الوقت- تشير تصريحات الممثل الخاص للأمم المتحدة للشؤون اليمنية بشأن الاتفاق بين حكومة صنعاء والمجلس الرئاسي المعين من قبل السعودية إلى انسحاب واضح للسعوديين وحكومة عدن العميلة من أعمالهم العدائية ضد حكومة صنعاء في المجال المصرفي والمالي، ومؤخراً، حذر السيد عبد الملك الحوثي، قائد حركة "أنصار الله"، المملكة العربية السعودية وحكومة عدن العميلة من الإجراءات المالية والمصرفية العدائية ضد صنعاء.
وبعد فترة وجيزة من هذا التحذير، أعلن هانز جروندبرج، الممثل الخاص للأمم المتحدة للشؤون اليمنية، عن الاتفاق بين حكومة صنعاء والمجلس الرئاسي المعين من قبل المملكة العربية السعودية لتخفيف التوتر المتعلق بالقطاع المصرفي وشركات الطيران اليمنية، وأعلن أن الجانبين اتفقا على إلغاء الموافقات والإجراءات الأخيرة ضد بنوك الجانبين وعدم اتخاذ مثل هذه الإجراءات أو القرارات المماثلة في المستقبل.
وقال جروندبرج: إن الجانبين اتفقا أيضا على استئناف الرحلات الجوية بين صنعاء والأردن وزيادة عدد الرحلات إلى ثلاث رحلات يوميا، فضلا عن إطلاق رحلات جوية إلى القاهرة والهند بشكل يومي أو حسب الحاجة، كما قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون اليمنية إنه سيتم عقد اجتماعات لحل التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجه الخطوط الجوية اليمنية، وأضاف إن الجانبين توصلا أيضا إلى اتفاق بشأن بدء عقد اجتماعات لمراجعة كل القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خارطة الطريق.
وأشار المبعوث الأممي إلى اليمن إلى أن الطرفين اتفقا على عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها شركة الخطوط الجوية اليمنية، ولمناقشة كل القضايا الاقتصادية والإنسانية بناءً على خارطة الطريق، وكان قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، قد شدّد في خطاب له على أنّ منع السعودية للرحلات من مطار صنعاء لا يمكن قبوله أبداً، واصفاً المضايقة السعودية للبنوك والمصارف الأهلية والشركات اليمنية بـأنها “خطوات ظالمة عدوانية لا يمكن قبولها ولا التغاضي عنها".
وهدد السيد الحوثي على هذا العدوان بالقول: “سنرد بالمثل.. البنوك بالبنوك ومطار الرياض بمطار صنعاء والموانئ بالميناء".
الجدير ذكره، أنّه قبل شهرين أصدر البنك المركزي في عدن، الخاضع لسيطرة حكومة المجلس الرئاسي المعين سعودياً، قراراً يقضي بإيقاف التعامل مع 6 بنوك تجارية تتخذ من محافظة صنعاء مقراً رئيساً لها، ورداً على العدوان الاقتصادي، أصدر البنك المركزي اليمني في العاصمة صنعاء، قراراً يحظر التعامل مع 13 بنكاً وكياناً، أغلبيتها مقارها الرئيسة في عدن، بسبب مخالفتها القانون.
وقبل شهر، أعيد إغلاق مطار صنعاء، وأكد وزير النقل في حكومة صنعاء، اللواء عبد الوهاب الدُّرَة، أنّ الخطوات العدوانية المتواصلة التي أدت إلى إغلاق مطار صنعاء بالكامل، جاءت على خلفية الموقف اليمني الثابت مع القضية الفلسطينية، مشدداً على أنّ هذه الضغوطات في الجوانب الإنسانية والاقتصادية لن تغيّر من مواقف صنعاء أو توقف عمليات القوات المسلحة اليمنية المناصرة لغزة.
هذا الاتفاق عبر بوضوح عن سقوط كل محاولات الابتزاز والضغوط التي حاول العدو الأمريكي والنظام السعودي ممارستها لإجبار صنعاء على التراجع عن قرار مساندة الشعب الفلسطيني، كما أكد قدرة القيادة اليمنية على ممارسة ضغوط عكسية أقوى وأكثر تأثيراً تجبر العدو ليس على وقف خطواته التصعيدية الجديدة فحسب، بل أيضاً على التراجع عن تعنته إزاء استحقاقات الشعب اليمني، ولا يخفى أن التحذيرات شديدة اللهجة التي وجهها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي للنظام السعودي، وما أعقب تلك التحذيرات من تأييد شعبي كبير، مثل حجر الزاوية في هذا الإنجاز النوعي الذي يجدد التأكيد على امتلاك القيادة اليمنية زمام تثبيت المعادلات على الميدان وعلى الطاولة، وانتهاء زمن الابتزاز.
