الوقت- في خطوة تكشف حقيقة السياسات الأمريكية الهدامة، أعلن سفير كيان الاحتلال لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، توقعه بتوقف الولايات المتحدة عن تمويل الأمم المتحدة ومؤسساتها في حال تم التصويت على منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهذا التصريح يضعنا أمام سؤال مهم، وهو هل هذا التهديد مجرد ضغط سياسي أم خطوة فعلية قابلة للتنفيذ؟، فتاريخياً، كانت الولايات المتحدة داعمة كبيرة لكيان الاحتلال في المحافل الدولية، وكان لها دور كبير في استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمصلحة تل أبيب، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر ممول للأمم المتحدة، وتوقفت في السابق عن تمويل بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة بسبب قرارات دولية تخالف مواقفها، كما حدث في حالة اليونيسكو عام 2011.
عرقلة للإرداة الدوليّة
يبدو أن توقف التمويل هذه المرة يختلف قليلاً، حيث يأتي في سياق محاولة فلسطين الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو ما قد يتسبب في تغييرات جذرية في الأوضاع الإقليمية، وتثير هذه التصريحات تساؤلات حول مدى استجابة أمريكا لرأي العالم حول الإجراء المحتمل، وخاصة أن فلسطين تمتلك دعماً واسعاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإذا تم قبول العضوية الكاملة لفلسطين، فمن المتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات جادة، وربما تكون واحدة منها التوقف عن التمويل.
ومن الجانب الآخر، يجب أن ننظر إلى هذا التهديد كجزء من إستراتيجية ضغط الولايات المتحدة على المجتمع الدولي لعدم الموافقة على العضوية الكاملة لفلسطين، فبعد مرور سنوات من المفاوضات الفاشلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين نتيجة الدعم الأمريكي السافر للصهاينة، قد ترى الولايات المتحدة أن هذه الخطوة هي الوسيلة الوحيدة للالتفاف على الإرادة الدولية ومعارضة السياسة العالمية الداعمة لفلسطين بعد أن تكشفت حقيقة الكيان الصهيوني الغاشم.
وبالمجمل، فإن توقف الولايات المتحدة عن تمويل الأمم المتحدة يمثل تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية، ويمكن أن يفتح باباً لتطورات جديدة في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ومهما كانت النتيجة، فإنها ستكون لها تأثيرات كبيرة على المنطقة بأسرها، وإن القرار المحتمل للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن منح الفلسطينيين العضوية الكاملة في المنظمة يثير حفيظة أمريكا وكيانها الاحتلاليّ، ومع تصاعد التوترات، يبدو أن المجتمع الدولي مقبل على مسح عالمي لمدى الدعم للمسعى الفلسطيني، الذي تعقدت مفاوضاته على مر السنين بسبب التحديات السياسية والإقليمية المعقدة التي فرضتها واشنطن.
وإذا مر هذا القرار، فإنه سيمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز الاعتراف الدولي بالحقوق الفلسطينية، وستكون له تأثيرات عميقة على النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وسياسات الدول المعنية به، ومن جانبها، تعتبر الولايات المتحدة منذ فترة طويلة داعمة قوية لـ"إسرائيل"، وهي تواجه هذا القرار بمزيد من المخاوف والمعارضة، وتهدد بتعليق التمويل للأمم المتحدة في حال تم تبني القرار، وتبرز هنا أهمية الدعم الدولي لحقوق الفلسطينيين والمحافظة على العلاقات الدولية وتمويل الجهود الإنسانية العالمية.
دعم تام لمصالح الكيان
لا شك أن هذا القرار يأتي في ظل تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، مع توسيع المستوطنات الإسرائيلية والاعتراض الدولي على هذه الخطوة العدوانية، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ويبدو أن التصويت على هذا القرار سيكون محور توترات دولية جديدة، وسيعكس مدى تقدم المجتمع الدولي في التعامل مع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والالتزام بحقوق الإنسان والعدالة الدولية، ويكشف على المستوى الدولي خبث السياسة الأمريكية ودعمها اللامتناهي لجرائم العصابة الصهيونية.
ولا بد من الإشارة إلى الفيتو الذي استخدمته الولايات المتحدة في مجلس الأمن لعضوية فلسطين بما يسلط الضوء على السياسة الخارجية الصارمة التي تتبعها الولايات المتحدة في دعم تل أبيب وحماية مصالحها الهدامة في المنطقة، ويعكس هذا الفيتو موقفًا قويًا من الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، وإصرارها على عرقلة أي جهود تسعى لتعزيز وضع الفلسطينيين في المنظمات الدولية.
وإن إقدام الولايات المتحدة على استخدام الفيتو يعكس قوة التحالف الإسرائيلي الأمريكي والتزامه بحماية مصالح كيان الاحتلال الأمنية والسياسية، وتجسد هذه الخطوة استمراراً للسياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة على مر العقود، حيث تميل إلى إعاقة الجهود الدولية التي تهدف إلى دعم الفلسطينيين وتعزيز حقوقهم، وإلى جانب ذلك، يبرز السعي الحالي لإلغاء عضوية فلسطين عبر وسائل مالية وضغوط، وهو ما يعكس التزام الولايات المتحدة بتحقيق أهدافها السياسية القذرة حتى في وجه الإرادة الدولية، وهذه الخطوة تثير انتقادات من قبل الجماعات والدول التي تدعم الحقوق الفلسطينية وترى فيها تدخلاً سافراً في شؤون الأمم المتحدة واستخداماً للقوة الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية ضيقة النطاق.
وبشكل عام، يتجلى من خلال هذه السياقات توتر العلاقات الدولية مع أمريكا ومحاولات تعزيز الشرعية الدولية للفلسطينيين، وتباين المواقف الدولية مع أمريكا في مواجهة هذه القضية المعقدة، حيث يظهر الدعم المتزايد لفلسطين في المحافل الدولية أن العالم بات في صف الشعب الفلسطيني، مؤكداً على حقوقهم الشرعية وضرورة إقامة دولتهم المستقلة، ومع ذلك، تبقى الولايات المتحدة معارضة لهذه الإرادة الدولية، من خلال ممارسة ضغوط سياسية ومالية لعرقلة جهود تحقيق العدالة والسلام في المنطقة.
في النهاية، استمر الدعم الأمريكي للكيان على كل الأصعدة على الرغم من الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، لكن العالم أيضا يستمر في التعبير عن تضامنه ودعمه لحقوق الإنسان والعدالة الدولية، ومن الضروري أن يواصل المجتمع الدولي الضغط على أمريكا للتحرك باتجاه إنهاء الاحتلال وإحلال السلام الدائم في المنطقة، وذلك من خلال دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة فالعدالة والسلام لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال العمل المشترك والتعاون الدولي بعيدا عن سياسة "الكيل بمكيالين"، وبتجاوز الاعتبارات السياسية الضيقة، والتمسك بقيم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وإذا استمرت الولايات المتحدة في موقفها المعارض، فإنه يتوجب على المجتمع الدولي الوقوف بحزم للدفاع عن القيم والمبادئ التي ينص عليها الميثاق الدولي، وضمان حماية حقوق الشعوب واحترام القانون الدولي في كل الأوقات وفي كل الظروف.