الوقت- إن استمرار الحرب في أوكرانيا والتطورات والتغيرات التي طرأت على الجغرافيا السياسية للمناطق المحيطة ومحور أوراسيا، جعلت آسيا الوسطى منطقةً مهمةً، بحيث تكشف هذه المنطقة عن أطماع التنافس الجيوسياسي والمصالح الإستراتيجية الموجودة في المنطقة منذ زمن طويل.
وفي الواقع، فإن موقع آسيا الوسطى حوّل هذه المنطقة إلى منطقة جذب جيوستراتيجي للقوى العالمية، بحيث تعدّ هذه المنطقة حيويةً أيضًا للأمن والاستقرار الإقليميين، نظرًا لموقعها الاستراتيجي على حدود أفغانستان.
وفي الأشهر الأخيرة، وخاصةً بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان، زاد اهتمام وتفاعلات الدول الغربية نحو آسيا الوسطى ومنطقة جنوب القوقاز، وفي هذه الأثناء، شغلت أذهان المحللين عدة أسئلة، بحيث تم إجراء تحليلات مختلفة من قبل خبراء حول قضايا القوقاز، وفي هذا الصدد، إليکم آراء الأستاذ "إسماعيل باقري" الخبير في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز.
الوقت: ما هو موقع ونفوذ دول آسيا الوسطى من التطورات في جنوب القوقاز؟
إسماعيل باقري: بما أن آسيا الوسطى والقوقاز لهما أهمية جيوسياسية عالية لأسباب عديدة، فإن وجود وتعدد اللاعبين الكبار ذوي المصالح المختلفة والمتضاربة أحياناً، جعلنا نشهد مواجهة القوى العالمية وتزايد نفوذها في منطقتي آسيا الوسطى وجنوب القوقاز الاستراتيجيتين.
إضافة إلى ذلك، تسببت المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا وحتى سوريا، في قيام الولايات المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية باختراق دول آسيا الوسطى بطرق مختلفة، وبينما لديهم أهداف مشؤومة في أذهانهم، فإنهم يعقدون اجتماعات باسم ضمان الاستقرار في آسيا الوسطى، ولکنها في الواقع ضد أمن المنطقة وفتح جبهة جديدة، أولاً ضد مصالح وأمن روسيا ثم الصين.
وفي جنوب القوقاز، تستفيد أمريكا أيضاً من الدور الذي تلعبه تركيا، وعملياً فإن تركيا وهي تسعى لتحقيق مصالحها وأهدافها واتحاد الدول الناطقة بالتركية، هي مدافعة عن المشاريع الأمريكية والصهيونية في جمهورية أذربيجان.
بهذه المقدمة، سأقدم إجابةً مختصرةً على سؤالكم، بادئ ذي بدء، ينبغي القول إن عبارة "آسيا المرکزية" هي الصحيحة، وليس آسيا الوسطى؛ وبسبب المنطق نفسه فإن منطقة غرب آسيا هي الصحيحة وليس الشرق الأوسط، وقد اقترح الغربيون آسيا الوسطى على أساس المسافة والقرب من هذه المناطق.
ومع ذلك، فيما يتعلق بمكانة ونفوذ آسيا الوسطى في جنوب القوقاز، يجب أن أقول إن العلاقات بين دول هذه المنطقة والقوقاز شهدت العديد من التقلبات.
لکن، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، استعادت جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز استقلالها في عام 1999، واستمرت العلاقات السياسية والاقتصادية عند مستوى معين، ولكن في العام أو العامين الماضيين، دخلت هذه التفاعلات مرحلةً جديدةً.
إن القضية الأكثر أهميةً بالنسبة لدول آسيا الوسطى التي يمكن أن تؤثر على جنوب القوقاز، هي مسألة الاقتصاد والطاقة وعبور الغاز وطرق العبور وتصدير واستيراد السلع الأساسية.
وبالطبع فإن دول آسيا الوسطى تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بسياسات الغربيين، لتبتعد عن الصين وروسيا، ويتم تقديم الحوافز الاقتصادية الغربية لأوزبكستان أو طاجيكستان أو تركمانستان على الأساس نفسه.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الشيء المهم هو أمن المنطقة، ووجود الجهات الفاعلة التي ستخل بأمن جنوب القوقاز وآسيا الوسطى في المستقبل، وستجعل الوضع الاقتصادي والتفاعلات التجارية عرضةً للخطر.
وأخيراً، لا بد من القول إن دول آسيا الوسطى، وخاصةً تركمانستان، ثم أوزبكستان وكازاخستان، تسعى إلى توسيع علاقاتها مع دول القوقاز، وخاصةً جمهورية أذربيجان ومن ثم تركيا، للتخلص من المأزق الجيوسياسي، وتنويع سبل توسيع العلاقات الاقتصادية مع أوروبا والغرب، وتوسيع الصادرات والواردات، وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه، تتطلع هذه الدول أيضًا إلى التخلص من القيود السياسية التي تفرضها روسيا.
