الوقت - بعد أيام قليلة من تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين بشأن الرد الحاسم على الهجوم الأخير على "البرج 22" التابع لقاعدة التنف في الأردن، والذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية أخيراً أمراً بمهاجمة بعض المواقع التابعة لفصائل المقاومة ليل الجمعة، وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم) في بيان لها، أنها هاجمت أكثر من 85 نقطة في أراضي العراق وسوريا.
وأعلن الجيش الأمريكي أنه تم استخدام طائرات عديدة، بما في ذلك قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة، في الهجوم على هذه المواقع، وحسب هذا البيان، قصفت طائرات سلاح الجو لهذا البلد ثلاثة أهداف في العراق وأربعة أهداف في سوريا، بـ 125 صاروخاً موجهاً لأكثر من 30 دقيقة.
كما أفادت شبكة "سي إن إن"، بأن هذه الهجمات نُفذت بمشاركة عدة قاذفات "بي-1" ومقاتلات "إف-16"، وزعمت القيادة المركزية أن "مراكز عمليات القيادة والسيطرة ومراكز المخابرات والصواريخ والقذائف ومستودعات الطائرات دون طيار والمرافق اللوجستية وسلسلة توريد الذخيرة"، تعرضت للقصف في هذه الهجمات.
وحسب مصادر أمنية عراقية، فقد استهدفت هذه الهجمات مراكز تابعة لكتائب حزب الله في مدينة القائم غربي الأنبار، وأعلنت قناة تليغرام التابعة للفصائل المسلحة العراقية، مقتل خمسة عناصر من الحشد الشعبي بالقصف الأمريكي.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي: "قبل العملية، أبلغنا الحكومة العراقية مسبقاً"، ولهذا السبب، ذكرت بعض المصادر أن هذه المناطق تم إخلاؤها قبل العملية الأمريكية، ولم يكن هناك الكثير من الضحايا.
لكن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، قال في بيانٍ أدان فيه الهجمات الأمريكية، إن "هذه الضربات الجوية تعدّ انتهاكاً للسيادة العراقية، وتعتبر تهديداً وتضعف جهود الحكومة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير مواتية، لها آثار خطيرة على أمن واستقرار العراق والمنطقة".
وفي سوريا، تركزت الهجمات على محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، وقاعدة البوكمال شرق هذه المحافظة، كما طالت الهجمات حي الحجنة بالمدينة، وأيضاً منطقة الحری بريفها.
وقال مصدر ميداني للميادين: إن "العدوان الأمريكي استهدف كتيبةً للجيش السوري في مدينة عياش، ومحطة وقود في الريف الشرقي لمدينة دير الزور، ومخزناً للمواد الغذائية في المدينة".
كما أكد هذا المصدر أنه بالتزامن مع بدء الهجوم علی مدينة القائم، شوهدت 7 طائرات حربية أمريكية و6 طائرات مسيرة لإطلاق الصواريخ وقاذفة استراتيجية B1 في أجواء محافظة دير الزور.
وزعم الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول تصريح له حول هذا الهجوم: "بموجب أمري، هاجمت القوات الأمريكية منشآت في العراق وسوريا، واستهدفنا منشآت يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه".
عمليات محدودة مع الكثير من الضجة
بعد التصريحات التي أطلقها كبار المسؤولين في واشنطن على مدى عدة أيام، بشأن الرد القاطع ومتعدد الأبعاد على جماعات المقاومة، كان الكثيرون ينتظرون رد فعل جدياً من الولايات المتحدة، حتى أن بعض وسائل الإعلام والمراقبين الدوليين تحدثوا عن مهاجمة أماكن داخل إيران.
لكن تفاصيل العمليات الجوية في العراق وسوريا، أظهرت أن هذه العملية التي نُفذت وسط ضجة كبيرة، لم تكن واسعة النطاق، كما تظهر أن البيت الأبيض ليس لديه الرغبة في مواجهة واسعة النطاق مع محور المقاومة.
ومباشرةً بعد الهجمات، أعلن البيت الأبيض أنه لا يسعى إلى الحرب مع إيران، وقال بايدن أيضًا إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر في العالم.
