الوقت– رغم أن حرب غزة تجري في منطقة جغرافية صغيرة، إلا أن آثارها السياسية والأمنية والاقتصادية الكبيرة على المنطقة والعالم لا يمكن إنكارها، حيث ساهمت هذه الحرب في ظهور كتل سياسية جديدة في المنطقة بسبب حجم عمليات القتل الجماعي، كما أدى تصاعد التوترات في البحر الأحمر بين أنصار الله في اليمن والتحالف الأمريكي، الذي يدخل في نطاق الحرب في غزة، إلى دفع بعض دول المنطقة إلى التعاون بشكل أكبر، وبدأ قطار التعاون ينطلق من المنطقة بين محطتي "إيران ومصر".
وفي هذا الصدد، أفادت بعض التقارير الإعلامية بأن القاهرة تجري مفاوضات مع قيادات جماعة أنصار الله اليمنية وكبار المسؤولين الإيرانيين، تسعى من خلالها إلى خفض التصعيد العسكري في البحر الأحمر خشية إلحاق مزيد من الضرر بحركة السفن التجارية عبر قناة السويس، التي تعد من أهم مصادر دخل مصر، وكان لها تأثير سلبي على اقتصاد مصر منذ بدء الصراعات في هذه المنطقة المائية.
ولقد حلل الموقع العربي I24، الاثنين الماضي، أبعاد التعاون بين إيران ومصر والآثار السلبية للتوترات في البحر الأحمر في تقرير تحليلي وكتب أن التأثير الاقتصادي للصراعات في البحر الأحمر على مصر تسبب في جنيه البلاد ليصل إلى أدنى مستوياته، حيث إن مصر، التي عانت من أزمة اقتصادية في العقد الماضي، ومعظم إيراداتها تأتي من التجارة في قناة السويس، تشعر بقلق بالغ بشأن الصراعات في البحر الأحمر وتحاول بمساعدة إيران، كوسيلة لتحقيق الاستقرار في غرب آسيا للتغلب على هذه الأزمة، ولذلك، هناك أنباء عن احتمال زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى القاهرة في إطار جهود التشاور وبحث سبل تعزيز العلاقات بين مصر وإيران، ويرى مراقبون أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ليست قرارًا مصريًا بحتًا، فهو يتعلق بالمواقف الإقليمية والدولية، واتخذت السعودية إجراءات مماثلة مع إيران قبل عدة أشهر، وبعد ذلك بدأت دول الخليج الفارسي في تطبيع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.
وعود مصر لطهران
وتشير تقارير إعلامية غير رسمية إلى أن مصر أكدت خلال محادثاتها مع طهران أنها لن تنضم إلى أي تحرك دولي ضد أنصار الله وأوضحت للولايات المتحدة خطورة الحل العسكري، وتعتقد مصر أنه يجب عليهم إيجاد حل دائم للسبب الجذري للأزمة، وهو الحرب المستمرة في غزة، كما كتبت قناة I24 في تقريرها أن أنصار الله بدورها ثمنت تصرف مصر بعدم الانضمام إلى التحالف الأمريكي، وأكدت للجانب المصري أنها لا ترغب في توسيع نطاق عملياتها، وخاصة بعد الهجمات الأمريكية والبريطانية، وأن عملياتها لن يتم تنفيذها إلا ضد السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة أو المرتبطة بتل أبيب.
دفء العلاقات بين طهران والقاهرة
وعلى الرغم من أن سلطات طهران لم تؤكد أو تنفي زيارة أمير عبد اللهيان إلى القاهرة، إلا أنه منذ تولي الحكومة الثالثة عشرة مهامها، كانت هناك العديد من الانفتاحات في العلاقات بين البلدين، والتي يمكن أن تنهي أربعة عقود من العلاقات الدبلوماسية، وبدأ ذوبان الجليد بين البلدين قبل ثلاث سنوات، والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بوزير خارجية إيران على هامش مؤتمر بغداد الدولي في أغسطس/آب 2021، وفي نوفمبر 2022، أجرى رئيس جهاز المخابرات المصري ونائب الرئيس الإيراني محادثة على هامش اجتماع شرم الشيخ للمناخ، وفي يوليو 1401 أيضًا، أثناء زيارة السيسي إلى مسقط، التقت سلطات طهران والقاهرة ببعضها البعض في هذا البلد بوساطة عمان وناقشت القضايا الثنائية والإقليمية المهمة.
ولم ينته العمل بهذه اللقاءات المحدودة، وبعد توقيع اتفاق السلام بين إيران والسعودية في مارس من العام الماضي، فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين وأعلنت السلطات المصرية استعدادها لاستئناف العلاقات، كما أعلنت جمهورية إيران الإسلامية ومن ثم وزارة السياحة المصرية عن إصدار تأشيرات للسياح الإيرانيين، وكان السيد إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، من أوائل المهنئين للسيسي بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة في ديسمبر الماضي.
بالنسبة لإيران ومصر، فإن تطبيع العلاقات لا يعني إلغاء أو حل جميع الخلافات، ولكنه وسيلة لتعزيز المصالح الثنائية والإقليمية المشتركة، وباعتبار أن حرب غزة والتوترات في البحر الأحمر مستمرة، إلا أن الجانبان يحاولان أن يتمكنا من إقامة علاقاتهما بشكل أسرع ومنع تطور الأزمة في المنطقة بمشاركة بعضهما البعض، وكتبت I24 في تكملة لتقريرها: إن إيران تعتبر تجديد العلاقات مع أحد اللاعبين الرئيسيين في العالم العربي، مثل مصر، إنجازا سياسيا مهما لتغيير موازين القوى الإقليمية وتعزيز مكانتها في المنطقة، وخاصة الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة.