وخلال كلمته، حذر السيد الحوثي النظام السعودي من مغبة الاستمرار في خطواته “الجنونية” الهادفة إلى تجويع الشعب اليمني وضربه اقتصادياً، مؤكداً على أن اليمن سيقابل كل خطوة سعودية بخطوة مماثلة، وبيّن أن من أهم ما يركز عليه الأمريكي هو “المجال الاقتصادي لأن ضرره يلحق بكل الناس”، متهماً النظام السعودي بارتكاب “خطوة جنونية وغبية” بنقله البنوك من صنعاء، وأكد السيد القائد أنّه “لا أحد في العالم يفكر بهذه الطريقة”، وأنّ الأمريكي “يعرف أثر نقل البنوك السيء على واقع الشعب اليمني المعيشي وعملته والأسعار في البلد”.
وأشار إلى أنّ النظام السعودي أقدم على هذه الخطوة “خدمة “لإسرائيل” وطاعة لأمريكا”، وكشف السيد القائد أنّ صنعاء “وجهت النصائح والتحذير عبر كل الوسطاء ليتراجع السعودي عن هذه الخطوة الحمقاء لكنه لا يزال يماطل”، وأضاف إنّ السعودي “اتجه بعد خطوة نقل البنوك إلى تعطيل مطار صنعاء وإيقاف الرحلات رغم محدوديتها وهامشها الضيق”، وتابع قائلاً: “التصريحات التحريضية من الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني للسعودي استمرت مع مطالبته بإغلاق الميناء”، وقال السيد الحوثي: سنقابل كل شيء بمثله البنوك بالبنوك ومطار الرياض بمطار صنعاء والموانئ بالميناء.
وأضاف: "سنقول على البنوك في الرياض أن تنتقل وأن تذهب، فهل تقبلون بهذا؟ وتعتبرونه شيئا منطقيا؟ فلماذا تريدون فرضه على بلدنا"، وأوضح السيد الحوثي أنّ “الأمريكي يريد توريط السعودي في حرب شاملة أي العودة بالوضع معنا إلى ما كان عليه في ذروة التصعيد”، وشدد على أنّ “ليس للسعودي أي قضية، ولا مبرر لتصرفاته العدوانية ضد شعبنا سوى خدمة الإسرائيلي”، وأكد أنّ “لم يكفهم ما فعلوه خلال السنوات التسع الماضية ولا احتلالهم لمساحة كبيرة من البلد وسيطرتهم على الثروات”، وأضاف: “لم يكفهم تجييش مرتزقة وعملاء لمقاتلة شعبهم فاتجهوا نحو خطوات جنونية غبية”، وتابع السيد القائد: “لن نقف مكبلين مكتوفي الأيدي أمام خطوات النظام السعودي الجنونية أو نتفرج على شعبنا يتضور جوعا وينهار وضعه الاقتصادي”.
نقاط ضعف حكومة عدن العميلة تَنكشف للعلن
تكشف أزمة البنك المركزي عن عدة أوجه من الواقع السياسي في اليمن، ولا ينذر أي منها بالخير في ظل المساعي للتوصل إلى تسوية تفاوضية، أولاً هيمنة السعودية شبه الكاملة على السياسة اليمنية، فقد تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي واختيار أعضائه من غرفة عمليات سعودية – إماراتية، وكانت الحكومة تعتمد على دعم هاتين الدولتين طوال فترة الصراع.
مع تضرر وانقطاع مصادر إيراداتها، وجدت الحكومة العميلة نفسها مرارا على حافة الإفلاس وباتت تعتمد الآن كليا على الأموال السعودية لدفع المرتبات وتوفير الخدمات الأساسية وتحقيق الاستقرار في سوق العملة، وبديهياً، كانت أبرز نتائج هذه الهيمنة هي إذعان الحكومة لأي إجراءات تلبي مصالح السعودية وتحقق أهداف سياساتها.
يظل مستقبل اليمن ضبابيا، حيث تعرضت كل من الرياض ومجلس القيادة الرئاسي للإذلال، وبعد التضحية باستقلالية وسيادة اليمن في صنع القرار على مذبح المخاوف الأمنية السعودية، ستحتاج أي تسوية تفاوضية للصراع إلى استيعاب توازن القوى المختل بصورة غير مسبوقة والأولويات والحسابات الأخرى للمملكة، وحسب المعلومات الواردة، فإن الوضع في الرياض مشحون بالتوتر حاليا؛ فَبعد تقاربها مع إيران، تأمل السعودية اليوم في إبرام اتفاقية دفاع رسمية مع الولايات المتحدة مقابل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، حيث يُمكن أن تمنحها الضمانات الأمنية الأمريكية اليد العليا في المحادثات مع حكومة صنعاء، إلاّ أن عجز الولايات المتحدة عن ردع هجمات انصار الله في البحر الأحمر والغارة الإسرائيلية الأخيرة على ميناء الحديدة تزيد من تعقيد الأمور، ويبدو أن الرياض تنتظر انتهاء الحرب في غزة وما نجم عنها من توترات إقليمية قبل أن تستأنف محادثات السلام في الملف اليمني.