الوقت- قلق عمیق، هذا كل ما استطاع مجلس الأمن تقديمه للشعب الفلسطيني الذي يُنفذ بحقه الكيان الصهيوني أبشع المجازر عبر التاريخ، وفي الوقت الذي حُبست الأنفاس مما اقترفته آلة القتل الصهيونية بحق الأهالي الذين كانوا ينتظرون الحصول على المساعدات الإنسانية و الغذائية لم يقدر أعضاء مجلس الأمن سوى على تقديم تعازيهم الصادقة لأسر الضحايا وتمني الشفاء العاجل والكامل للمصابين!
وكانت الجزائر قد اقترحت بيانا رئاسيا قويا يدين “مجزرة الطحين” التي ذهب ضحيتها 115 شهيداً وأكثر من 750 جريحاً، وفي نفس يوم وقوعها الخميس الماضي، إلا أن الولايات المتحدة رفضت إصدار البيان بحجة عدم توافر معلومات حول المجزرة.
وقد وافق أعضاء مجلس الأمن بالإجماع، مساء السبت، على إصدار “بيان صحفي”، وليس بيانا رئاسيا، بالمجزرة، ومن الجدير بالذكر أن “البيان الصحفي” هو أضعف مخرجات مجلس الأمن، ويأتي تصنيفه بعد القرار والبيان الرئاسي، ولا يعتبر وثيقة رسمية ولا يتم تسجيله في سجلات مجلس الأمن، بل هو عبارة عن موقف مشترك يصدر بإجماع أعضاء المجلس حول ما يجب أن يقال للصحافة حول حدث ما.
انتقاد الكيان الصهيوني أمر ممنوع
كالعادة كانت الولايات المتحدة بالمرصاد لأي انتقاد أو توجيه قرار يدين كيان الاحتلال الاسرائيلي حيث منعت الولايات المتحدة الأمريكية مجلس الأمن الدولي من إصدار رد على إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على قتل 112 فلسطينياً وإصابة 760 آخرين أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، ورفضت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية الدائمة في مجلس الأمن النص التفاوضي الذي يتضمن عبارات انتقاد للكيان المحتل، وحاول البيان تحت ضغط أمريكي بشكل واضح عدم توجيه أي عبارات تسيء لكيان الاحتلال واكتفى النص بالدعوة إلى "تجنب حرمان المدنيين في قطاع غزة من الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي لا غنى عنها من أجل البقاء على قيد الحياة"، وذلك بما يتناسب مع القانون الإنساني الدولي، كما أعرب عن خشيته من أن جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة "سيواجهون مستويات مثيرة للقلق من مشاكل الغذاء الحادة".
ودعا النص كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى إبقاء المعابر الحدودية مفتوحة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وتسهيل فتح معابر إضافية لتلبية الاحتياجات الإنسانية على نطاق واسع.
شلل مجلس الأمن
منذ بدء الحرب في غزة، يسجل مجلس الأمن الدولي فشلا متكررا، في اعتماد قرار، بوقف إطلاق النار في هذه الحرب، التي دخلت شهرها السادس، وقد استخدمت الولايات المتحدة، حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار للمجلس يدعو إلى "وقف إنساني فوري لإطلاق النار" في غزة، وذلك رغم ضغوط غير مسبوقة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فيما انتقدت منظمات حقوقية ونشطاء عدم مقدرة مجلس الأمن الدولي على تبني قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإن الضغوط التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن تتماشى مع محاولة هذا البلد ضمان قتل الشعب الفلسطيني على يد كيان الاحتلال الإسرائيلي.
فيما يعتبر كثير من المراقبين، أن حرب غزة الحالية، مثلت اختبارا لمجلس الأمن والمنظمة الأممية بكاملها، وأظهرت عجزها عن الاضطلاع بمسؤولياتها الدولية، وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قد قال خلال كلمة له مؤخرا في منتدى الدوحة بقطر، إن سلطة ومصداقية مجلس الأمن الدولي تقوضتا بعد عجزه عن وقف إطلاق النار في غزة.
