الوقت_ في الفترة الماضية، شن مسلحون موالون لجيش الاحتلال الأمريكي حملة اعتقالات واسعة في قرى عربية جديدة شرق سوريا، مع إجراء قوات ما يعرف بـ "التحالف الدولي" التابع لواشنطن تدريبات عسكرية تحاكي هجوماً محتملاً عليها في حقول النفط والغاز السورية، بالتزامن مع التحذيرات السوريّة المستمرة بانسحاب المحتلين بشكل فوريّ من الأراضي السوريّة، في وقت باتت المواجهة بين قوات جبهة المقاومة والولايات المتحدة أكثر خطورة من ذي قبل مع تزايد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على القواعد والبؤر الأمريكية في شرق سوريا خلال الأشهر الأخيرة، وبالنظر إلى أن سوريا تمكنت من مواجهة الجماعات الإرهابية تقريبًا وتحقيق نجاح نسبي، وباعتبار أن الاستقرار في دول المنطقة سيهدد استمرار الوجود غير الشرعيّ للجنود الأمريكيين، يبدو أن واشنطن تبحث عن طريقة لتثبيت وجودها وزرع الانفلات الأمنيّ لصالح التنظيمات الإرهابيّة والجماعات التابعة لها.
سياسات أمريكيّة قذرة
بشكل واضح وصريح في المنطقة وحتى العالم، لا يمكن الوثوق بأيّ خطوة أمريكيّة فأمريكا فرضت عقوبات اقتصاديّة على العديد من المسؤولين السوريين منذ بداية الأزمة، ودعت على لسان الرئيس السابق باراك أوباما الرئيس السوري بشار الأسد إلى قيادة عملية الانتقال أو الانسحاب، والتي تنقل سفيرها في دمشق، روبرت فورد، دون إذن رسميّ في محافظة حماة وشارك بإحدى مظاهراتها بعد أشهر على بدء لهيب ما أُطلق عليه "الربيع العربيّ" في البلاد، ناهيك عن الدعم العسكريّ والاستخباراتيّ والعقوبات الكثيرة لإسقاط دمشق، وقد تلا تلك التدخلات دعوات كثيرة لرحيل الرئيس السوريّ في تدخل أمريكيّ سافر ومعهود ضد العواصم التي ترفض الخنوع للإملاءات الأمريكيّة والصهيونيّة.
وعلى هذا الأساس التاريخيّ المهم والمؤثر، أفادت مصادر محلية بريف دير الزور لوسائل إعلام أجنبيّة، بأن وحدات عسكرية مختلفة تابعة لقوات "قسد" التابعة للجيش الأمريكي وبدعم جوي وبري منه، شنت مؤخراً حملة أمنية مشتركة استهدفت قريتي الجزرة وقصيبة ومخيم الجرزات بريف دير الزور الغربيّ، في وقت يدعي فيه البيت الأبيض أن القوات الأمريكيّة ملتزمة بضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش، وإيجاد حل سياسي للصراع السوري، وهي عبارة مثيرة للسخريّة على لسان الولايات المتحدة التي تسرق قمح ونفط الشعب السوريّ وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع، رغم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها السوريون والتي لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، في وقت تفرض فيه واشنطن –صاحبة هراء حقوق الإنسان والديمقراطية- أشدّ العقوبات والحصار على السوريين الذي يذيقهم الويلات، فيما ينجو من ذلك المناطق التي يديرها عملاء واشنطن أي المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السوريّة وبالأخص مناطق ما تُسمى "الإدارة الذاتية".
وتشير المعلومات إلى أن قوات "قسد" استقدمت أكثر من 40 سيارة عسكرية مصفحة وعربات أمريكية من نوع "همر"، وفرضت طوقا أمنيا وسط إغلاق الطرقات العامة والفرعية مع تشديد أمني كثيف في المنطقة، واعتقلت أكثر من 13 شخصاً من أبناء قبيلة (البكارة العربية) مع حملة تفتيش واسعة للمنازل، ليرتفع عدد المعتقلين خلال يومين إلى أكثر من 40 مدنيا بينهم أطفال بعد اعتقال 20 شخصاً في قرية الرحال في المنطقة نفسها، وتأتي تلك المعلومات بالتزامن مع توتر الأوضاع في الشمال السوريّ بما ينعكس سلبيّاً على المصالح الأمريكيّة التي تسرح وتمرح في الشرق السوريّ، والدليل أنّها وبكل وقاحة وليس ببعيد عن ملايين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، يسرق الجيش الأمريكي قمح الجائعين إلى جانب نهبه المحاصيل المهمة والرئيسيّة، وينشر قواته في مناطق الآبار النفطيّة في منطقة الجزيرة لسرقته، وتمويل ميليشيا (قسد) التابعة له والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وخاصة أنّ الولايات المتحدة وبسبب تاريخها الدمويّ والقذر في تدمير الدول وحصار الشعوب واغتيال السلام.
