الوقت- بينما يحاول الرئيس الأمريكي جو بايدن تحسين سجل سياسته الخارجية وزيادة فرص فوزه بالانتخابات في الوقت القصير المتبقي حتى انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، فإن خطط البيت الأبيض هذه الأيام تعرقل من قبل الجمهوريين في الكونغرس الذين يرفعون سيف الرفض عليه.
كانت المناقشات في الأيام الماضية تدور بشكل أساسي حول كيفية وحجم المساعدات العسكرية الأمريكية للحلفاء الأجانب.
وفي هذا الصدد، أعلن رئيس مجلس النواب الأمريكي، مايك جونسون، الأحد، أن مجموعة من المشرعين الجمهوريين في الكونغرس قدموا خطة يتم فيها النظر في تقديم مساعدة مالية بقيمة 17.6 مليار دولار لـ"إسرائيل" دون أي مساعدات إضافية لأوكرانيا، ويعتزم الكونغرس التصويت على مشروع القانون هذا، الأسبوع المقبل.
وأعلنت لجنة المخصصات بالكونجرس أن المساعدات المقدمة لـ"إسرائيل" تشمل أموالا للمساعدة في إعادة إمداد أنظمة الدفاع الصاروخي، وشراء أنظمة أسلحة أكثر تقدما، وإنتاج المدفعية وغيرها من الذخائر اللازمة لمواصلة القتال ضد حماس في الشرق الأوسط.
ولا تتضمن الوثيقة أي تمويل لمساعدة أوكرانيا، بينما يعمل مجلس الشيوخ على مشروع قانون من الحزبين بشأن أمن الحدود وحزمة مساعدات، وينص مشروع قانون مجلس الشيوخ الجديد على توفير 20.23 مليار دولار لأمن الحدود الأمريكية، و60.06 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا، و14.1 مليار دولار كمساعدات عسكرية للكيان الصهيوني، ومن المقرر أن يتم طرح مشروع القانون للتصويت يوم الأربعاء، لكن مشروع القانون اصطدم بجدار من المعارضة من المحافظين، وقال العديد من الجمهوريين إنهم لن يصوتوا عليه.
من ناحية أخرى، أعلن البيت الأبيض أنه لن يقبل مشروع قانون منح مساعدات بقيمة 17.6 مليار دولار للكيان الصهيوني، مع استثناء أوكرانيا من المساعدات المالية والعسكرية، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير: "تعمل الإدارة مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين منذ أشهر للتوصل إلى اتفاق للأمن القومي يؤمن حدودنا ويدعم شعبي أوكرانيا وإسرائيل"، ورغم أن التوصل إلى اتفاق مع النواب أصبح وشيكاً، فقد قدم الجمهوريون في الكونجرس أحدث مناوراتهم السياسية الساخرة. وتابع بيير: "يجب اعتبار أمن إسرائيل مقدسا ومهما، لكن لا ينبغي أن يتحول إلى لعبة سياسية، لذلك، نحن نعارض بشدة طريقة العمل هذه، التي لا تتخذ إجراءات لتأمين الحدود، ولا تساعد شعب أوكرانيا في الدفاع عن نفسه".
في هذه الأثناء، ورغم تركيز وسائل الإعلام على الخلاف بين بايدن والنواب الجمهوريين في الكونغرس بشأن المساعدات العسكرية، يبدو أن الانتخابات الرئاسية هذا العام تلقي بظلالها على مثل هذه الانقسامات، وعلينا أن ننتظر المزيد من المواجهات بين الطرفين، البيت الأبيض والكونغرس، بشأن القضايا الداخلية والخارجية كلما اقترب وقت الانتخابات.
التوتر بشأن المهاجرين غير الشرعيين
في السنوات الأخيرة، أصبحت قضية المهاجرين محل خلاف خطير بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث دعا المشرعون الجمهوريون البيت الأبيض إلى اتخاذ إجراء حاسم للقضاء على الهجرة غير الشرعية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، لكن الديمقراطيين يعتقدون أن الحملة ستضر بالمهاجرين اللاتينيين الذين يطلبون اللجوء.
