الوقت - لقد مرت ثلاثة أسابيع على طوفان عمليات قوات حماس الذي دمر الأراضي المحتلة، وخلال هذه الفترة، ارتبطت معظم أحداث الحرب بالجرائم الصهيونية المتمثلة في القصف الجوي المتواصل والأعمى على غزة، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 7000 شخص، وجرح وتشريد مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
والصهاينة، الذين أرجؤوا، خلافاً للتهديدات الأولية، بدء عملية عسكرية واسعة النطاق لاحتلال غزة عدة مرات بذرائع مختلفة، قاموا بعدة تحركات لبدء عمليات برية في الأيام والساعات الماضية.
ولكن على الجانب الآخر من القضية، وبالتوازي مع تكثيف إجراءات الکيان الإسرائيلي ضد المقاومة في غزة، أظهرت جبهة المقاومة أيضًا أنها مصممة على الرد بشكل حاسم، وبينما تعلن حماس جاهزيتها الكاملة لمواجهة القوات البرية الإسرائيلية، فإن الاشتباكات في شمال الأراضي المحتلة على الحدود اللبنانية والهجمات العديدة على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، تشير إلى أيام وأسابيع عاصفة مقبلة.
ولذلك، ونظراً لأهمية تسارع التطورات، ناقش "الوقت" آخر الأحداث المهمة المتعلقة بالحرب في غزة مع الدکتور "سعد الله زارعي"، أحد كبار الخبراء في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
الوقت: ما مدى احتمالية شن هجوم بري واسع النطاق على غزة؟ وفي حال القيام بمثل هذا الإجراء، ما هي توقعاتكم لنتائجه؟
الدکتور سعد الله زارعي: كان الإسرائيليون قد قرروا شن هجوم بري منذ اليوم الأول والثاني تقريبًا، لكن بسبب وجود خلاف بين الحكومة والجيش حول هذه القضية، لم يتم تنفيذ هذا الهجوم حتى الآن، وإضافة إلى ذلك، كان الأمريكيون قلقين أيضًا من فشل هذا الهجوم، ويعتقدون أن العمليات العسكرية لن يتم تنفيذها إلا بعد أخذ المعلومات الكافية في الاعتبار.
لذلك، وخلافاً لرأي من يرى أن هناك خلافاً بين الحكومة الأمريكية والحكومة الصهيونية في ما يتعلق بالعملية العسكرية، فإن الخلاف ليس في مبدأ إجرائها، بل في توقيتها ونوعيتها، إضافةً إلى ذلك، فإن كل الأدلة تشير إلى أن الأمريكيين لا يثقون بالکيان الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه لا ثقة بالهجوم العسكري في الداخل الإسرائيلي أيضًا.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة هي التي تقرر العملية، والأمريكيون، رغم اعتقادهم أن العمليات البرية ضرورية، ودون عمليات برية لا يستطيع الکيان الإسرائيلي احتواء حماس، يصرون في الوقت نفسه على أنه بسبب نقص المعلومات، ستفشل العملية ويجب جمع المعلومات أولاً، ولذلك، يبدو أن العملية ستؤجل لحين سد الثغرات في المعلومات العسكرية.
والعواقب معروفة أيضًا إلى حد كبير، وقد شهد الإسرائيليون هذا المشهد من قبل، في العمليات البرية ضد العصابات، لا يمكن للقوة الكلاسيكية أن تنجح، ولا يمكن للأمريكيين تغيير هذا المشهد بإضافة عدد من الجنود، حيث قالوا إنهم أرسلوا ألفي جندي إضافي إلى المنطقة.
إن اليد العليا للمقاومة هي في الأساس في العمليات البرية، وللکيان الإسرائيلي اليد العليا في العمليات الجوية، لأنه بسبب المعدات التي يمتلكها الصهاينة في مجال الهجوم الجوي والدفاع الجوي، فإن المقاومة لا تملك الكثير من القوة في هذا المجال.
لكن في مجال العمليات البرية، فالوضع معكوس تماماً، واليد العليا هي للقوة التي تملك الأرض، ولديها قوة عصابات، ولديها أنفاق برية، والتوازن السكاني في الميدان أيضاً لمصلحتها.
ولهذا السبب، ليس لدي أدنى شك في أن العملية البرية ضد المقاومة ستواجه فشلاً كبيراً، ربما فشلاً أكبر من الفشل الذي تعرض له الإسرائيليون في الـ 7 من تشرين الأول خلال عملية طوفان الأقصى.