المصالح الاقتصادية
ومع التغيرات الجيوسياسية التي طرأت على الساحة الدولية خلال العامين الماضيين، أصبح دور ومكانة دول مثل إيران كحلقة الوصل بين الشرق والغرب أكثر وضوحا أمام العالم، وحسب تقرير هذا الموقع العربي، فإن مصر بقيادة السيسي تعطي أولوية عالية للاعتبارات والمصالح الاقتصادية في صياغة توجهاتها تجاه إيران وتسعى إلى الربحية من خلال تحقيق عوائد مالية في مجالات مثل التجارة، وزيادة حجم الصادرات إلى إيران، وتمتلك مصر العديد من الآثار القديمة والمواقع السياحية التي تجذب ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم لرؤية هذه الأماكن الدينية والتاريخية كل عام وتضخ دخلاً كبيرًا لخزينة هذه البلاد، ولذلك فإن رحلة السياح الإيرانيين إلى مصر يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الازدهار السياحي في هذا البلد. وفي تكملة لتقريرها كتبت قناة I24: "مصر تريد من إيران دعم القاهرة في المستقبل القريب لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في العراق وسوريا، والتي تعتبر مناطق خاضعة للنفوذ الإيراني، وفي مجال التعاون في مجال الطاقة، وبمساعدة إيران، تتطلع مصر إلى الاستفادة المشتركة من قدرات سوريا ولبنان في استخراج الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما يمكن للقاهرة شراء النفط الإيراني عبر العراق".
التحديات التي تواجه المصالحة بين البلدين
ورغم استعداد طهران والقاهرة لتطبيع العلاقات، إلا أن هناك تحديات في هذا الاتجاه، ويذكر في استمرار تقرير وسائل الإعلام العربية هذه أن نهج مصر الأساسي في التطبيع مع إيران يظل محافظا والمتغيرات الدولية والإقليمية هي السائدة، ويرى المحللون أن استمرار خطوات التقارب وتطبيع علاقات مصر مع إيران يعتمد على متغيرين رئيسيين: الأول: نجاح تجربة السعودية وإيران في عملية استئناف العلاقات، وتشجيع القاهرة على اتخاذ خطوة مماثلة للاتجاهات الناتجة في السياسة الإقليمية التي تفعلها إيران، والثاني: الضوء الأخضر من أمريكا و"إسرائيل"، لأنه من المفترض أن مصر لن تقوم بتطبيع علاقاتها مع إيران حتى تتأكد من أن هذه القضية لن تؤدي إلى أزمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني.
الآن، أولاً وقبل كل شيء، مع بدء الحرب في غزة وامتداد نطاق الأزمة إلى البحر الأحمر، الأمر الذي قد يعرض المصالح التجارية والنفطية الرئيسية للمملكة العربية السعودية للخطر، أظهرت عملية التنمية نهج الرياض المعقول، وانسحاباً من مطالب واشنطن بالمواجهة العسكرية مع أنصار الله، والحفاظ على الاتفاقيات، ومفاوضات وقف إطلاق النار مع صنعاء، أظهر اتفاق طهران الرياض قوته في التحدي الكبير الأول، وثانياً، العلاقات المتوترة بين مصر والكيان الصهيوني بسبب حرب غزة ومحاولة الكيان نقل سكانه وتغيير الحقائق التاريخية للمنطقة من خلال استخدام القوة، وقد تقاربت مواقف طهران والقاهرة في هذه القضية الإسلامية العربية المهمة.
وحذرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" من هذا الموضوع يوم الاثنين في تقرير بعنوان "مصر وإيران تقتربان من بعضهما البعض في ظل حرب غزة"، وحسب هذه الصحيفة الصهيونية فإن "ما يحدث في المنطقة يعزز العلاقات بين مصر وإيران نظرا للمصالح المشتركة للبلدين ولأن إيران تعتبر الفاعل الرئيسي في المنطقة".
قلق الصهاينة
ولا شك أن اقتراب إيران من مصر المحاطة بالأراضي المحتلة يشكل تهديدا كبيرا للصهاينة، ومن وجهة نظر الكيان الصهيوني فإن مسألة إعادة العلاقات بين مصر وإيران تضر بمصالحه الحيوية، ويتابع الكيان الصهيوني بقلق مشروع التهدئة في علاقات إيران مع الدول العربية، لأنه سيساعد إيران على زيادة نفوذها في المنطقة، وسيتحدى خطة "إسرائيل" لتطبيع العلاقات مع الدول العربية، كما دفعت الحرب الأخيرة في غزة الدول العربية بعيدا عن طريق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، لكنها بدلا من ذلك عززت التقارب العربي الإيراني الذي يتعارض مع مخططات تل أبيب في المنطقة، ويزعم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني وغيره من متطرفي الحكومة أن وجود إيران في مصر سيؤدي إلى تقوية فصائل المقاومة في غزة، ونتيجة لذلك ستزداد التهديدات ضد المستوطنين الصهاينة ولذلك، ومع التطورات التي شهدتها المنطقة بعد حرب غزة، أصبح إقامة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والقاهرة بمثابة كابوس لقادة تل أبيب، وليس من المستبعد أن يعطلوا هذا المسار.