الوقت- وصل وفد رسمي من سلطنة عُمان، يوم الخميس الماضي، إلى صنعاء، ضمن جهود الوساطة التي تقوم بها مسقط لإيقاف الحرب في اليمن وإنهاء الصراع الدائر منذ 9 أعوام.
وقال رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام: "وصلنا بحمد الله وعونه إلى صنعاء نحن والوفد العماني، وذلك للتشاور مع القيادة وتقييم المرحلة، واستئناف العملية التفاوضية وفي مقدمتها معالجة الملفات الإنسانية"، ومنذ أيام، أكّد قائد حركة أنصار الله في اليمن، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أنّ العدوان الشامل على اليمن "قتل عشرات الآلاف"، مشيراً إلى احتلال التحالف "مساحات كبيرةً من البلاد، وسيطرته على ثروة" الشعب اليمني من النفط والغاز، إضافةً إلى حصاره اليمن واستهدافه الاقتصاد الوطني.
ورأى السيد الحوثي أنّ "مشكلة السعوديين والإماراتيين، على الرغم ممّا كلّف العدوان على شعبنا، أنّهم خاضعون للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا"، مؤكداً الحرص الأمريكي على استمرار الاستهداف لليمن.
وكان وفد عُماني قد رعا مباحثات في صنعاء، بين حكومة صنعاء ووفد سعودي رسمي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، في شهر نيسان/ أبريل الماضي، استمرت 6 أيام، بحثت الملف الإنساني وإيقاف إطلاق النار في اليمن وبدء عملية سياسية يمنية شاملة.
ومنتصف نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت السعودية، أن "فريقاً من الخارجية عقد مجموعة من اللقاءات في صنعاء شهدت نقاشات مُتعمّقة بشأن الوضع الإنساني، وإطلاق جميع الأسرى، ووقف إطلاق النار، والحل السياسي الشامل في اليمن، اتسمت بالشفافية وسط أجواء تفاؤلية وإيجابية"، مضيفةً إن "تلك اللقاءات ستستكمل في أقرب وقت؛ بما يؤدي إلى التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام ومقبول من جميع الأطراف اليمنية".
يُذكَر أن صنعاء أعلنت، في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وصول مفاوضات تمديد الهدنة الأممية في اليمن إلى طريق مسدود، بعد رفض السعودية دفع رواتب الموظفين العموميين من عائدات النفط والغاز المنتج في المحافظات اليمنية، ووقف الحرب ورفع الحصار عن البلاد، وكان تقرير حقوقي صدر، أواخر الشهر الماضي، وثّق "جرائم العدوان الأمريكي- السعودي خلال عام 2022"، وبيّن أنّ عدد الضحايا بلغ 3083 شهيداً وجريحاً من المدنيين 643 شهيداً و2440 جريحاً.
وقال المشّاط خلال لقاءٍ مع وفد سلطنة عُمان الذي يزور اليمن إنّ "الوقت ليس مفتوحاً أمام العدو لمواصلة التهرّب من الاستحقاقات الإنسانية"، مضيفاً إنّ "المراوغة ستعود عليه بنتائج لا يرغب بها"، وشكر المشّاط استمرار جهود سلطنة عمان ومساعيها نحو تحقيق السلام في اليمن رغم ما تواجهه من تعنّت من قبل دول العدوان على اليمن، وتمنّى رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن أن تُفضي الجهود العمانية إلى نتائج تعود بالفائدة على الشعب اليمني وتخفّف من معاناته، ولفت المشّاط إلى أنّه لم يعد من المقبول استمرار الحصار والعدوان في اليمن، رافضاً تحويل الاستحقاقات الإنسانية المتمثّلة في صرف مرتبات موظفي الدولة كافة، وفتح مطار صنعاء الدولي وإزالة كل القيود المفروضة على موانئ الحديدة إلى محل تفاوض.
وأكّد أنّ "صنعاء مع السلام العادل الذي يضمن حقوق الشعب اليمني وقد أثبتت ذلك خلال الفترة الماضية"، وأشار المشّاط إلى أنّه بات على دول العدوان أن تثبت جديتها في السلام من خلال تقديم الخطوات العملية في تنفيذ مطالب الشعب اليمني المتمثّلة بالملف الإنساني كأولوية إنسانية ومحقة، وقبل يومين، قال أمين سر المجلس السياسي الأعلى في اليمن، ياسر الحوري للميادين، إنّ الوفد العماني وما يقوم به من دور كوسيط "مرحّب به دوماً في صنعاء"، وأضاف الحوري إنّ "استمرار التردد السعودي ومن ورائه الأمريكي فيما يخصّ تحمّل المسؤولية تجاه الملف الإنساني في اليمن هو السبب في تعثّر المفاوضات في المرحلة السابقة".
تحركات أممية أمريكية
لعل التحرك العُماني جاء غداة إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، التي حذر خلالها من استمرار القتال على عدد من الجبهات اليمنية، ومن تبعات التهديدات العلنية بالعودة للحرب، داعياً جميع الأطراف إلى الامتناع عن الخطاب التصعيدي، وشدد في كلمة له أمام جلسة لمجلس الأمن حول اليمن (16 أغسطس) على ضرورة "التوصل إلى اتفاق سياسي، وترجمة حديث جميع الأطراف عن ذلك إلى التزامات فعلية للمضي قدماً بما يضمن استئناف عملية سياسية يمنية شاملة"، وكان المبعوث الأممي قد زار العاصمة العمانية مسقط (15 أغسطس 2023)، والتقى وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون الدبلوماسية، خليفة الحارثي، ومسؤولين عمانيين آخرين، إضافة إلى لقاء منفصل مع رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين محمد عبد السلام.