الوقت: بالأمس، وجّه محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، هجوماً كلامياً حاداً ضد قادة حركة حماس، في رأيكم ما هي أهداف هذا الموقف لمحمود عباس؟ وكيف تحللون أداء منظمة السلطة الفلسطينية في الحرب الحالية؟
الدکتور سعد الله زارعي: الحقيقة أن محمود عباس يدافع عن موقعٍ لا يملکه في الساحة الفلسطينية، في تجربة الشعب الفلسطيني يُعتبر محمود عباس جزءاً من آلية الکيان الإسرائيلي، ولذلك، يتخذ في هذه المعركة موقفاً معارضاً لكي يظهر نفسه، وإلا فإن محمود عباس لا مكان له لا في المقاومة ولا في غيرها، ولهذا السبب فإن تصريحه ليس مهماً جداً.
لكن في هذا المشهد الذي تقيمه الضفة الغربية بالتوازي مع التطورات في غزة، حيث استشهد حتى الآن أكثر من 120 شخصاً وأصيب أكثر من 300 آخرين في القتال ضد الصهاينة، فإن مهمة تهدئة الضفة الغربية منوطة بالأساس بمحمود عباس، وموجة المعارضة الشعبية والتحركات الموجودة، تظهر أن محمود عباس غير قادر على السيطرة على هذا المشهد، والناس يواصلون نضالهم.
الوقت: بالتوازي مع التهديدات الأخيرة للرئيس الأمريكي، تنشر وسائل الإعلام تقارير عن هجمات على بعض مواقع فصائل المقاومة في سوريا، أولاً، هل هناك معلومات وتفاصيل إضافية حول هذا الحدث؟ وثانياً، هل تعتقدون أنه نتيجة لهذه الحرب، ستكون هناك مواجهة أوسع بين محور المقاومة وأمريكا؟
الدکتور سعد الله زارعي: إذا ردت أمريكا في سوريا، فإن وضعهم سيكون أسوأ بكثير، لأن المقاومة ليس لديها نية للتوقف عن مهاجمة المواقع الأمريكية، وبما أن أمريكا هي شريكة الکيان الإسرائيلي، بل تقود الجرائم بحق الشعب الفلسطيني هذه الأيام، فمن الطبيعي أن كل ضربة توجهها أمريكا يتم الرد عليها بعدة ضربات.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، فإذا تكثفت عمليات العدو، فإن عمليات المقاومة ستتكثف بالتوازي معها؛ لكن بشكل عام، يحاول الطرفان قدر الإمكان السيطرة على نطاق الصراع، ولذلك، فرغم أن سياسة جبهة المقاومة ليست توسيع الحرب، لكن إذا قام الجانب الآخر بتوسيع الحرب، فإن جبهة المقاومة سترد بالقدر نفسه.
الوقت: من المناطق الأكثر احتمالاً لاتساع نطاق الحرب، هي الجبهة الشمالية على الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة، والتي تشهد وضعاً ملتهباً للغاية، فهل يفكر حزب الله حالياً في الدخول في الحرب، أم إن القرار اتخذ بهذا الشأن والمسألة هي التوقيت فقط؟ وإذا دخل حزب الله، فهل لدى الکيان الإسرائيلي القدرة على القتال على جبهتين؟
الدکتور سعد الله زارعي: بدايةً، لا بد من القول إن الوضع لا ينشط فقط في الجبهة الشمالية، وهناك جبهات مختلفة في المنطقة ظهرت بوادرها في الأيام الماضية مع إطلاق النار الذي حدث، وبالتالي فإن الجبهات لا تقتصر على حزب الله فقط.
لكن حزب الله دخل (الحرب) عملياً أيضاً، ما يعني أنه عندما تقوم المقاومة بعمليات عدة مرات في الأسابيع الماضية، فهذا يعني دخول الحرب، كما أن الکيان الإسرائيلي لا يملك القدرة على التعامل مع جبهة واحدة لأنها هُزمت في الجبهة نفسها، ومن الطبيعي أن تكون الهزيمة أثقل في الجبهات الأخرى أيضاً.
الوقت: بالنظر إلى التهديدات الإسرائيلية، كيف ترون مستقبل حماس؟
الدکتور سعد الله زارعي: بهذه العملية العسكرية، أصبحت حماس القطب الأساسي للقضية الفلسطينية لفترة طويلة، ومن الآن فصاعداً أصبحت حماس هي العامل الحاسم في المعادلات الفلسطينية.