الوقت- في الأيام الماضية، قدمت الإدارة الأمريكية اقتراحا للدخول في خط أزمة "خيم" حزب الله على الحدود مع الأراضي الفلسطينية التي تحتلها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك تجنباً للدخول في حرب مع الإسرائيليين، وفقا لتقارير إخبارية إسرائيلية، قدمت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن اقتراحا لحل الأزمة في الخيام التي شيدها "حزب الله" اللبناني داخل المنطقة، والتي تدعي تل أبيب أنها داخلة في حدود احتلالها، في وقت أشار فيه مركز أبحاث الأمن الداخلي التابع للكيان الصهيوني قبل أسابيع، إلى أن "إسرائيل" قلقة من المواجهة مع حزب الله، مع تآكل الردع الإسرائيلي ضد حزب الله، وتحول فيه المقاومة اللبنانيّة إلى قوّة حقيقية تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لا تمتلكه بعض الدول، وفقاً لتقارير غربية.
حزب الله يقلق الإسرائيليين
يعلم المطلعون على الشأن العبري، أنّ العديد من الخبراء والمُختصين والمُحللين للشؤون العسكريّة في كيان الاحتلال عبروا مراراً عن خشيتهم العارمة من أيّ حرب جديدة خشية الثمن الباهِظ وبالأخص مع حزب الله، والدليل على ذلك اعترافهم بأن "إسرائيل" فقدت قوتها الرادعة ضد المقاومة اللبنانية، ووفقا لتقرير نشرته القناة 12 الإسرائيلية، فإن العرض الأمريكي يتضمن قيام حزب الله بتفكيك "الخيام العسكرية" مقابل قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوقف بناء الحواجز الأمنية بالقرب من الأسوار الحدودية والقرى الحدودية، حيث يعتقد حزب الله أن بناء الحواجز الأمنية في المنطقة ينتهك سيادة لبنان، لكن التقديرات الإسرائيلية تظهر أن موقف حزب الله من أعمال البناء الإسرائيلية في الموقع يفسر إطلاق صواريخ نحو المنطقة يوم الخميس الماضي، وسقوط بعضها على الجانب الفلسطيني المحتل من "إسرائيل".
وفي الوقت الذي أظهر فيه التقرير أن حزب الله سيوافق على تفكيك الخيمة إذا أوقف الجانب الإسرائيلي بناء جدار الغجر، تجدر الإشارة إلى أن الخيم بنيت في المنطقة فوق الخط الأزرق منذ حوالي شهر، وقام حزب الله في وقت لاحق بتفكيك واحدة والحفاظ على واحدة أخرى، وكان حزب الله قد أصدر بيانا قبل وقت قصير من إطلاق النار، رد فيه الاحتلال الإسرائيلي بقصف مواقع بالقرب من بلدة كفر شوبا الحدودية اللبنانية، داعيا "الدولة اللبنانية والشعب اللبناني إلى اتخاذ إجراءات لمنع توطيد الاحتلال الإسرائيلي للجزء اللبناني من قرية الغجر الحدودية"، وإن الخيمة التي تعيش فيها العناصر العسكرية لحزب الله أصبحت رمزا للحزب، ويرى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أنها فرصة، وفقا لتقارير عبرية.
ويزعم الإعلام العبريّ أن نصر الله لاحظ أن وضعا جديدا قد تشكل في المنطقة التي يمكن أن يحاول الاستفادة منها، وفي الوقت نفسه، تبذل "إسرائيل" جهودا لحل القضية من خلال" الوسائل الدبلوماسية " وسط شكوك حول فرص نجاحها في القضية، واعتبر محللون صهاينة أن غمر" إسرائيل" في الخيام في منطقة مزرعة شبعا المحتلة يعتبر نجاحا لحزب الله، ما يعني أن" احتمال التصعيد يزداد بمرور الوقت "، حيث وقفت قوات الاحتلال الإسرائيلية وقوات الأمن " عاجزة عن مواجهة ردود حزب الله على الاستفزازات الإسرائيلية، ويدعي الجانب الإسرائيلي أنه منح حزب الله فترة محددة لتفكيك الخيام (التي لم يتم الإعلان عنها)، وأكدت الدوائر العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية أن تل أبيب ستزيل الخيام "حتى على حساب معركة قد تستمر لأيام"، على حد زعمها، وقال حزب الله في بيانه إن "إسرائيل" اتخذت مؤخرا إجراءات "تمثلت في بناء أسوار من الأسلاك الشائكة وبناء جدران خرسانية حول القرية بأكملها"، ما أدى إلى "فصلها عن البيئة التاريخية الطبيعية داخل أراضي لبنان وفرض سلطتها عليها".
