلك الادعاءات منذ أن قامت وهجّرت وقتلت الفلسطينيين في أرضهم، ويظل حلم "يهودا والسامرة" يراود الإسرائيليين، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صرح عام 2020 قائلا: " نعتقد أن الفرصة متاحة لإعادة سيادتنا على غور الأردن، وعلى المناطق الإستراتيجية في يهودا والسامرة".
ويرى كثيرون أن الهجوم الإسرائيلي على الضفة يأتي في سياق خطة أكبر وأقدم من مجرد حملة عسكرية، فهي مشروع يتحصن بسدود دينية منيعة تتجاوز ذرائع الخوف من هجمات شبان مقاومين فهموا باكرا ما خلف السدود.
ماذا يجري في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر
أكد موقع ميدل إيست آي البريطاني أن القوات الإسرائيلية نفذت غارات شبه يومية على البلدات والمدن في جميع أنحاء الضفة الغربية منذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 582 فلسطينيا واعتقال أكثر من 10 آلاف آخرين، في ظل زيادة في الاعتقالات والإخلاء وهدم المساكن وعنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات، وحسب مؤسسة الضمير، فإن طبيعة اعتقال الفلسطينيين أصبحت أكثر عنفا منذ بداية الحرب، إذ أفادت التقارير بأن القوات الإسرائيلية غالبا ما تداهم وتخرب منازل المعتقلين، وتعتدي عليهم وتهدد عائلاتهم، قبل أن يواجهوا ظروفا مزرية في السجون الإسرائيلية، حيث أفادت تقارير متعددة بانتشار التعذيب المنهجي والاعتداء الجنسي على الفلسطينيين في الحجز الإسرائيلي.
واستخدمت حكومة الاحتلال الاسرائيلي حربها على غزة كغطاء لتصعيد خطير في الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية المحتلة -كما يقول الموقع- حيث أفادت منظمة السلام الآن بأن إسرائيل استولت على 23.7 كيلومترا مربعا من الأراضي الفلسطينية هذا العام، وهو ما يتجاوز إجمالي الأراضي التي تم الاستيلاء عليها على مدى السنوات العشرين الماضية.
وكان التوسع الاستيطاني مصحوبا بارتفاع حاد في هجمات المستوطنين، ما ساعد في تهجير مجتمعات الرعي الفلسطينية في تلال جنوب الخليل ووادي الأردن والقدس الشرقية، كما ساهم في تعزيز البؤر الاستيطانية، إذ أحصى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية حوالي 1250 هجوما للمستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين، أسفرت عن استشهاد 120 شخصا في الفترة من ال 7 من أكتوبر/تشرين الأول إلى ال 12 من أغسطس/آب من هذا العام.
وشهدت الضفة الغربية زيادة في عنف المستوطنين لعدة سنوات، مع تسليح الجماعات اليمينية المتطرفة من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولكن هذه الهجمات تكثفت أكثر وتلقت دعمًا حكوميا صريحا بشكل متزايد منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأصبحت هذه الهجمات تخضع لإشراف عسكري رسمي بشكل متزايد.
لقد قيدت الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية المحتلة، ببناء "طرق لليهود فقط"، وجدران فصل وحواجز في جميع أنحاء الأراضي، ومنذ ال 7 من أكتوبر/تشرين الأول، سرعت من بناء البنية التحتية على الأراضي الفلسطينية، هذا واضح على الطريق 60 في الامتداد الذي يربط القدس بالمستوطنات اليهودية في الخليل، حيث يتم إنشاء ممرات جديدة للطريق، حتى في المناطق التي أضيفت فيها ممرات قبل عام واحد فقط.
محاولات إجبار على الرحيل
الحرب التي تشنها "إسرائيل" على الفلسطينيين في الضفة الغربية لا تتوقف عند تدمير ممتلكاتهم وسبل عيشهم، إنها تستهدف أيضًا رفاههم النفسي من خلال المراقبة المستمرة، والمضايقات، والعنف الجسدي.
تراقب السلطات الاستعمارية الإسرائيلية كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين الشخصية من خلال شبكات واسعة من كاميرات المراقبة، والتنصت على الاتصالات، والسيطرة على الإنترنت، وتقنيات أخرى متنوعة، بما في ذلك التعرف على الوجه.
وينطوي الهدف الأصلي من المضايقات المستمرة، والمراقبة، وحرمان الناس من سبل العيش، وتدهور مستويات المعيشة، والعنف الجسدي، والقتل، في إجبارُ الفلسطينيين في الضفة الغربية على الرحيل – تمامًا كما أن الهدف الإسرائيلي النهائي في غزة هو طرد السكان الفلسطينيين هناك، إن السعي إلى القضاء التامّ على السكان الفلسطينيين من فلسطين التاريخية لن يتوقف حتى لو انهارت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ختام القول
إن قصور العمل الدولي لوقف الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية قد صدم الفلسطينيين، ولكنه لم يجعلهم يستسلمون، بل على العكس، فإن الهجوم الإسرائيلي العنيف على شمال الضفة الغربية هو دليل على أن الفلسطينيين اختاروا المقاومة حتى في مواجهة قوة إبادة جماعية ساحقة.