وقد تبين لكل دول العالم وباعتراف المسؤولين الأمريكيين بنفسهم أن الولايات المتحدة التي أسست ونظمت وسلحت تنظيم “داعش” الإرهابيّ وقامت بزرعه في المنطقة، وسهلت ويسرت لجميع الإرهابيين والمجرمين والمنحرفين فكريّاً وأخلاقيّاً الانضمام لهذا التنظيم، وساعدتهم بقوة في التغلغل داخل الأراضي العراقيّة والسوريّة، بهدف إثارة الفوضى وتفتيت الجيوش النظاميّة واستنزافها، وبعد فشل التنظيم الإرهابيّ رغم عملياته الاجراميّة الكثيرة وتمدده لسنوات على الارض وسيطرته على العديد من المدن، قامت واشنطن بتنفيذ السيناريو الذي وضعته أجهزة مخابراتها، ونشرت قواعدها وقواتها المُحتلة بشكل غير شرعيّ تحت عنوان “محاربة داعش”، لتحقق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبر معادية لها وللكيان الصهيونيّ المجرم فتنهب خيراتها وتحاصر شعبها وتحاول القضاء على دورها.
رفضٌ شعبيّ عارم
حسب كثيرين، تأتي الحملات الأمنية التي تستهدف الريف الغربي من محافظة دير الزور، في ظل استمرار الكمائن والهجمات التي تتعرض لها قوات "قسد" وقياديها، في ظل الرفض الشعبي والعشائري لوجودها في مناطقهم، ، وإنّ القلق الأمريكيّ لا يأتي إلا على مصالح واشنطن ولو كان على آلاف الجماجم، باعتبار أنّ قوات الاحتلال الأمريكيّ السارقة لا ترغب بالخروج بسهولة من شمال شرق سوريا ومواصلة العمل مع عملائها لتحقيق مشاريعها الهدامة في المنطقة على حساب السوريين، لإطالة أمد الأزمة في البلاد، وإنّ الأهداف الأمريكيّة واضحة للجميع، فعقلية الأمريكيّ لم تتغير أبداً، والرغبة الأمريكيّة بإسقاط الأنظمة المخالفة لها وتدمير البلدان وحصار الشعوب التي لا تخنع لإملاءاتها علنيّة، أم نسينا أنّ واشنطن عملت كل ما بوسعها لإسقاط "معادلة سوريا" من خلال دعم التنظيمات الإرهابيّة بشكل لا محدود بالتعاون مع دول معروفة، لكنها اصطدمت بأكثر من 11 عاماً من الانتصارات التي حققها الجيش السوريّ وحلفاؤه وبالأخص محور المقاومة، لهذا مهما حاولت واشنطن إظهار ودها إلا أنّ تاريخها المشين أصعب من أن يمحى.
وعلى هذا الأساس، إن وحدات أمنية خاصة تابعة لـ "قسد" وقوات "الكوماندوس"، تنفذ حملات مداهمات واقتحامات، في قرى ريف دير الزور الغربي، تزامناً مع إغلاق مداخل ومخارج المنطقة، وسط تشديد أمني مكثف، بحثًا عن المطلوبين المتعاونين مع خلايا تنظيم "داعش" حسب ادعائهم، وتظهر الولايات المتحدة أنّها لا ترغب بوجود عاصمة معادية للكيان الإرهابيّ الذي يحتل الأراضي السوريّة واللبنانية والفلسطينيّة، ويقتل الأبرياء ويدمر منازلهم ويطردهم من ديارهم، وتؤكد أنّ قوات الاحتلال الأمريكيّ لن تخرج من شمال شرق سوريا، وستواصل العمل مع ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” الانفصاليّة، بينما لا تزال فلول داعش في العراق وسوريا على تواصل مع الأمريكيين، بينما يتم تدريب إرهابيي داعش باعتباره تنظيما أمريكيّا، وقد اعترف المسؤولون السابقون في هذا البلد مرات عديدة أنهم أسسوا هذه المجموعة التكفيرية للإطاحة بالحكومة السورية وبنفقات مالية ومساعدات الأسلحة الغربية من أجل تحقيق الهدف الأكبر، أيّ "الشرق الأوسط الجديد".