وعلى الرغم من تبني إدارة بايدن والعديد من الديمقراطيين، فيما يتعلق بالهجرة، فكرة فرض ضبط صارم على الحدود، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وحلفاءه انتقدوا الإجراءات المقترحة باعتبارها غير كافية، كما زعموا أن الرؤساء يتمتعون حاليًا بسلطة كافية لمنع المعابر الحدودية غير القانونية، لكنهم لا يتصرفون بناءً عليها، ويعتقد الجمهوريون أن بناء جدار على الحدود المكسيكية هو الطريقة الفعالة الوحيدة لمنع الهجرة غير الشرعية، لكن الديمقراطيين يعارضون هذا الإجراء، ولذلك، ستظل الهجرة قضية رئيسية في الانتخابات الرئاسية.
وحسب قناة CNBC، فإن اقتراح الحدود الذي قدمته الحكومة، والذي تفاوضوا عليه لعدة أشهر، يهدف إلى السيطرة على نظام اللجوء، ويقترح مشروع القانون هذا مراجعة أساسية لنظام الهجرة مع إجراءات تنفيذ أقوى وأسرع، أي إنه إذا وصل عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى أكثر من 5000 يوميا في المتوسط على مدى خمسة أيام، فإن السلطات المحلية ستتدخل تلقائيا لإعادة المهاجرين إلى المكسيك دون فرصة تقديم طلب اللجوء، ولكن إذا وصل العدد إلى 4000، يمكن للحكومة استخدام السلطة لترحيل المهاجرين، وقال بايدن، في إشارة إلى هذه السلطة، إنه سيستخدمها لإغلاق الحدود بمجرد توقيع مشروع القانون ليصبح قانونًا.
ويخصص مشروع القانون 18.5 مليار دولار لإنفاذ قوانين الهجرة، بما في ذلك توظيف آلاف الضباط الجدد لتقييم طلبات اللجوء، بالإضافة إلى مئات من عملاء حرس الحدود، وفقًا لمصادر مطلعة على حزمة الهجرة، وسيذهب 1.4 مليار دولار من هذه الأموال إلى الملاجئ والخدمات في المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي تعاملت مع تدفق المهاجرين في الأشهر الأخيرة.
ورغم ذلك يصر الجمهوريون على قضية المهاجرين للضغط على الحكومة، وشن ترامب، المرشح الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لمنافسة بايدن، حملة شرسة مناهضة للهجرة، ويحاول الجمهوريون أيضًا عزل أكبر مسؤول حدودي في إدارة بايدن، والذي يعترفون بأنه ليس لديه سيطرة صارمة على الحدود المكسيكية.
التشكيك في سياسة بايدن الخارجية
إن خلاف الجمهوريين مع حكومة بايدن تجاوز القضايا الداخلية ووصل إلى مجال السياسة الخارجية، ومن القضايا التي يركز عليها الجمهوريون الآن هي قضية الدعم المالي والعسكري للكيان الصهيوني ضد جماعات المقاومة، والتي احتلت جزءا كبيرا من السياسة الخارجية الأمريكية هذه الأيام.
وفي وقت سابق من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وافق مجلس النواب على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 14.5 مليار دولار للكيان الصهيوني، وهو ما رفض مجلس الشيوخ قبوله، وبما أن أغلبية مجلس الشيوخ في أيدي الديمقراطيين، فربما لا يصوت الديمقراطيون هذه المرة أيضا لتمرير مشروع القانون هذا.
جهود الجمهوريين لتقديم المساعدة الفورية للكيان الصهيوني، رغم أنها قامت بها جميع الحكومات الديمقراطية والجمهورية في العقود السبعة الماضية، ولا يوجد خلاف بين الحزبين حول هذه القضية، ولكن الآن، عشية الانتخابات الرئاسية الانتخابات، أصبحت هذه القضية أداة سياسية.
وبما أن حكومة بايدن قالت إنها لن تقدم مساعدات لـ"إسرائيل" دون الموافقة على المساعدات المالية لأوكرانيا، فإن الجمهوريين يستغلون هذه الفرصة ويريدون التلميح للوبي اليهودي بأن الديمقراطيين ضد دعم الكيان إذا كانت الحكومة والديمقراطيون يعارضونه في الكونجرس، بحيث إنهم من خلال جذب رأي اللوبي اليهودي في أمريكا، سيقنعون الرأسماليين اليهود بدعم المرشح الجمهوري، وتمهيد الطريق لهزيمة بايدن في الانتخابات المقبلة.
