الوقت - بينما تحاول الولايات المتحدة عزل إيران في الساحتين السياسية والاقتصادية وتكثيف الضغط الدولي على هذا البلد، أظهرت تجربة الأربعين عامًا الماضية أن الولايات المتحدة لم تكن قادرةً أبدًا على تحقيق أهدافها عبر القنوات القانونية، وخرجت خالية الوفاض في جميع الملفات التي كانت إيران طرفًا فيها.
وبعد فشل الخطط السياسية والأمنية ضد إيران، خسرت أمريكا مؤخرًا أمام طهران في قضية قانونية مهمة للغاية. حيث أصدرت محكمة العدل الدولية، الخميس الماضي، حكمها بشأن شكوى إيران ضد الولايات المتحدة بالإفراج عن نحو ملياري دولار من أصولها المجمدة.
في حكمها، رأت محكمة لاهاي أن تجميد جزء من الأصول الإيرانية من قبل الولايات المتحدة غير قانوني، وأمرت بدفع تعويضات لإيران في هذا الصدد. ووفقًا لما ذكره كيريل جيفورجيان، نائب رئيس محكمة لاهاي، فقد صدر هذا الحكم فيما يتعلق بانتهاك عدد من الالتزامات الدولية، بما في ذلك "وفقًا للمادة 3، القسم 1 من معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية بين الولايات المتحدة وإيران لعام 1955".
لم يتم تحديد مبلغ التعويض بعد، لكن محكمة العدل الدولية منحت طهران وواشنطن عامين للتفاوض والتوصل إلى نتيجة لتحديد وتقدير مقدار الضرر الذي لحق بالحكومة الإيرانية، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال هذه الفترة، بناءً على طلب أحد طرفي النزاع، تلعب محكمة العدل الدولية دورًا في تحديد مقدار الأضرار.
وزارة الخارجية الإيرانية، ومن خلال نشر بيان، وصفت التصويت الصادر في لاهاي بوثيقة أخرى حول شرعية مواقف الجمهورية الإسلامية، والتعبير عن السلوك الخاطئ للحكومة الأمريكية.
على الرغم من إصدار حكم لصالح إيران، أعلنت محكمة لاهاي في حكمها أنه بما أن البنك المركزي الإيراني لا يمكن اعتباره شركةً، لأن اتفاقية المودة تحكم الشركات فقط، فبالتالي لا تتمتع بصلاحية الدخول في مصادرة ممتلكات البنك المركزي. في هذا الحكم، قالت المحكمة إنه نظرًا لعدم تمكن إيران من إثبات الطبيعة الكافية للأنشطة التجارية للبنك المركزي، فلا يمكن اعتباره شركةً تجاريةً.
وحسب المحللين، فإن هذا النقص في الاختصاص هو الجزء المحايد من حكم المحكمة الذي يحاول الجانب الأمريكي تفسيره ومصادرته لصالحه، بينما لا يزال بإمكان إيران متابعة حقها في هذا المجال من خلال آليات دولية أخرى.
كما رفضت المحكمة في قرارها دفاع الولايات المتحدة، وأكدت مسؤولية الحكومة الأمريكية بسبب انتهاك استقلالية الشركات الإيرانية وعدم شرعية مصادرة ممتلكات البنك الوطني، بنك صادرات، بنك سيبيه، ومصرف صادرات للتنمية، وشركة البنية التحتية للاتصالات، وشركة الشحن الوطنية لجمهورية إيران الإسلامية، وشركة النفط الوطنية الإيرانية، وشركة بهران للنفط، والشركة الصناعية البحرية الإيرانية، وشركة إيران للطيران.
من وجهة النظر القانونية، إذا رفض أحد الطرفين تنفيذ حكم محكمة لاهاي، يمكن للطرف الآخر إثارة القضية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة التي يمكنها استخدام القوة القسرية.
لكن خمس دول، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، مسموح لهم باستخدام حق النقض أحادي الجانب ضد قرارات هذا المجلس. لكن حتى لو قررت الولايات المتحدة استخدام مثل هذا الفيتو، فإن ذلك سيؤدي في الواقع إلى مزيد من الضرر لسمعتها الدولية ومجلس الأمن، الأمر الذي سيكون خسارة أخرى لواشنطن.
عملية متابعة شكوى إيران في لاهاي
في عام 2016، صوتت الولايات المتحدة على مصادرة ما يقرب من ملياري دولار من أصول البنك المركزي الإيراني وشركات إيرانية أخرى، إثر قضية "باترسون وآخرين ضد إيران"، بدعوى دور إيران في تفجيرات بيروت عام 1983.
