الوقت- "رفح" هو الاسم الأكثر تداولاً هذه الأيام بعد غزة، لقد مرت مئة وثمانية وعشرون يومًا على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وأدى القصف البري والجوي المتواصل إلى إخلاء المناطق الشمالية من هذه المنطقة وإيواء لاجئي الحرب في الجزء الجنوبي من غزة، وتحديدا مدينة رفح الحدودية.
معبر رفح، الذي كان يسمى "بوابة غزة إلى العالم" وكان المنفذ الوحيد لدخول المساعدات الإنسانية إلى هذا الشريط وقد كانت رفح تعتبر ملاذا آمنا للاجئي غزة، لكنها الآن على شفا كارثة إنسانية في جولة جديدة من هجمات الاحتلال، حيث جعل الكيان الصهيوني من مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة هدفاً جديداً لصواريخه، التي أدت إلى مقتل مئات الأشخاص وإصابة مئات آخرين.
قال بنيامين نتنياهو يوم الجمعة إنه طلب من الجيش إعداد خطة لإجلاء مئات الآلاف من المدنيين من رفح قبل الهجوم البري على المدينة.
وينتهي موقع رفح مع مصر جنوباً، والبحر الأبيض المتوسط غرباً، والأراضي المحتلة شرقاً وشمالاً، ولم يؤد قرار تل أبيب هذا إلى خلافات بين تل أبيب ومصر فحسب، بل صاحبه أيضًا تحذير خطير من السعودية والإمارات وقطر.
إرسال دبابات مصرية إلى حدود رفح
وبينما أصبحت العلاقات السياسية بين القاهرة وتل أبيب شديدة البرودة والتوتر منذ بداية العملية العسكرية للجيش الصهيوني في غزة، في هذه الأثناء، أثارت الخطة الجديدة لمهاجمة مدينة رفح غضب المصريين بشكل أكبر.
وحسب موقع "المصري اليوم"، جاء في بيان الحكومة المصرية: "لا نقبل كلام كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بشأن تصميم الجيش الإسرائيلي على عمليات عسكرية في مدينة رفح"، ونحذر من العواقب الوخيمة لمثل هذا الإجراء، وخاصة مع وقوع كارثة إنسانية في غزة أيضًا، وقالت القاهرة إن العملية العسكرية في مدينة رفح ستزيد الوضع تعقيدا وستؤثر على مصالح الجميع دون استثناء، ودعت وزارة الخارجية المصرية كذلك إلى توحيد كل الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حل دون مهاجمة رفح، وقالت إن الهجوم على هذه المدينة واستمرار عرقلة المساعدات الإنسانية هو عمل يتماشى مع الهجرة القسرية لسكان رفح من الشعب الفلسطيني والتخلي النهائي عن قضية الحرية الفلسطينية.
ولم يقتصر موقف القاهرة على إصدار بيان، فقد أعلنت قناة العربية نقلا عن مصادر محلية أن مصر أرسلت دبابات وناقلات جند للجيش إلى حدود رفح لتحذير الصهاينة من مغبة هجوم واسع النطاق على مدينة رفح.
في هذه الأثناء، تصاعدت الخلافات داخل الحكومة بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني ورئيس أركان جيش هذا الكيان بشأن العملية البرية المحتملة في مدينة رفح وكيفية التعامل مع مصر في هذا الشأن.
وقال محلل الشؤون السياسية بالقناة 12 التابعة للكيان الصهيوني عن اتساع نطاق الصراعات في جنوب غزة: "تبادل نتنياهو وحلافي قبل أيام وجهات النظر حول استمرار العمليات العسكرية في غزة واختلفا حول احتلال رفح، وبينما يضغط نتنياهو على الجيش لإيجاد حلول سريعة، يريد هالوي توفير الظروف اللازمة، مثل إخلاء المنطقة والتنسيق مع مصر، في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن الحكومة الأمريكية طلبت في رسالة من الكيان الصهيوني عدم تنفيذ عمليات في رفح خلال شهر رمضان لأن التوترات ستشتد في هذا الشهر.
من ناحية أخرى، أعلنت القناة 12 التابعة للكيان الصهيوني، نقلاً عن قناة "روسيا اليوم" الروسية، أن "مسؤولين إسرائيليين بارزين من جهاز المخابرات (الموساد) وجهاز الأمن العام (الشاباك) ووزارة الدفاع، اتصلوا بنظرائهم المصريين مساء الأحد لمعالجة مخاوف القاهرة".
لكن القناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي كشفت أن عبد الفتاح السيسي لم يستجب لاتصال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب الخلاف مع الصهاينة بشأن توسيع نطاق الحرب في قطاع غزة.
