الوقت- استشهد الطفل الفلسطيني محمد هيثم التميمي يوم الاثنين الماضي، متأثرًا بإصابته برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في قرية النبي صالح شمال غرب رام الله في الضفة الغربية.
وأعلنت والدة الطفل مروة التميمي استشهاد طفلها بـ3 كلمات فقط قالت فيها “مبروك الشهادة يا ماما”، وتفاعل المدونون مع عبارتها المؤثرة التي أغرقت المنصات.
وقال الناشط بلال التميمي لوكالة الأنباء الفلسطينية، إن عائلة الطفل التميمي أُبلغت استشهاد ابنها، متأثرًا بإصابته برصاصة في الرأس.
وأصيب الطفل ووالده بالرصاص الحي، يوم الخميس الماضي، أثناء وجودهما أمام منزلهما المجاور لحاجز عسكري مقام عند مدخل القرية، وقد نُقل الطفل إلى مستشفى “تل هشومير” الإسرائيلي لخطورة وضعه الصحي، ونُقل والده إلى أحد مستشفيات رام الله.
وباستشهاد التميمي يرتفع عدد الشهداء من الأطفال الذين ارتقَوا برصاص جيش الاحتلال منذ بداية العام الجاري إلى 28 طفلًا.
جريمة ضد الإنسانية
وقد أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية، استشهاد الطفل محمد التميمي، واعتبرته جريمة بشعة ضد الإنسانية.
وطالبت الخارجية في بيان بتحقيق دولي عاجل في الجريمة، وغيرها من جرائم قتل الأطفال الفلسطينيين، كما طالبت لجنة التحقيق المستمرة والجنائية الدولية بتحمل مسؤولياتهما بهذا الخصوص.
ولفتت إلى أن أي تحقيقات إسرائيلية داخلية ستكون شكلية ولا قيمة لها، ولا تعدو كونها محاولات لتضليل العالم والمحاكم الدولية، وغالبًا ما تنتهي بتبرئة القاتل وإخفاء الحقيقة التي يتورط بها المستوى السياسي والعسكري في دولة الاحتلال.
مطالبات بلجنة تحقيق أممية
في هذا السياق، حمّل المجلس الوطني الفلسطيني، حكومة اليمين الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن استشهاد الطفل التميمي، وأضاف في بيان إن “إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال على طفل رضيع جريمة حرب يندى لها الجبين، وتعبر عن وحشية هذه الحكومة الفاشية الخارجة عن القانون”.
وتابع إن “صمت المجتمع الدولي على جريمة قتل الطفل التميمي، وما ترتكبه حكومة الاحتلال الفاشية هو طعنة للعدالة والديمقراطية المزيفة التي ينادون بها”، مطالبًا بتشكيل “لجنة تحقيق أممية مستقلة للتحقيق في هذه الجريمة، ومجمل الجرائم التي ارتكبتها حكومة الفصل العنصري”.
ومن جانبها طالبت الامانة العامة لمنظمة التعاون الاسلامي، بمساءلة ومحاسبة الاحتلال "الإسرائيلي" على جريمة قتل الطفل الفلسطيني البالغ من العمر عامين، "الشهيد محمد هيثم التميمي".
وفي بيانها الصادر دانت الأمانة العامة للمنظمة الاسلامية، استمرار الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال والتي كان آخرها الجريمة النكراء التي أدت إلى استشهاد الطفل محمد التميمي، جراء إصابته برصاصة في الرأس.
واعتربت المنظمة عبر بيانها، أن هذه الجريمة، "امتداد للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني ومن ضمنهم الأطفال الذين بلغ عدد من استشهدوا منهم على يد قوات الاحتلال 28 طفلا منذ بداية العام الجاري".
ودعت المنظمة، الى "إجراء تحقيق دولي مستقل في هذه الجريمة والعمل على مساءلة ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جميع انتهاكاته التي ترقى إلى جرائم حرب، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإنفاذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".
إدانات أممية خجولة
عقب منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، على استشهاد الطفل الفلسطيني محمد هيثم التميمي برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في رام الله، داعيًا إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك الأمر.
وقال وينسلاند في تغريدة عبر تويتر: "أدين وأشعر بحزن عميق لوفاة طفل فلسطيني في الثانية من عمره، أصيب بجروح خطيرة برصاص قوات الأمن الإسرائيلية في النبي صالح قبل يومين. قال الجيش الإسرائيلي إنه كان يرد على إطلاق نار من المنطقة من قبل مسلحين فلسطينيين".
وأضاف وينسلاند: "المدنيون، ولا سيما الأطفال، ما زالوا يتحملون وطأة هذا الصراع، خالص التعازي لاسرته، وألاحظ أن السلطات الإسرائيلية فتحت تحقيقا في الحادث وأدعو إلى محاسبة المسؤولين".
28 طفلا شهيدا
ما يعزي مروة أن محمد قضى شهيدا كما تقول، وتماما كما أمهات 28 طفلا فلسطينيا قُتلوا منذ بداية العام الجاري، ومعظمهم على هامش عمليات عسكرية تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في المدن والبلدات الفلسطينية دون الالتفات لدماء من تدوس على حياتهم أثناء الوصول إلى أهدافها.
ومن هؤلاء الطفل محمد فريد شعبان (16 عاما) الذي قتله الاحتلال على هامش إحدى عمليات ملاحقة المقاومين الفلسطينيين في مدينة نابلس (شمال الضفة) يوم 22 فبراير/شباط الماضي.