وبالاستناد إلى ما ذُكر، قامت قوات "التحالف الدولي" المزعوم بقيادة الجيش الأمريكي بإجراء تدريبات عسكرية، بالذخيرة الحية، في محيط قاعدتها في حقول نفط بلدة رميلان شمال شرق الحسكة، مستهدفة أهدافا وهمية لرفع الجاهزية القتالية لعناصرها، تحسباً من أي هجوم محتمل، وكان "التحالف الأمريكي" –وفقاً لوسائل إعلام عدّة- أجرى تدريبات عسكرية مشابهة مستخدمة الذخيرة الحية في قاعدتها العسكرية اللاشرعية في حقل غاز (كونيكو) بريف دير الزور الشمالي، حيث نفذت طائرات حربية أمريكية عددا من الغارات الجوية مستهدفة أهدافا وهمية تدريبية في محيط المعمل، تزامناً مع إطلاق قذائف مدفعية، كما شاركت الطائرات المروحية في التدريبات.
رفضٌ للوجود الأمريكيّ
لطالما أعربت الحكومة السورية عن معارضتها للدور الأمريكي القذر في سوريا وطالبت القوات الأمريكية بالانسحاب، كما دعت إيران وروسيا، الداعمان الرئيسيان لدمشق، الولايات المتحدة إلى الرحيل، وقد أوضحت تركيا أيضاً معارضتها للدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية الفرع السوري لحزب العمال الكردستانيPKK) ) ، وهو جماعة مصنفة "إرهابية" في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن الاحتلال الأمريكيّ مستمر وغارات أمريكا شرق سوريا تدعي حماية الأفراد الأمريكيين والدفاع عنهم.
ولا تزال القوات الأمريكية متمركزة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا مثل محافظتي الحسكة والرقة، ومنذ عام 2016، سيطرت الولايات المتحدة أيضًا على قاعدة التنف، في منطقة نائية من سوريا بالقرب من حدود سوريا والأردن والعراق، وهي جزء من "منطقة منع الصراع" التي يبلغ طولها 55 كيلومترًا (34 ميلاً)، والتي تقوم القوات الأمريكية والقوات المتحالفة بدورياتها، وطالبت روسيا منذ ذلك الحين الولايات المتحدة بالانسحاب من التنف، ولا يزال هناك ما يقرب من 900 جندي أمريكيّ في سوريا.
وحسب منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الولايات المتحدة تزعم رغبتها بتحقيق أربعة أهداف رئيسية في سوريا: الحد من العنف، والحفاظ على الضغط العسكري على داعش، ومعالجة الأزمة الإنسانية في سوريا، ودعم "إسرائيل"، على الرغم من أن آخر الأهداف –كما يعلم الجميع- هي فقط ما صدق به المسؤول الأمريكيّ، كما أن قوات سوريا الديمقراطية تلقت "تأكيدات" بأن واشنطن لن تسحب قواتها على عكس أفغانستان.
في النهاية، وبالإشارة إلى أن القواعد الأمريكية المذكورة شرق سوريا، تعرضت قبل أكثر من شهر لعدة هجمات متتالية ومنظمة أدت إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود مع وقوع أضرار مادية فيها، وذلك في ظل توسع قاعدة الرفض الشعبي والمقاومة العشائرية الرافضة للاحتلال الأمريكي وممارساته التي تتركز على سرقة ونهب النفط والغاز والقمح والثروات الباطنية للشعب السوري تحت مظلة ما يسمى "التحالف الدولي" المزعوم ضد تنظيم "داعش"، وعلى الرغم من أنّ سلطات واشنطن زعمت مرارًا وتكرارًا في السنوات الأخيرة أنها اغتالت كبار قادة داعش من أجل تقديم أنفسهم على أنهم أعداء للإرهابيين بهذه المزاعم، ولكن حتى الآن لا يوجد دليل واضح على ما إذا كان الأمريكيون قد استهدفوا بالفعل قادة هذه المجموعة التكفيريّة، وفقط الوثائق في هذا السياق هي تصريحات جوفاء لمسؤولين في البيت الأبيض، كما شكلت الولايات المتحدة عندما كان تنظيم "داعش" منتشرًا في سوريا والعراق، تحالفًا استعراضيًا زعم أنه يريد تدمير جذور داعش، لكن مقاتلي هذا البلد وطائراته المسيرة، بدلًا من مواجهة داعش، قتلوا المدنيين السوريين والعراقيين وجعلوا دماء الأبرياء تسيل لسنوات ومازالت مستمرة، لذلك فإن ادعاء قتل قيادات "داعش" ليس أكثر من كذبة، تتم بهدف خداع الرأي العام من أجل تبرئة أميركا من الاتهامات بدعم هذه الكيان الإرهابيّ.