الخلاف الرئيسي حول أوكرانيا
ورغم أن الجمهوريين، في بداية الحرب في أوكرانيا، كانوا متحالفين مع سياسات بايدن تجاه روسيا وطالبوا بمساعدات غربية واسعة النطاق لكييف من أجل هزيمة منافسهم التقليدي، إلا أن هذه القضية الآن أصبحت تحديا خطيرا بين الطرفين، ومشكلة كبيرة، فعدد من الجمهوريين يقفون ضد طلب المزيد من المساعدات لأوكرانيا.
وقد أكد مايك جونسون مراراً وتكراراً على أن أي مساعدات إضافية لأوكرانيا مرتبطة بتعزيز السيطرة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك لمنع الهجرة غير الشرعية، وأدلى زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بالتصريح نفسه، ولذلك ربط الجمهوريون المساعدات لأوكرانيا بقضية المهاجرين، ولأنهم يعلمون أن حكومة بايدن لن توافق على طلب الجمهوريين، فإنهم يريدون تقديم الديمقراطيين على أنهم ضد الأمن والمصالح القومية، ويمكن لهذه الشعارات أن تساعدهم عشية الانتخابات.
ويعد مشروع قانون مجلس الشيوخ، الذي يوفر مساعدات بقيمة 60 مليار دولار لأوكرانيا، أفضل فرصة لبايدن لاستعادة المساعدات في زمن الحرب لأوكرانيا حتى يتمكن من تحسين سجل سياسته الخارجية في الأشهر التي سبقت الانتخابات، لكن الجمهوريين منعوا الإدارة هذه الفرصة لتحسين وضعه في الرأي العام.
منذ اعترض الكونجرس على عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات لأوكرانيا، أوقفت الحكومة شحنات الذخيرة والصواريخ إلى كييف، وكان الجيش الأوكراني في وضع أسوأ في الأشهر الأخيرة، مع تحذير المسؤولين في كييف يوميا من أنه إذا كانت المساعدات الغربية إذا لم تصل إليهم، فإن روسيا سوف تفوز.
ويعتقد الجمهوريون أن سياسات بايدن في أوكرانيا قد فشلت، والآن احتلت روسيا 15% من أراضي أوكرانيا، وأي محاولة لدفع الروس إلى الوراء لا طائل منها، ولذلك فهم غير مستعدين لاستثمار عشرات المليارات من الدولارات في بلد لا أمل له في الفوز على روسيا.
والآن أصبحت أزمة أوكرانيا بمثابة "كعب أخيل" للسياسة الخارجية لحكومة بايدن، وستكون هذه القضية بلا شك أحد المحاور الأساسية في المناظرات الانتخابية خلال الأشهر المقبلة بين بايدن والمرشح الجمهوري، وسيقوم الجمهوريون بضرب مثل هذه المطرقة على رأس حكومة بايدن، وعلى الرغم من مئات المليارات من الدولارات من المساعدات، إلا أنهم لم يتمكنوا من هزيمة روسيا، وانتقد ترامب مرارا سياسات بايدن تجاه أوكرانيا، وقال إن الديمقراطيين هزوا الأمن القومي الأمريكي ومكانة البلاد في العالم.
ولا تتعلق انتقادات الجمهوريين الواسعة لإدارة بايدن بالأزمة الأوكرانية فحسب، بل امتدت إلى كل شؤون السياسة الخارجية، وفي حالة الهجوم الأخير الذي شنته المقاتلات الأمريكية على مقرات جماعات المقاومة في العراق وسوريا، والذي تم تنفيذه رداً على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن، انتقده الجمهوريون بشدة لكونه ضعيفاً ومتأخراً، وحسب الجمهوريين فإن هذا النوع من الهجمات لا يضمن ردع وأمن الأمريكيين.
وفي الوقت الحالي، وفقا لاستطلاعات الرأي، فإن فرصة بايدن للفوز في الانتخابات أقل، ولذلك، فإن الجمهوريين، من خلال ربط المساعدات المالية لأوكرانيا بمسألة الهجرة، يحاولون جعل أداء بايدن في مجالات السياسة الداخلية والخارجية غير فعال، وفي الانتخابات يستغلونها لمصلحتهم في المستقبل.