الوقت - حتى عام 2017، كانت إقامة علاقات علنية بين الدول العربية والكيان الصهيوني أمرًا مرفوضًا، ولهذا السبب كانت اللقاءات الثنائية تعقد سرًا؛ لكن منذ عام 2018 عقدت اللقاءات بشكل علني، وكان من أهم هذه اللقاءات زيارة بنيامين نتنياهو إلى مسقط.
في نهاية عام 2019، كانت عدة عوامل على ثلاثة مستويات محلية وإقليمية ودولية فعالةً جميعها في تسريع وتكثيف عملية تطبيع العلاقات بين الکيان الصهيوني والدول العربية، مثل دخول الدول العربية في أزمات داخلية ووجود العديد من الفجوات بينها، وجهود نتنياهو المتواصلة لتطبيع العلاقات بهدف الاستغلال الانتخابي، ودعم واشنطن الواسع في عهد ترامب.
بعد توقيع اتفاقات التسوية المعروفة باتفاقات أبراهام وتحسين العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع "إسرائيل"، أصبح تسريع ونشر تطبيع العلاقات مع السعودية والدول العربية الأخرى مبدأً استراتيجياً لتل أبيب، لكن منذ 2021 وتغير المعادلات الإقليمية والدولية، بما في ذلك انتهاء أزمة قطر وتراجع التوترات الإقليمية وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تباطأت خطة التطبيع.
في الواقع، عندما وصل الديمقراطيون إلى السلطة في أمريکا، بدأت خطة تطبيع علاقات الدول العربية مع الکيان الصهيوني في التراجع، وخاصةً أن دور كبار مستشاري ترامب، بمن فيهم جاريد كوشنر، في تسريع عملية التطبيع كان لا يمكن إنكاره، كما أدى إنشاء حكومة نتنياهو المتطرفة والمثيرة للحرب، إلى إحباط الدول العربية تجاه تطبيع العلاقات.
وبينما بذل الصهاينة جهوداً كثيرةً لجر السعودية ودول عربية أخرى إلى التطبيع، لكن بعد التوقيع على اتفاقيات أبراهام، لم يتم إحراز أي تقدم في حل القضية الفلسطينية، وبعد ذلك، ومع تشكيل حكومة اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو، اشتدت أعمال العنف ضد الفلسطينيين، واشتدت التحركات ضد المسجد الأقصى وتمرير قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين، وهي القضية التي وجهت ضربةً مهمةً لعلاقات الکيان الصهيوني مع الدول العربية في المنطقة، ولهذا السبب فإن السعودية الآن لا ترى أن الظروف مناسبة لإعلان الصداقة رسمياً مع "إسرائيل".
لكن، نُشرت في الأسابيع الماضية عدة تقارير حول جهود مسؤولين أمريكيين لإقناع السعوديين بالانضمام إلى اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، وقال تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي للكيان الصهيوني، مؤخراً، إن المفاوضات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن اتفاق تطبيع العلاقات مع تل أبيب، شهدت تقدماً كبيراً.
شروط السعودية الثلاثة
أكد المسؤولون السعوديون مراراً أن أي تسوية وتطبيع للعلاقات مع تل أبيب، يخضع لعدة شروط أهمها إنهاء القضية الفلسطينية وتشكيل الحكومة الفلسطينية.
وفي السنوات الماضية، صرح السعوديون أن شرط الاتفاق مع تل أبيب هو تنفيذ خطة السلام العربية لعام 2000، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مؤخراً أن الناس يفقدون الأمل في التوصل إلى حل وسط على أساس حل الدولتين، ونريد أن تصبح هذه القضية أولويةً مرةً أخرى من خلال الجهود.
أما شرط الرياض الثاني لتطبيع العلاقات فهو يتعلق بأمريكا، وعلى هذه الدولة أن تتولى تزويد السعودية بالتكنولوجيا النووية وبناء المرافق المتقدمة اللازمة.
