الوقت- في دمشق استقبل الرئيس السوري بشار الاسد، وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بعد سنوات من القطيعة والحرب ايضا. الزيارة كانت مقررة بعد عيد الفطر، لكن الرياض حاولت أن تكون مبكرة أكثر وأن تكون قبله، لأنه ربما الرسالة التي يحملها الوزير السعودي أهم من أن تبقى بعد العيد. وزيارة وزير الخارجية السعودي اليوم إلى دمشق لا يمثل فيها بلده لوحدها، بل بتقديري يمثل فيها الغرب أو الولايات المتحدة بشكل أدق، هو يحمل رسالة من هناك دون شك، هذه الزيارة مهمة لسوريا لعدة أمور أولها وأبرزها أنها داعمة لها خلال المفاوضات مع تركيا إضافة إلى أن الرياض نافذة كبيرة على واشنطن بالنسبة لدمشق.
وعلى المستوى الاقتصادي.. عندما عادت العلاقات مع الإمارات لم أقل أن الوضع الاقتصادي سوف يتحسن، ولا عندما عادت مع الأردن أو تحسنت مع البحرين، ولكن مع السعودية اقولها علانية، الوضع سوف يتحسن بقوة إذا عادت العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها لأن الحصار العربي سيكسر بعد عودة العلاقات، وسوف يتحسن أكثر عندما تتم التسوية مع تركيا أيضاً. ويحسب للسعودية أنها لم تنجر للمحور الرافض للحوار مع الدولة السورية المتمثل بقطر والكويت والمغرب، ويحسب لها أنها تقود المفاوضات لإعادة العلاقات السورية - العربية والسورية - الدولية، ويبدو أن هذه الزيارة هي لأهداف أكبر من العلاقات مع العرب.
هذه الزيارة تأتي بعد خمسة ايام فقط من زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الى مدينة جدة في السعودية ولقاء فيصل بن فرحان، وقد عقدا جلسة مباحثات جرت خلالها مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية يحافظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامة أراضيها بما يحقق الخير للشعب السوري. واتفق الجانبان على أهمية حل الصعوبات الإنسانية وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع المناطق في سورية وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم وإنهاء معاناتهم وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
وأكد الجانبان على أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وعلى ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري. كما بحث الجانبان الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة في سورية تنهي كل تداعياتها وتحقق المصالحة الوطنية وتسهم في عودة سورية إلى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.
وفي ختام البيان رحب الجانبان ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين. وأعرب الوزير المقداد عن تقدير دمشق للجهود التي تقوم بها الرياض لإنهاء الأزمة في السورية وتقديمها المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين جراء الزلزال الذي ضرب البلاد.
هذه التطورات يبدو وكانها نسفت معها خلافات الماضي بين القيادتين السعودية والسورية، حيث تسعى الرياض الى عودة دمشق للجامعة العربية، وخصوصا بعد ان اكدت وكالة رويترز للانباء ان الرياض تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الاسد لحضور القمة العربية التي ستستضيفها في ايار - مايو المقبل، وهي خطوة من شأنها تذويب الجليد بين الجانبين، وانهاء مواجهة استمرت اكثر من 12 عاما. واضافت الوكالة ان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيتوجه إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الدعوة بشكل رسمي للرئيس الاسد.
واوضحت ان هذا التطور يأتي بعد محادثات في الرياض أجراها مسؤول استخباراتي سوري رفيع المستوى وحسب المعلومات فإن هذا المسؤول هو رئيس المخابرات السورية حسام لوقا، حيث تشير المعلومات الى انه مكث عدة ايام في الرياض، وتم التوصل خلالها إلى اتفاق لإعادة فتح السفارتين في القريب العاجل بين البلدين. والتسارع الحاصل في مسار التطبيع العربي مع دمشق هو دليل على تعافٍ ملموسٍ لا عودة بعده إلى الوراء، حيث تستمر الأجواء الإيجابية والتي اكتسبت زخماً كبيراً مع زيارة المقداد للسعودية.
العودة العربية لدمشق كانت كبيرة حيث قام المقداد بجولة عربية وزيارات مكوكية، تطلق عنانها الدبلوماسية السورية، في خطوة للامام من قبل دمشق نحو الشقيقات العربيات، لتسحب ذرائع القطيعة العربية معها. وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حلّ ضيفا على الجزائر، في زيارة رسمية تستمر لمدة ثلاثة أيام. تتضمن أجندتها مباحثات مع القيادة الجزائرية، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية وسبل تطويرها، وبحث آخر المستجدات والتطورات على الساحتين العربية والدولية وتنسيق المواقف بين البلدين. وبعدها زار تونس وأجرى فيها مباحثات حول تطوير العلاقات الثنائية والقضايا العربية والمشتركة؛ ومن المقرر ايضا ان يزور العراق، ما يؤكد ان العزلة العربية والحصار المفروض على سوريا في طريقه للزوال.