وبوضوح أكّد حزب الله أن هدف ما حدث هو "الاحتلال الكامل للقسم اللبناني بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع"، داعيًّا الدولة اللبنانية وجميع مؤسساتها والشعب اللبناني إلى اتخاذ إجراءات لمنع إجراءات هذا الاحتلال، ودعت وزارة الخارجية اللبنانية، مؤخراً، المسؤولين الدوليين إلى الضغط على تل أبيب للتراجع عن قرارها بمنع دخول اللبنانيين إلى القرية، متهمة إياها "بالسعي لضم القرية في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن رقم 1701"، ليخلق واقعا جديدا على الأرض، فيما دعت اليونيفيل كلا من حكومة الاحتلال ولبنان إلى " التزام الهدوء "ووصفت الإجراءات بالقرب من الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وفلسطين بأنها "حساسة للغاية.
وفي هذا الشأن، قالت كانديس إردل، نائبة مدير المكتب الإعلامي لليونيفيل، في بيان إن جنود اليونيفيل " لاحظوا أن ذراع الحفارة عبرت الخط الأزرق من الجنوب (فلسطين) وعبر الجنود اللبنانيون الخط من الشمال (لبنان)"، بالقرب من منطقة ميس الجبل في جنوب لبنان، وهي قوات حفظ السلام في الموقع للمساعدة في تخفيف التوترات لغرض الاتصال والتنسيق مع الأطراف، ونحث جميع الأطراف وكل من في الموقع على التزام الهدوء، وشددت على أن" أي نوع من العمل بالقرب من الخط الأزرق حساس للغاية ومن المهم أن تنسق الأطراف أي عمل من خلال اليونيفيل للمساعدة في تجنب الاحتكاك والاحترام الكامل لقدسية الخط الأزرق"، وكانت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية ذكرت أن "الجيش اللبناني واجه جرافة إسرائيلية جرفت التربة خارج سياج تقني وكانت تحاول اختراق الخط الأزرق على حدود بلدة ميس الجبل في جنوب البلاد".
موقف إسرائيلي ضعيف
"قوة الردع الإسرائيلية ضد حزب الله تضررت وفشلت بشكل كبير"، وخاصة في ظل الأزمة الداخلية التي وقع فيها الإسرائيليون، وكان الحزب –بتأكيد الإعلم العبري- ينتصر على جميع المستويات، بطريقة كشفت تآكل الردع الإسرائيلي وأثبتت أن حزب الله لا يخشى الرد العسكري الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى إن التدخل الأمريكي لايجاد الحلول مع حزب الله يدل على أن "إسرائيل" باتت في موقف أضعف اليوم.
وتعلم قوات الأمن والجيش الصهيونيّ أن أي عملية عسكرية ضد حزب الله ستكون رداً قاسياً من الحزب وسينفذ حزب الله عملية ستوجه ضربة كبيرة لجبهة "إسرائيل" الداخلية، وخاصة أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله" حققت انتصارات كبيرة على الصهاينة، وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية عن السابق، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها العقائدية والماديّة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة وفقاً لمحللين، كما أن "إسرائيل" ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة.
وتعدو أسباب ذلك، إلى أن قدرات حزب الله شهدت نقلة نوعية كبيرة على الصعيد العسكريّ، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات الغربية والإسرائيلية، وقد زاد عدد رجال مقاومته من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، وباتت "إسرائيل" اليوم تضع سيناريو ترجّحه للحرب المقبلة مع لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال 9 أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع القيادة الإسرائيلية أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، وتستند قوة الحزب على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، بالإضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة.
لذلك، تؤثر حقيقة أن حزب الله لا يأبه الإسرائيليين على الكيان الصهيوني الذي انخفض صوت تهديده كثيرا عن السابق، وبات يعترف بأن الموقف الاستراتيجي والردع لإسرائيل آخذان في التآكل التام، ناهيك عن أنه يمر بأزمة خطيرة، سببها الرئيسي هو تمزقه وتعميق الانقسامات الداخلية للصهاينة، وهي فجوة يدركها أعداء "إسرائيل" جيدًا، وعليه تتجنب القيادات الإسرائيلية الدخول في حرب مع لبنان ربما تتحول إلى حرب واسعة النطاق، وهي معركة ليست في مصلحة تل أبيب أبداً.