في السنوات الأخيرة، اخترق الکيان الصهيوني مؤسسات مختلفة في دول آسيا الوسطى بتكتيك التنمية الاقتصادية والزراعة، ومن خلال إنشاء منظمات غير حكومية وشركات غير حكومية على ما يبدو، فإنه يسعی إلى تحقيق أهدافه الخاصة في المنطقة.
وفي الواقع، فإن أحد أسباب تحريض هذه الدول على تطوير العلاقات مع القوقاز، هو أن محور تركيا وحلف شمال الأطلسي (والکيان الصهيوني سراً) يحاول توسيع نفوذه في آسيا الوسطى، والتأثير فعلياً على مصالح روسيا والصين وإيران بسياساته التدميرية.
ومن ناحية أخرى، تقع دول آسيا الوسطى في مأزق جيوسياسي؛ بمعنی أنه على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لجغرافيتهم السياسية، إلا أنهم عملياً ليس لديهم طريق مباشر إلى المياه المفتوحة في العالم، وقد أثارت هذه القضية الترحيب بأي قوة تهتم بأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقرغيزستان وكازاخستان.
وعلى وجه الخصوص، تحاول جمهوريات آسيا الوسطى التخلص من المظلة السياسية والأمنية لروسيا، وإقامة علاقات جديدة بطريقة أو بأخرى في تفاعلاتها مع الجهات الفاعلة الفعالة، مثل الولايات المتحدة والصين والهند والاتحاد الأوروبي وتركيا وغيرها.
وفي الوقت نفسه، من وجهة نظر تركيا، فإن استخدام بحر قزوين والقدرة الجيوسياسية للقوقاز وممر زانجيزور، أو ممر توراني، مهم جدًا لدول آسيا الوسطى للتواصل مع أوروبا وأمريكا، وعلى وجه الخصوص، فإن الدول التي تتحدث لغة تركيا نفسها، تتطلع أيضًا إلى تحقيق اتحاد الدول الناطقة بالتركية.
وبطبيعة الحال، ينبغي التأكيد على أن إصرار إيران على عدم تغيير الحدود الدولية قد أدى عملياً إلى تهميش ممر زانجيزور، وجعله عملياً جزءاً من طريق العبور الإيراني الذي يربط جمهورية أذربيجان بنخجوان وتركيا؛ وخاصةً أنه تم مؤخرًا التوقيع على بروتوكول ممر النقل الصيني إلى أوروبا عبر أوزبكستان وتركمانستان وإيران وتركيا، من قبل وزراء وممثلي الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي.
الوقت: ما هي مصالح دول آسيا الوسطى في منطقة القوقاز؟
إسماعيل باقري: تحتاج آسيا الوسطى إلى جغرافية القوقاز لعبور البضائع، وخاصةً الطاقة؛ إضافة إلى ذلك، من أجل تنويع طرق العبور وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع تركيا وأوروبا، هناك حاجة إلى جغرافية القوقاز.
إضافة إلى ذلك، من أجل التخلص من المأزق الجيوسياسي والتخلص من الاعتماد على روسيا وحتى الصين، فإن جغرافية القوقاز ضرورية.
لقد زاد اهتمام تركيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة مؤخرًا بآسيا الوسطى، وتعتبر المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لدول هذه المنطقة بعشرات الملايين من الدولارات، نوعاً من الحافز للاهتمام بجنوب القوقاز وتوسيع التفاعلات بين دول جنوب القوقاز ودول آسيا الوسطى.
طبعاً بشرط 1. استتباب الأمن بحيث لا يوجد تطرف وانعدام أمن في القوقاز 2. توفير طرق النقل والبنية التحتية. 3. لا ينبغي للجهات الفاعلة الكبرى أن تخلق عقبات أمام تطوير هذه العلاقات. (وبطريقة ما، لا ينبغي أن تكون مصالح الجهات الفاعلة مثل روسيا والصين والولايات المتحدة متضاربةً).
الوقت: ما هو نهج إيران تجاه منطقتي آسيا الوسطى وجنوب القوقاز المهمتين؟
إسماعيل باقري: لا تستطيع إيران منع توسيع العلاقات بين دول آسيا الوسطى ودول القوقاز، لكنها تستطيع أن تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة في بعض القضايا.
ومن بين هذه القضايا، مبادلة الغاز والطاقة في آسيا الوسطى، وخاصةً تركمانستان مع العراق وتركيا، تشجيع دول آسيا الوسطى علی الاستفادة من البنية التحتية للنقل في إيران والطريق البري (بما في ذلك الطرق السريعة والسكك الحديدية) من سرخس إلى ماكو وبازركان، أو من سرخس إلى ميناء عباس وميناء تشابهار (يربط آسيا الوسطى بجنوب وغرب آسيا، وخاصةً الهند وباكستان وغيرها).
ويتعين على إيران أن تبلغ بعض الدول، وخاصةً طاجيكستان وأوزبكستان، بالنوايا الشريرة للولايات المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، اللتين تقدمان مساعدات بملايين الدولارات باسم مكافحة التطرف والاستقرار في آسيا الوسطى؛ لكنهما في الواقع وضعتا مشروع النفوذ على جدول الأعمال.