الوقت - غيرت عملية طوفان الأقصى المفاهيم والموازين حتى باتت وسائل الإعلام الغربية ومصداقيتها على المحك ما اضطرها في الكثير من الأحيان إلى تقديم روايات متناقضة أو نشر رواية ما ومن ثم حذفها.
حيث حذفت صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية تقريرا بشأن وثيقة مفبركة عن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يحيى السنوار، واعتذرت إلى قرائها.
وكانت صحيفة جويش كرونيكل، قد نشرت تقريرا قالت فيه إن السنوار "يستعد للهروب إلى إيران مع رهائن إسرائيليين".
والتقرير المذكور اقتبسته زوجة نتنياهو في لقائها مع عائلات المختطفين، ولكن، وكما تم الكشف في سلسلة من التقارير بـ"يديعوت أحرونوت"، كان هذا التقرير جزءًا من ثلاث قصص مفبركة وكاذبة تم نشرها في وسائل الإعلام الأجنبية بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي خلال الحرب ومحاولات التفاوض بشأن صفقة المختطفين.
وكانت الصحيفة قد نشرت تقريرا عن وثيقة ادعت أنها منسوبة للسنوار فحواها أنه كان يخطط لتهريب نفسه وبعض المحتجزين الإسرائيليين خارج غزة عبر محور فيلادلفيا، وأثارت الوثيقة ضجة في "إسرائيل" بعد استعانة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بها في مؤتمره الصحفي.
وبعد "تحقيق شامل"، قامت صحيفة "جويش كرونيكل" بفصل الصحفي المستقل إيلون بيري، الذي نشر في الأشهر الأخيرة في الصحيفة البريطانية-اليهودية تقارير حول الحرب على غزة وقصصًا متنوعة عن عمليات الموساد.
وفي بيان نشر على موقع الصحيفة الجمعة، أعلنت صحيفة "جويش كرونيكل" أنها أنهت "تحقيقا شاملا" مع الكاتب المستقل إيلون بيري.
وواجه بيري أسئلة حول سيرته الذاتية، بما في ذلك ادعاءاته بأنه خدم بصفته جندي كوماندوز خلال عملية عنتيبي (إنقاذ رهائن إسرائيليين تم اختطافهم من قبل فدائيين عام 1976) وأنه كان أستاذا في جامعة تل أبيب لمدة 15 عاما.
وصرحت الصحيفة بأنه "على الرغم من أننا ندرك أنه خدم في قوات الدفاع الإسرائيلية، فإننا لم نكن راضين عن بعض ادعاءاته، ولذلك قمنا بإزالة قصصه من موقعنا على الإنترنت، وأنهينا أي ارتباط بالسيد بيري".
وأضافت "نأسف بشدة لسلسلة الأحداث التي أدت إلى هذه النقطة، نعتذر إلى قرائنا الأوفياء، وقمنا بمراجعة عملياتنا الداخلية، حتى لا يتكرر هذا الأمر".
وجاء الإعلان الذي نشرته صحيفة "جويش كرونيكل" في وقت سابق عن فتح تحقيق مع بيري بعد أيام من إعلان الجيش الإسرائيلي إطلاق تحقيق داخلي بعد تسريب وثائق تم استردادها من غزة مؤخرا إلى الصحافة الأجنبية، في ما اعتبرها محاولة واضحة للتأثير على الرأي العام بشأن مفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين.
وكانت الصحيفة قد نشرت تقريرا لبيري -في وقت سابق من الشهر الحالي- زعم فيه أنه تم الكشف عن وثيقة في قطاع غزة تثبت أن السنوار كان يخطط لتهريب نفسه وبعض المحتجزين الإسرائيليين خارج غزة عبر ممر فيلادلفيا، ومن هناك إلى إيران.
لكن الجيش الإسرائيلي نفى علمه بوجود مثل هذه الوثيقة، وبما أن المعلومات الواردة في التقرير كانت مشابهة لنقاط وردت في مؤتمر صحفي لنتنياهو، قالت صحيفة جيروزاليم بوست: إن الأمر بدا للبعض وكأنها معلومات كاذبة يتم توزيعها ضمن حملة تضليل.
وفي سياق متصل قال الكاتب والمحلل السياسي والعسكري الإسرائيلي رونين براغمان: إن مزاعم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول أن البقاء في محور فيلادلفيا هو السبيل الوحيد لمنع تهريب الرهائن إلى إيران واليمن كاذبة، وأشار إلى تقرير حول خطة مشابهة مزعومة لرئيس حركة حماس يحيى السنوار تم تضخيمها من قبل زوجة نتنياهو، سارة، ليتضح لاحقًا أن الأمر كله كان كذبًا.
ويقول براغمان: إن المحور الرئيسي للأخبار التي تم نشرها وتكرارها في "إسرائيل" يستند إلى ثلاثة وثائق؛ اثنتان منها ظهرتا خلال وبعد خطاب نتنياهو في محاولة، على ما يبدو، "لتأكيدهما".
وفي نهاية الأسبوع، تم نشر تحقيق شامل من قبل قسم التحقق من الحقائق في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، والذي عمل على مقارنة الوثيقة الأصلية التي وصلت إلى الصحيفة، وخلص التحقيق إلى أنه تم التأكيد على أن أجزاء من الجمل المقتبسة من الوثيقة الأصلية المنشورة في "بيلد"، موجودة بالفعل، ولكن المقالة أخرجت من سياقها "لإثبات أن حماس غير مهتمة بإنهاء الحرب بسرعة أو بالمعاناة التي يتكبدها المدنيون الفلسطينيون".
ويردف الكاتب والمحلل السياسي: "عملية التأثير على اللون الأزرق" هو الاسم الذي أطلقته المؤسسة الأمنية على هذه الحملة، في إشارة إلى عملية تضليل ينفذها عناصر إسرائيليون ضد الجمهور الإسرائيلي، باستخدام معلومات مضللة ومعلومات سرية، وأضاف أحدهم: "عملية تأثير سيئة، مليئة بالأخطاء والتزوير الذي يمكن كشفه بسهولة"، إلى ذلك، انضمت انتقادات شديدة من مصدر رفيع في هيئة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين المطلع على تفاصيل المفاوضات مع حماس بشأن صفقة إعادة المختطفين من غزة.
وقال: "حتى وفقًا لمعايير آلة السموم التي نشرت هذا التقرير المزيف، كانت هذه الحملة خبيثة، شريرة وشيطانية بشكل خاص. إنها إساءة معاملة متعمدة، وكل ذلك لتبرير مصالح سياسية ضيقة وأنانية".
لا شك أن تلك القصة زادت من التساؤلات حول مصداقية التقارير الصحفية المتعلقة بالوضع في غزة، وهو ما حذا بالعديد من المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذ موقف حذر فيه من التعامل مع المصادر غير الموثوقة.
ويرى مراقبون أن السبب الرئيسي لحذف الصحيفة التقرير واعتذارها هو إدراكها وثقتها بأن المقاومة ليست عاجزة عن تكذيب تلك الوثائق بالإضافة إلى التحول الكبير في الرأي العام العالمي وإدراكه لحقيقة ما يجري بعد عملية طوفان الأقصى ومعرفته التامة بالتضليل الإعلامي لما يجري في غزة عبر وسائل الإعلام العالمية، فاعتذارها من القراء وحذفها للتقرير جاء بمثابة حفظ ماء الوجه والحفاظ على ما تبقى من اعتقاد بعض القراء والمتابعين بمهنيتها.