ويتضمن الطلب السعودي الثالث توقيع عقود طويلة الأجل لشراء أسلحة متطورة، بما في ذلك الطائرة المقاتلة من طراز F-35 وأنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة مثل نظام الدفاع الصاروخي ثاد، وإبرام اتفاقية أمنية ثنائية مع واشنطن على مستوى حلف شمال الأطلسي، والتي تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة العربية السعودية في حال تعرضها لأي هجوم.
وفي الواقع، أبدت السعودية رغبتها في تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، لكنها على عكس الإمارات العربية المتحدة والبحرين تسعى للحصول على تنازلات حقيقية من واشنطن وتل أبيب، ولا تريد تطبيع علاقاتها مع تل أبيب دون الحصول على تنازلات، وخاصةً أن السعودية أصبحت في موقع قوة بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
هل يقدم الکيان الإسرائيلي تنازلات؟
لكن يمكن القول إنه إذا تم التوقيع على اتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل"، فإن الرياض ستكون الخاسر من هذا الاتفاق.
حيث أعلن الصهاينة صراحةً أنهم لن يقدموا أي تنازلات للرياض من أجل تطبيع العلاقات، وقال يائير لابيد، رئيس المعارضة لحكومة نتنياهو، في لقاء مع وفد من الحزب الديمقراطي الأمريكي: "أرفض أي اتفاق لتطبيع العلاقات مع الرياض يشمل تخصيب اليورانيوم في السعودية، مثل هذا الاتفاق يهدد أمن إسرائيل والمنطقة".
وتحدث وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس أيضًا عن معارضة تل أبيب لبناء منشآت لتخصيب اليورانيوم في السعودية.
كما قال إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيوني، في مقابلة مع القناة 12 بالتلفزيون الإسرائيلي: "موافقة إسرائيل على شروط السعوديين بمثابة ارتكاب خطأ استراتيجي وتاريخي... إن السماح للسعوديين بالتمتع بالطاقة النووية يعني فتح الطريق أمام دول عربية وإسلامية أخرى، بما فيها مصر وتركيا، وحركتها في هذا الاتجاه، ولذلك، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن ترفض الشروط السعودية؛ لأن الموافقة عليه تخلق ظروفاً خطيرةً للغاية".
ومن ناحية أخرى، تخشى واشنطن من أن يؤدي نشاط البرنامج النووي في السعودية، والذي يشمل تخصيب اليورانيوم على المستوى المحلي، إلى تشجيع دول المنطقة على إنشاء برامج مماثلة، وهذا قد يزيد من خطر حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
كما أشار إيلي كوهين وزير خارجية الكيان الصهيوني إلی موضوع عدم تقديم تنازلات للسعودية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقال إن "قضية فلسطين لن تكون عائقاً أمام عملية التفاوض لتطبيع العلاقات، وهذا أمر أثبته اتفاق أبراهام، وفي الواقع، لقد أظهر الکيان الإسرائيلي دائمًا أنه لن يستسلم ببساطة للخطط المقترحة في طريق حل الدولتين.
وفيما يتعلق بالشرط الثالث، فإن واشنطن تتخوف من إبرام اتفاقية دفاع مشترك مع الرياض وتسليم أسلحة متطورة لهذا البلد؛ لأن إبرام مثل هذه الاتفاقية قد يؤدي إلى سباق تسلح إقليمي، ويشجع دولًا مثل مصر والإمارات العربية المتحدة وقطر على مطالبة الولايات المتحدة بمثل هذه المعاهدات والامتيازات، وهذا يدفع الولايات المتحدة إلى زيادة دعمها للکيان الإسرائيلي لضمان تفوقه العسكري في المنطقة.
في المقابل، تواجه الولايات المتحدة مشاكل كثيرة في الكونغرس للموافقة على اتفاقية الدفاع المشترك مع السعودية، حيث يتطلب ذلك موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، الذين لا تزال موافقتهم محل شك، لأن الرياض تتعرض الآن لانتقادات واسعة النطاق بسبب تطوير علاقاتها مع روسيا والصين، وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يرغب الجمهوريون في الكونغرس في منع إدارة جو بايدن من تحقيق مثل هذا الإنجاز قبل الانتخابات الأمريكية.