الوقت- تقدم مصر على إجراء الانتخابات الرئاسية وسط ظروف اقتصادية صعبة جداً لم تشهدها من قبل، حيث يشهد المصريون أزمة معيشية خانقة وسط تدني قدرتهم الشرائية بشكل كبير مع ارتفاع التضخم، إذ خسر الجنيه في العام الماضي وحتى شهر آذار نصف قيمته.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر موعد الانتخابات الرئاسية، إذ من المقرر أن تجري من العاشر إلى الثاني عشر من كانون الأول المقبل داخل البلاد، في حين يصوت الناخبون في الخارج بدءاً من الأول إلى الثالث من الشهر نفسه ودعت الهيئة الانتخابية الراغبين في الترشح بتقديم أوراق ترشحهم المستوفية للشروط القانونية والدستورية اعتباراً من الـ 5 من تشرين الأول المقبل.
ولم يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يتولى السلطة منذ عام 2014، بعد نيته في الترشح لولاية رئاسية ثالثة غير أنه أمر متوقع، في حين بدأ مرشح معارض واحد حتى الآن حملة انتخابية للترشح ضد السيسي وهو النائب السابق في البرلمان أحمد الطنطاوي الذي لم يكف طول الأشهر الأخيرة عن إدانة "الجرائم" التي ترتكبها أجهزة الأمن بحق أنصاره وأعضاء حملته الذين تم توقيف 35 منهم على الأقل أخيراً.
كما كشف الطنطاوي الذي عرف بانتقاداته الحادة للسلطات في البرلمان، أن هاتفه المحمول وضع تحت المراقبة منذ أيلول 2021 بعد أن أكد معمل سيتيزن لاب في تورونتو أن برنامج تجسس استخدم لاختراق هاتفه.
ورغم إعلان ستة مرشحين عزمهم الترشح للانتخابات، من بينهم ثلاثة من المحسوبين على المعارضة، لم يحظَ الملف الاقتصادي بتركيزهم خلال الفترة الماضية، واقتصر الاهتمام على ضمانات نزاهة الانتخابات، ومدى قدرتهم على جمع التوكيلات المطلوبة للترشح أثناء المدة الزمنية القصيرة المحددة، وموقف الحركة المدنية من دعم أي منهم، وجميعها نقاط تطلبت وقتاً وتشكل أهمية بالغة بالنسبة إلى المواطنين.
ولم يوضح أي من المرشحين المحتملين، بمن في ذلك الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، كيف يتم تجاوز الأزمة الاقتصادية عقب إرجاء مراجعة صندوق النقد الدولي وارتفاع معدلات الديون الخارجية، وانحدار قيمة الجنيه وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار.
وحول الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية في مصر قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد: إنه كان من المفترض أن تبدأ إجراءات الانتخابات في كانون الأول على أن يجرى الاقتراع في الربيع ولكن جرى تقديم موعد الانتخابات لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي على الأرجح، مضيفاً : الاتفاق الذي أبرمته مصر مع الصندوق (أي صندوق النقد الدولي) العام الماضي كان يتضمن شروطاً لم تفِ مصر بأهمها وهو تعويم الجنيه فتأجلت زيارتان لبعثة الصندوق إلى مصر هذا العام ولكن تقرر أن تتم زيارة الصندوق إلى القاهرة بداية العام المقبل".
وتابع : بما أن التعويم ستترتب عليه آثار فادحة على غالبية المصريين فقد تقرر على الأرجح تبكير الانتخابات وتنفيذ الإجراءات الاقتصادية بعدها.
ويعاني المصريون بالفعل من تراجع قدرتهم الشرائية مع ارتفاع التضخم الذي سجل رقماً قياسياً جديداً في آب اذ بلغ قرابة 40%، بعد أن فقد الجنيه المصري منذ آذار 2022 50% من قيمته أمام العملات الأجنبية.
وتعدّ مصر الآن واحدة من الدول الخمس الأكثر تعرّضاً لخطر التخلّف عن سداد ديونها الخارجية، وفقاً لوكالة "موديز"، حيث تضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 165,4 مليار دولار هذا العام، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط.
وبعدما اعتمدت لسنوات على دعم من دول الخليج بشكل ودائع في البنك المركزي، تحاول القاهرة بيع أصول للدولة أو إطلاق مشاريع على أراضيها للمستثمرين الخليجيين الذين باتوا يقولون إنهم يريدون عوائد على الاستثمار، ناهيك عن أن مصر حصلت منذ عام 2017 على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، لكن ما زالت مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية وكان آخر هذه القروض العام الماضي حين وافق الصندوق على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار حتى يتاح للحكومة المصرية تأمين مصادر تمويل أخرى أبرزها من البلدان الخليجية وهو ما لم يحدث حتى الآن.
ولم يصدر صندوق النقد مراجعته الأولى لبرنامج التمويل والذي كان مقرراً في آذار وتمنح على أساسه الشريحة الثانية من القرض.
وفي حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار وقعتها مصر مع صندوق النقد الدولي في كانون الأول الماضي، وافقت الحكومة على السماح بتعويم حر للعملة والإسراع ببيع أصول الدولة لتضييق العجز في ميزانيتها وفي ميزان معاملاتها الجارية، لكن البطء كان السمة الغالبة في كلا الأمرين.
وقال جيمس سوانستون، من كابيتال إيكونوميكس، في مذكرة أكدت الحكومة قلقها من أن الانخفاض السابق في قيمة العملة وارتفاع التضخم قد سبب ألماً شديداً للشعب المصري ولا شك أن المسؤولين يشعرون بالقلق من خطر حدوث اضطرابات اجتماعية.
وفي ظل محدودية النقد الأجنبي في البلاد، تراجعت أيضاً تحويلات المصريين من الخارج، أكبر مصدر للعملة الصعبة في البلاد، إذ يلجأ العديد إلى السوق الموازية حيث أفادت بيانات البنك المركزي المصري، بانخفاض التحويلات بنسبة 26,1 في المئة في الفترة بين تموز 2022 وآذار 2023.
وشهد احتياطي القاهرة من النقد الأجنبي ارتفاعاً بسيطاً ليبلغ 34,9 مليار دولار حتى آب، متضمناً ودائع خليجية بقيمة 28 مليار دولار، علماً أنه لا يزال أقل بنحو سبعة مليارات دولار عما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية.
ويقول محللون إن كل هذا يشير إلى الحاجة إلى خفض آخر لقيمة العملة، لكن السلطات تشعر بالقلق من أن ذلك، أو فرض إجراءات تقشفية، أثناء الحملة الانتخابية قد يؤدي إلى اضطرابات في وقت محفوف بتوترات سياسية شديدة.
وتصبّ التوقعات في مصلحة السيسي (68 عاما) للترشح لفترة ثالثة، وفق تعديل للدستور في 2019 شمل تمديد الولاية الرئاسية من 4 سنوات إلى 6 سنوات، ما يفتح الطريق أمامه للبقاء في المنصب حتى 2030 على الأقل.