وأثبتت تحقيقات صحفية منشورة أن إطلاق النار باتجاهه كان بشكل مباشر وغير مبرر، ورغم ذلك لم تتم ملاحقة قتلته قضائيا أو محاكمة المسؤول عن إطلاق النار في حينها.
وتعتقد عائلة شعبان أن إسرائيل لا تلقي بالا لدماء الفلسطينيين، ومع ذلك فإن التحركات القانونية يمكن أن توقف سفك هذه الدماء.
ويقول والده "لا نريد تعويضا ماديا، ولكن ما نسعى إليه هو وقف سيل دماء أبنائنا، وإن لم تدفع إسرائيل الثمن فلن تتوقف".
يروي الوالد يوم استشهاد محمد الذي رزق به بعد محاولات إنجاب استمرت 10 سنوات "عندما علمت بوقوع مواجهات في المنطقة التي يمر منها اتصلت به لأرافقه في طريق عودته من مدرسته، ولكن قبل وصولي كانت قوات الاحتلال قد وسعت عملياتها في المدينة".
اختبأ الطفل محمد في مستوصف طبي بالمنطقة الشرقية من مدينة نابلس ظنا منه أنه مكان آمن، ولكن دورية إسرائيلية مارة من المكان أطلقت النار بشكل عشوائي وأصابته وهو داخل المستوصف.
كان الأب فريد شعبان يتحدث عن ابنه محمد بمرارة صبغت صوته، وبالكاد يتذكر التفاصيل، وقد انقلبت حياته بعد فقدان طفله الوحيد.
وتقابل مطالبات أهالي الشهداء الفلسطينيين بمحاكمة قتلتهم بإجراءات معقدة وبرفض إسرائيلي كما تؤكد كل ممارساتها على الأرض، وهذا أيضا ما خلصت إليه المؤسسات الحقوقية التي تقوم بتوثيق هذه الانتهاكات، ومنها مؤسسة الحق.
شرعنة استهداف الأطفال
وتعتقل سلطات الاحتلال في سجونها 165 طفلا، بينهم أطفال قُصر أعمارهم ما دون 14 عاما، حسب بيانات وزارة شؤون الأسرى والمحررين في غزة.
الاحتلال يعتقل الأطفال في ظروف صعبة، ويمارس ضدهم التعذيب بأنواعه المختلفة، وبالوسائل والآليات ذاتها التي يستخدمها مع المعتقلين الكبار.
و مثال على التعذيب والمحاكم المجحفة التي تفتقر لمعايير العدالة، حالة المعتقل المقدسي أحمد مناصرة الذي اعتقله الاحتلال بعمر أقل من 13 عاما، ولا يزال يقبع في السجن منذ عام 2015، وتجدد له محاكم الاحتلال العزل الانفرادي مرة بعد مرة، وهو ما أثر بشكل خطير على صحته الجسدية والعقلية والنفسية.
وتنطبق حالة مناصرة بشكل أو بآخر على الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال، الذين تضيع طفولتهم خلف القضبان، أو أولئك الذين يخضعون لما يسمى "الحبس المنزلي" في القدس المحتلة، وهم الذين يفرض عليهم الاحتلال البقاء في المنزل دون مغادرة بأي تهمة يراها ضد الاحتلال، ويتحول فيه الأهل بهذه الحالة إلى "سجانين" لطفلهم، خشية عليه من الأذى أو الغرامات المالية الباهظة التي تفرض عليهم، وفقا لعبده.
ومنذ احتلال الضفة والقطاع عام 1967، خاض أكثر من 50 ألف طفل فلسطيني من الجنسين، تجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية.
إسرائيل عمدت إلى إقرار قوانين تستهدف الأطفال الفلسطينيين، أخطرها: قانون يشرعن محاكمة الأطفال دون عمر الرابعة عشرة، وقانون آخر يتيح رفع الأحكام الصادرة بحق أطفال من راشقي الحجارة.
وحتى نهاية عام 2022، قدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نسبة الأطفال الفلسطينيين في الفئة العمرية دون 15 عاما بنحو 38% من مجمل السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة (5.4 ملايين نسمة)، بواقع 36% في الضفة و41% في القطاع.
رموز تخلد المأساة
في كل حرب وعملية تصعيد عسكري إسرائيلي على غزة في العقدين الأخيرين، يتحول الأطفال الضحايا إلى "رموز" تخلد المأساة التي يحياها أطفال غزة، وما يتعرضون له قتلا وجرحا وحصارا.
مع مطلع انتفاضة الأقصى سبتمبر/أيلول 2000، خلد التاريخ الطفل محمد الدرة (12 عاما) بصورته التي جابت أرجاء المعمورة، وهو يحتمي بظهر والده من الرصاص الإسرائيلي المنهمر عليهما في "مفترق نتساريم"، الذي لا يزال يحمل اسم المستوطنة الإسرائيلية التي كانت متاخمة لها غرب غزة، وجرى تفكيكها مع الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.
ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع سلسلة طويلة من الأطفال الضحايا، أبرزهم إيمان حجو، وهدى غالية، وجميلة الهباش، وآخرون مسحتهم إسرائيل وأسرهم بالكامل من السجل المدني الفلسطيني، ودفنوا تحت ركام منازلهم خلال الحروب الأربع الماضية على غزة.
وقصة التميمي وأمثالها من ضحايا الجشع والغطرسة الصهيونية هي مادة إنسانية يجب التركيز عليها، ونشرها بكل لغات العالم، لكشف بشاعة الاحتلال وجرائمه التي لا تفرق بين فلسطيني وآخر، فالكل مستهدف وبلا مبرر سواء كان رجلا أو امرأة، شابا أو طفلا.