وردًا على هذا الإجراء، في 25 يونيو 2016 قدمت إيران التماساً أكدت فيه أن هذا الإجراء الذي اتخذته حكومة واشنطن يتعارض مع معايير القانون الدولي، وخاصةً المعاهدة بين البلدين والمعروفة باسم "معاهدة النوايا الحسنة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية بين إيران والولايات المتحدة"، وبالتالي رفعت شكوى إلى محكمة العدل الدولية.
بعد تسجيل شكوى إيران في لاهاي، بدأت هذه المحكمة في التعامل مع هذه القضية بعد فترة، وفي مايو 2016 رفعت الولايات المتحدة، بصفتها طرفًا في الشكوى، اعتراضات أولية، واعتبرت الدعوى الإيرانية غير مقبولة واعترضت على اختصاص محكمة العدل الدولية، ومع ذلك، في فبراير 2018 بدأت محكمة العدل الدولية، إلی جانب رفضها اعتراض أمريكا، النظر في القضية من خلال إعلان اختصاصها.
وفي سبتمبر 2022، عُقدت جلسات استماع للنظر في الجوانب الموضوعية في محكمة لاهاي، وأخيرًا أصدر قضاة محكمة العدل الدولية حكمهم النهائي بعد سبع سنوات.
الهروب إلى الأمام بإعلان "خيبة الأمل" من قرار لاهاي
في حين أن الحكم الأخير لمحكمة لاهاي ينتصر لإيران وصدرت جميع بنوده لصالحها، لكن المسؤولين الأمريكيين استخدموا عدم اختصاص لاهاي كذريعة لإظهار أن هذا الحكم لم يحقق أي شيء لطهران.
وفي هذا الصدد، قال فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في محاولة لإبراز حكم محكمة لاهاي بشأن عدم الاختصاص فيما يتعلق بمصادرة أصول البنك المركزي الإيراني: "كان هذا القرار في الواقع بمثابة صفعة لمحاولة إيران الهروب من مسؤوليتها، وخاصةً تجاه عائلات الوسطاء الأمريكيين الذين قتلوا في تفجير عام 1983 الذي استهدف قاعدة البحرية الأمريكية في بيروت. نحن ندرك أهمية دور هذه المحكمة وإسهاماتها في إقرار القانون، ونقدر قرارها بشأن البنك المركزي الذي كان الجزء الأكبر من ملف إيران".
وأضاف باتيل، مدعيًا دعم إيران للإرهاب: "بالتأكيد، نشعر بالإحباط من حقيقة أن هذه المحكمة توصلت إلى استنتاج مفاده، بأن القانون الأمريكي المتعلق بنقل أصول كيانات إيرانية أخرى إلى ضحايا أمريكيين للإرهاب الذي ترعاه إيران، يتعارض مع هذه المعاهدة".
تتهم أمريكا إيران بالضلوع في أنشطة إرهابية، بينما لم تنشر أي وثيقة بهذا الشأن حتى الآن. ويعتبر تجميد الأصول الإيرانية ودفعها للمواطنين الأمريكيين سرقةً، وهناك أمثلة كثيرة على مثل هذه الأعمال في التاريخ السياسي الأمريكي.
إضافة إلى ذلك، حقّق حكم لاهاي مكاسب مالية لإيران، يجب على واشنطن دفعها كتعويض. كما شكل هذا التصويت في المحافل القانونية والدولية هزيمةً كبيرةً للهيمنة الأمريكية، التي سيطرت على جميع مؤسسات العالم طوال الثمانين عامًا الماضية.
بينما يدعي رجال الدولة في البيت الأبيض أنهم يحترمون قرارات المؤسسات والمنظمات الدولية، فإن رد فعلهم على حكم محكمة لاهاي يظهر أنهم يتصرفون بشكل مخالف لمزاعمهم.
والآن، سيراقب العالم ليرى ما إذا كانت حكومة الولايات المتحدة ستحترم الأحكام الصادرة عن الهيئة القضائية للأمم المتحدة، أم إنها ستنتهك، كما هو الحال دائمًا، قواعد القانون الدولي من أجل مصالحها الأحادية.
من ناحية أخرى، بعد قرار لاهاي، سيتم أيضًا تعزيز الثقل السياسي لإيران على طاولة المفاوضات النووية فيما يتعلق بإلغاء العقوبات، والتي تطالب بإزالتها منذ سنوات لأسباب وجيهة، والآن أدرك الجميع أحقية إيران أمام واشنطن.
على الرغم من أن حكم محكمة لاهاي ملزم، إلا أنه يفتقر إلى ضمان تنفيذي، وقد فتح هذا طريق الهروب للولايات المتحدة من عبء التزاماتها، لكن تجاهل القوانين الدولية، بالإضافة إلى تشويه صورة واشنطن، فإن جهود هذا البلد لبناء إجماع ضد إيران لن يحقق أي نتيجة تذکر.