ويعود سبب عدم استعداد أمريكا لمواجهة محور المقاومة على نطاق واسع، إلى قدرة هذه الجماعات على الرد على هجمات العدو، وقد أظهر مسار التطورات خلال الأشهر الأربعة الأخيرة بعد بدء الحرب في غزة، أن زمام المبادرة في التطورات العسكرية أصبحت في أيدي فصائل المقاومة، وهو ما يمنع واشنطن من الدخول في أي مغامرة خطيرة.
إن عمليات أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر ضد السفن الصهيونية والحلفاء الغربيين، وکذلك عشرات الهجمات لمجموعات عراقية على قواعد أمريكية، ومئات الهجمات من قبل حزب الله شمال الأراضي المحتلة، كل هذا يدل على أن يد المقاومة مفتوحة لمعاقبة الأعداء، وإذا وسعت أمريكا نطاق الحرب، ستكون هدفاً لهجمات محور المقاومة من عدة جبهات.
حالياً، تدير فصائل المقاومة التوترات بسبب وجودها في المنطقة وإشرافها الاستخباراتي الدقيق، ولا تسمح لأمريكا والكيان الصهيوني بجر دول المنطقة إلى الأزمات من أجل مصالحها الخاصة.
ولذلك، بينما كانت الهجمات الأمريكية المحدودة شكلاً من أشكال رفع العتب، وكان لها استهلاك محلي لإسكات المنتقدين المحليين، فإن هذه الهجمات لم تُرض الأمريكيين أيضًا.
حيث انتقد السيناتور الجمهوري روجر ويكر إدارة بايدن، وقال: "لقد حاولت إيران ووكلاؤها 165 مرة قتل جنود أمريكيين وإغراق سفننا الحربية، في حين تهنئ إدارة بايدن نفسها على قيامها بالحد الأدنى، لقد أبلغ بايدن أعداءنا بحماقة بنوايا أمريكا لمدة أسبوع تقريبًا، من أجل منحهم الوقت الكافي للتحرك والاختباء".
وقال ديب فيشر، وهو عضو جمهوري آخر في مجلس الشيوخ: "هذه الهجمات، التي تم الإعلان عنها قبل التنفيذ، ربما لم تكن ناجحةً للغاية في إيقاف محور إيران، والخطوة التالية للرئيس يجب أن تكون أقوى بكثير".
كما كتب السيناتور بيت ريكيتس في الفضاء الإلكتروني: لإنشاء ردع فعال، يجب على بايدن استهداف النقاط الحساسة في إيران، وردود الفعل الضعيفة والمعلنة مسبقاً لا تردع إيران، نحن بحاجة إلى القيادة، وليس الاسترضاء".
كان لتصرف واشنطن نتيجة عكسية
بعد الهجمات الأمريكية على العراق وسوريا، حاول بايدن كما في الأيام الماضية إجبار محور المقاومة على وقف العمليات، بالقول إن رد الفعل الأمريكي بدأ اليوم وسيستمر في الأوقات والأماكن التي يحددونها.
لكن العمليات المتكررة التي قامت بها فصائل المقاومة ضد القواعد الأمريكية خلال الـ 24 ساعة الماضية، أظهرت أن مثل هذه التهديدات لم تعد رادعةً، وأن نهج واشنطن في تكثيف المواجهة العسكرية مع فصائل المقاومة، جاء بنتائج عكسية.
وفي هذا الصدد، أعلنت المقاومة الإسلامية العراقية، صباح السبت الماضي، رداً على الهجمات الأمريكية، أنها استهدفت ثلاث قواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا.
وحسب شبكة الجزيرة، أعلنت المقاومة العراقية أنها استهدفت قاعدة التنف وقرية الخضراء في سوريا وقاعدة عين الأسد غرب محافظة الأنبار، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ، وأظهر التحرك الفوري للمقاومة العراقية أمام الهجوم الأمريكي، أن محور المقاومة لن يتأثر بهذه الهجمات ومستعد لأي سيناريو.
وقال مصدر أمني في المركز الاستشاري الإيراني في سوريا لـ"الميادين"، إن الهجمات الأمريكية ستجلب المزيد من ردود الفعل من جانب فصائل المقاومة، ولا شك أن قرار المقاومة العراقية بمواجهة الاحتلال الأمريكي دعماً لفلسطين، سيستمر بوتيرة أسرع.
وفيما يتعلق بالهجمات الأمريكية والبريطانية على الأراضي اليمنية، فقد ظنوا أن أنصار الله سيوقفون عملياتهم في البحر الأحمر، لكن تبين أن حساباتهم كانت خاطئةً.، حيث وسّع اليمنيون نطاق هجماتهم، والآن السفن الأمريكية ليست بمأمن من صواريخ أنصار الله.