وقال في بيان نشره مكتبه إنه "بحث الخطوات التالية من أجل الاتفاق على تدابير لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، وتنفيذ وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والتوصل إلى تسوية سياسية جامعة من خلال عملية سياسية يقودها اليمنيون وتيسرها الأمم المتحدة"، وقبل تلك الزيارة كان غروندبرغ زار السعودية والإمارات (14 أغسطس) لبحث إطلاق عملية سياسية شاملة بوساطة الأمم المتحدة، مع ضمان استمرار الجهود لتخفيف الأزمة الاقتصادية ومعاناة اليمنيين".
امتيازات لصنعاء
يؤكد المحلل السياسي اليمني، محمد السامعي، أن "المعلومات المتوافرة تشير إلى أن وفداً عُمانياً فقط هو من وصل إلى صنعاء، على عكس الزيارة السابقة التي شارك فيها وفد سعودي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن"، ويرى أن هذا الأمر "يؤكد وجود فتور واضح في ملف المشاورات بين السعودية وحكومة صنعاء، وربما أنها وصلت إلى طريق مسدود"، ويضيف: "الجميع يراهن على عُمان في أداء دور محوري ينهي الجمود والفتور الذي رافق الملف اليمني مؤخراً، ولذلك كانت البداية من خلال تحريك المياه الراكدة عبر المبعوث الأممي والأمريكي اللذين زارا دولاً خليجية بينها عُمان"، ويشير إلى أن الجميع يراهن على أن زيارة المبعوثين إلى المنطقة، ووصول الوفد العُماني إلى صنعاء، وزيارة عبد اللهيان إلى الرياض "ستنعش المشاورات من جديد، وتبدأ التحركات لتقريب وجهات النظر بين السعودية وحكومة صنعاء للعودة إلى طاولة الحوار".
تفاؤل مفرط
أعرب رئيس مركز جهود، "محمد الحمودي" أن هناك تفاؤلاً مفرطاً بأن هناك حلاً سياسياً وشيكاً في اليمن، هذا التفاؤل لا يستند إلى وقائع حقيقية، فالأمر لا يزال بعيدا جدا، وما زالت هناك وقائع ومصالح لبعض الأطراف على الأرض تمنع ذلك، لذا يمكننا الحديث عن أشياء جزئية قد ينجح فيها الوفد العماني مثل، الملفات الإنسانية والأسرى وفتح بعض المطارات، وهذا على أفضل التقديرات، وربما يخفق في تلك الجزئيات أيضا.
وغادر الوفد العماني، الجمعة، العاصمة صنعاء بعد زيارة استمرت أسبوعاً لبحث عملية دفع السلام في اليمن.
وقالت قناة "المسيرة" اليمنية: إن وفد المكتب السلطاني العماني غادر العاصمة صنعاء قبل عدة أيام، برفقة رئيس فريق "أنصار الله" بالمفاوضات والناطق الرسمي للجماعة محمد عبد السلام، بعد سلسلة من اللقاءات، ونقلت القناة عن عبدالسلام قوله، إن جماعته قدّمت للوفد العماني "التصور الممكن لإنهاء العدوان ورفع الحصار"، ووفق عبدالسلام فإن التصوّر يشمل الملف الإنساني والسياسي والعسكري، واصفا إياه بأنه تصور "جاد ومسؤول ومباشر".
تهديدات مكثفة
خلال نحو شهرين أطلقت قوات صنعاء تهديدات مكثفة بتصعيد القتال واستهداف السعودية، مع تحشيداتهم العسكرية في المدن والسواحل التي يسيطرون عليها، والعودة إلى حالة الحرب في البلاد التي تشهد هدنة، وأحدث تلك التهديدات ما جاء على لسان السيد القائد عبد الملك الحوثي 12 أغسطس 2023، بتهديده باستهداف "مدينة نيوم"، أهم المشاريع السعودية العملاقة التي وجهت كل إمكاناتها للمضي قدماً نحو تدشينها ضمن "رؤية 2030" كما أطلقت قوات صنعاء جملة من التهديدات التي أكدت عزمهم على تطوير ترسانتهم العسكرية البحرية، وكشفوا عن إجراء تجارب على صواريخ وزوارق، في رسالة موجهة للخصوم المحليين والإقليميين بأن قواعدهم في البحر الأحمر والمحيط الهندي تحت مرمى نيران قوات صنعاء الصاروخية والطيران المسيّر.
ولعل التهديدات اليمنية جاءت بعد توقف المفاوضات مع السعودية منذ نحو ثلاثة أشهر، كما بدت الجهود المبذولة إقليمياً ودولياً لإحلال السلام في اليمن خلال تلك الفترة شبه متوقفة، حيث كان من المتوقع أن يحقق التقارب الإيراني السعودي نجاحاً حاسماً بإنهاء الحرب نهائياً.
وكان الوفدان، العُماني والسعودي، قد زارا صنعاء، وهي الزيارة الأولى بالنسبة للسعوديين منذ بدء الحرب، والتقيا بقيادات جماعة أنصار الله، في 9 أبريل الماضي، تتويجاً لجهود الوساطة العمانية والجهود الدولية المكثفة لإحلال السلام في اليمن.