وجاءت هذه التقارير بعد أيام من تهديد مسؤولين مصريين بتعليق معاهدة السلام مع "إسرائيل" إذا حاول الصهاينة إرسال قوات إلى رفح، إذ تخشى القاهرة أن يؤدي القتال إلى إغلاق طريق مساعدات رئيسي.
وأثار الهجوم على رفح المخاوف من وقوع كارثة إنسانية كبيرة، لأن رفح، حسب الإحصائيات، هي المنطقة الأكثر كثافة سكانية حيث يبلغ عدد سكانها مليوناً وثلاثمئة ألف نسمة، ومن شأن العمل العسكري الذي يقوم به الكيان الصهيوني ضد هذه المنطقة أن يحطم الرقم القياسي للقتل الجماعي على الرغم من توطين ما يقرب من مليوني فلسطيني في هذه المدينة الحدودية.
وقال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن الهجمات على رفح: "نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة موجودون الآن في رفح؛ ليس لديهم مكان يذهبون إليه، إن الأخبار المتعلقة بالهجوم المرتقب على رفح مثيرة للقلق؛ وهذا حدث يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الكابوس الإنساني في غزة بشكل كبير"، في هذه الأثناء، تقول جماعات الإغاثة وحقوق الإنسان إن هناك احتمال حدوث كارثة إنسانية واسعة النطاق في رفح.
الهدنة في هالة من الغموض
كما أن الوضع المقلق في رفح واحتمال تصعيد الأزمة جعل وضع وقف إطلاق النار غير مؤكد، فمثلا نقلت الجزيرة عن مصدر مطلع في حماس وكتب: هذه الحركة لا تزال على اتصال مع وسطاء قطريين ومصريين حتى الرد الصهيوني على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، ولكن أي اتفاق لا يؤدي إلى استتباب الأمن، وإنشاء الملاجئ، واستمرار المساعدات لأهل غزة، وإعادة إعمار هذه المنطقة وتوفير الحياة الكريمة لشعبنا لا معنى له، واستمرار عدوان المحتلين على الشعب الفلسطيني واستمرار الحصار على غزة غير مقبول تحت أي ظرف من الظروف.
ويفيد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) بأن أكثر من 600.000 طفل وأسرهم قد نزحوا في رفح؛ كما حذرت اليونيسف من أن آلاف الأشخاص قد يموتون بسبب أعمال العنف أو بسبب نقص الخدمات وزيادة انقطاع المساعدات الإنسانية.
نتنياهو الذي يرى أن بقاءه السياسي مرتبط بتأجيج نيران الحرب، يعتبر الفشل في مهاجمة رفح بمثابة فشل في كل الحرب واستمرار وجود حماس.
في مقابلة مع شبكة ABC الإخبارية، رد نتنياهو على المنتقدين الذين يقولون إن الهجوم على رفح يتجاوز الخط الأحمر: أولئك الذين يقولون إنه لا ينبغي لنا أن ندخل رفح تحت أي ظرف من الظروف هم في الأساس يقولون: "اخسروا الحرب، أبقوا حماس هناك".
بل إن تقدم نتنياهو الجنوني في تدمير غزة بالكامل من الشمال إلى الجنوب، وتجاهل التبعات الأمنية الإقليمية والخارجية، أدى إلى توتر بينه وبين حليفه الأمريكي جو بايدن، وكتبت يورو نيوز أن مسؤولين أمريكيين قالوا إن الهجوم على رفح دون تخطيط حول وضع السكان المدنيين سيؤدي إلى كارثة.
ذكرت رويترز في تقرير نُشر اليوم، 12 فبراير/شباط، أنه "بعد أكثر من أربعة أشهر من تدمير مساحة كبيرة من الأراضي المكتظة بالسكان على البحر الأبيض المتوسط، قُتل 28340 فلسطينيًا، وفقًا لمسؤولي الصحة في غزة"، ودُفن كثيرون آخرون تحت الأنقاض.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن 31 رهينة قتلوا منذ ذلك الحين، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن عملية الإنقاذ التي تمت يوم الاثنين أظهرت أن الضغط العسكري يجب أن يستمر وأنه تجاهل التحذيرات الدولية بشأن خطط الهجوم البري على رفح.
وتابعت رويترز هذا التقرير: "قال الناس في رفح إن الطائرات الحربية والدبابات والسفن الإسرائيلية قصفت مسجدين والعديد من المباني السكنية خلال أكثر من ساعة من الهجمات، ما تسبب في حالة من الذعر على نطاق واسع، وقال عماد تاجر، وهو أب لستة أطفال، لرويترز عبر تطبيق للدردشة: "كان الموت قريبا جدا لدرجة أن الرصاص والصواريخ سقطت على بعد 200 متر من مخيمنا وقال إنها كانت أسوأ ليلة قصف منذ دخولهم رفح الشهر الماضي".