لقد حذّر قادة المقاومة من العراق واليمن إلى لبنان مراراً وتكراراً، من أنه طالما استمرت هجمات الکيان الصهيوني على غزة، فإنهم لن يوقفوا عملياتهم لدعم الشعب الفلسطيني. بل إن الجماعات العراقية تستغل فرصة حرب غزة لطرد الأمريكيين من بلادهم، ومواصلة المسار الذي بدأوه بجدية.
لو كانت الولايات المتحدة تسعى حقاً إلى الانتقام لقتلاها، لكان عليها أن تنفذ عملياتها دون تنسيق مع الحكومة العراقية وعلى حين غرة، من أجل إلحاق خسائر فادحة بفصائل المقاومة، لكن الانتقام القاسي لهذه الجماعات، دفع رجال الدولة في واشنطن إلى التفكير في عواقب كل شيء.
الهجمات الهادفة ل"داعش"
على الرغم من ادعاء مسؤولي واشنطن أنهم استهدفوا مقرات الجماعات التابعة لإيران في العراق وسوريا، إلا أن هذه المناطق تم اختيارها أيضًا عن قصد.
تم تنفيذ هذه الهجمات في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي في السابق، وفي السنوات الأخيرة كان يبحث عن فرصة لاستغلال حالة عدم الأمان في العراق وسوريا لإحياء قوته السابقة، وقد وفرت أمريكا هذه الفرصة للإرهابيين.
حيث أعلنت شبكة النجباء الفضائية العراقية، السبت الماضي، أن تنظيم "داعش" بدأ مهاجمة الجيش والحشد الشعبي عند الكيلو 160 على طريق السکر السريع في محافظة الأنبار، مستغلاً العدوان الأمريكي على العراق.
على الرغم من تدمير النواة المركزية ل"داعش" في العراق وسوريا، إلا أن بعض العناصر الهاربة من هذه الجماعة التكفيرية تواصل أنشطتها المحدودة، لخلق حالة من انعدام الأمن في هذين البلدين، کما أنهم يحاولون إقامة مناطق آمنة مرةً أخرى بدعم أمريكي، من أجل إنشاء وإعادة بناء البنية العسكرية والدفاعية والأراضي الإقليمية.
وفي العامين الأخيرين، قامت واشنطن بتحركات لتعزيز خلايا داعش النائمة في سوريا والعراق، حتى تتمكن إذا لزم الأمر من استخدامها لتنفيذ خططها الفاشلة في المنطقة، ويأتي ضمن هذا المشروع إطلاق سراح عدد من عناصر "داعش" من السجون السورية في مناطق السيطرة الكردية، ونقل عوائل "داعش" من مخيم أبو الهول إلى العراق.
وليس مستبعدا أن تقوم أمريكا بتعزيز "داعش" مرةً أخرى، وإشغال الحشد الشعبي بالقتال ضد هذه الجماعة الإرهابية لتجنب هجمات الجماعات العراقية.
ومن ناحية أخرى، نفذت أمريكا هجماتها حول المناطق الغنية بالغاز والنفط في سوريا، تحتل القوات الأمريكية حقل "العمر" النفطي وحقل "كونيكو" للغاز في محافظة دير الزور منذ عام 2016، ومن خلال تنفيذ هذه الهجمات، فإن رسالة واشنطن هي أنها لا تريد خسارة هذه الموارد المجانية بأي شكل من الأشكال.
وتشير التقارير إلى أن أمريكا استولت على مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية، من خلال سرقة وتصدير النفط السوري إلى الخارج، بما في ذلك الأراضي المحتلة، ومن خلال الهجمات التي نفذتها مؤخراً، تحاول القضاء علی تهديدات محور المقاومة ضد حقول النفط والغاز هذه، ونهب الطاقة السورية براحة بال.
أثبتت الهجمات الأمريكية على مقرات فصائل المقاومة، أنها لن تساعد فقط على أمن المقرات والمصالح العسكرية لهذا البلد في المنطقة، بل من خلال رد فعل محور المقاومة على هذه الإجراءات العدوانية، سيتسع نطاق التوترات، وهو ما سيضر بالوضع الأمني الهش في المنطقة، وموقف بايدن السياسي الأكثر هشاشةً في البيت الأبيض في عام الانتخابات.