وأدى فشل مجلس الأمن الدولي، في التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار في غزة، بفعل الفيتو الأمريكي، إلى تعرض واشنطن إلى انتقادات واسعة في المحافل الدولية، من قبل العديد من الدول في وقت يرى فيه مراقبون أن سلوك واشنطن في المجلس سيؤدي إلى عزلتها دوليا.
ويرى محللون أن الأمم المتحدة، باتت تسجل فشلا متراكما، في حل الأزمات الدولية، وأن أزمة غزة أظهرت هذا الجانب بوضوح، إذ تخلت المنظمة عن دورها السياسي، في إيجاد حل مستدام للقضية الفلسطينية، واكتفت بدور توزيع المساعدات الإنسانية، ويطرح بعضهم أفكارا عن ضرورة إصلاح آليات اتخاذ القرارات في المنظمة الدولية، والتي تجعل إرادة العشرات من الدول رهينة بإرادة دولة واحدة.
تواطؤ أم ازدواجية معايير
لقد نجح طوفان الأقصى في فضح الصورة الحقيقية للحكومات الغربية والأمريكية ووضع أمام أعين شعوب العالم ألوانا طبيعية ما كان للكثيرين أن يروها لولا طوفان الأقصى، فأمريكا والغرب وخلال الساعات الأولى من العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا أصدرت عقوبات عديدة ضد روسيا وجمدت أرصدتها في البنوك وقدمت دعما غير محدود لزيلنسكي أما في حالة كيان الاحتلال الإسرائيلي وعلى الرغم من أن القانون الدولي منح حق المقاومة بشتى الوسائل ضد المحتل وعلى الرغم من جرائم الإبادة التي تقوم بها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة من ذبح للأطفال والنساء وهدم للمستشفيات والمساجد، نجد أن أمريكا مستمرة في تقديم الدعم العسكري والمالي للكيان المحتل واستخدمت الفيتو عدة مرات في وجه العالم وكان آخره الدفاع عن الكيان الغاصب في ارتكابه مجزرة الطحين ضد من تم تجويعهم أثناء تداعيهم للحصول على مساعدات غذائية حملتها بعض الشاحنات القادمة من دول عربية، ومن المثير للاشمئزاز وقاحة الساسة الغربيين فرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وفي مقال له بتارخ ٢٥ شباط الفائت في صحيفة صنداي تايمز طالب الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا بمصادرة أرصدة روسيا لديها وإرسالها لأوكرانيا، بينما لم يطالب أحد بحجز أرصدة كيان الاحتلال الإسرائيلي أو التحفظ عليها أو فرض أي عقوبات لثنيها عن جرائمها لا بل إجبار دول عربية لإعمار ما دمرته آلة الحرب الصهيونية في غزة، وكما في المرات السابقه علما بأن حجم الدمار في غزة فاق كثيرا حجم الهدم في أوكرانيا ولكن أمريكا والغرب يسعون لإعمار أوكرانيا من أرصدة روسيا المجمدة.
كل ذلك يجسد ازدواجية المعايير ويظهر أمريكا جالسة مع ذلك الذئب المجرم تأكل معه لحم الأبرياء، وبالوقت نفسه تحاول خداع العالم بالذهاب إلى الراعي الذي تعرض قطيعه للقتل والسلب فهي تحاول إنزال مساعدات من الجو في مشهد لا يليق بدولة عظمى تحكم العالم وبيدها أوراق وقرار وقف إطلاق النار، فالإنزال قد يكون مقنعا ومقبولا من دول صغيرة لا حول لها ولا قوة أما أمريكا العظمى الداعم الأول لـ"إسرائيل" فلا يُقبل منها ذلك بل يعتبر إقرارا واعترافا منها بقيام "إسرائيل" بتجويع وتعطيش الفلسطينيين وبما أن أمريكا حتى اللحظة هي من تهيمن على هذا العالم فنراها تنتهك القانون الدولي وتمارس ازدواجية المعايير وتشارك في قتل الأطفال والنساء، ما دعا الطيار الأمريكي البطل للتمرد على سياسات البيت الأبيض وحرق نفسه بلباسه العسكري أمام سفارة الكيان المحتل في واشنطن.