الوقت_ مؤخراً، أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات مجلس نقابة الصحفيين في مصر عن فوز خالد البلشي بالمنصب بعدد أصوات 2443 صوتا مقابل 2211 صوتا لمنافسه خالد ميري رئيس تحرير صحيفة الأخبار، فيما قال ضياء رشوان نقيب الصحفيين المنتهية ولايته إن الجمعية العمومية تتوجه للنائب العام والجهات القضائية في البلاد، بالإفراج عن كل الزملاء والزميلات المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيق بضمان نقابة الصحفيين، أو أي ضمان تراه جهات التحقيق، مشدّداً على أنه خاطب النائب العام للمطالبة بإخلاء سبيلهم بضمان نقابتهم، في وقت تتهم فيه الحكومة المصرية داخليّاً بأنّها توجه تهماً جنائية ضد صحفيين باستخدام المحاكم المصرية لخنق حرية الصحافة والصحافة المستقلة.
مصر كأغلب دول المنطقة، ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك حق الحياة، والتعرض للتعذيب، وحرية الفكر والتعبير والتجمع، وحرية تكوين الجمعيات، رغم نشر النظام المصري لتقرير يدعى “الاستراتيجيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان”، إلا أن النقاد اعتبروا هذا الإجراء خطوة إيجابية للديكتاتوريّة، التي يرأسها الجنرال عبد الفتاح السيسي، حيث تعاني دول "العالم الثالث "من ضعف شديد لحقوق الإنسان فيها، ورغم انضمام الكثير من تلك الدول للمعاهدات الدوليّة، إلا أنّ ذلك يعتبر انضماماً شكليّاً ولا يتم العمل ببنود تلك المعاهدات، وتعاني مصر باعتبارها من تلك الدول من هذه الانتهاكات بالأخص منذ وصول نظام السيسي للحكم عام 2013، لاستخدامه كل أساليب قمع المعارضة وإسكات جميع أطيافها، وهو معروف بسجن الآلاف من المعتقلين السياسيين وبالأخص الصحفيين.
وفي هذا الشأن، عقدت نقابة الصحفيين في مصر، الجمعية العمومية، بعد اكتمال النصاب القانوني لانعقاد الجمعية العمومية للنقابة، بحضور 2454 عضواً، لاختيار نقيب جديد للصحفيين و6 أعضاء، وتمت مناقشة بنود الجمعية العمومية، قبل بدء التصويت، وأوضح أحمد مرسي رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة الصحفيين إن البلشي حصل على 2450 صوتا مقابل 2211 صوتا لأبرز منافسيه خالد ميري رئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية، والذي كان يٌنظر له إلى حد كبير على أنه مرشح مدعوم من الحكومة، وتعهد البلشي خلال حملته الانتخابية بتحسين أوضاع الصحفيين والعمل على الإفراج عن صحفيين محبوسين بتهم من بينها نشر أخبار كاذبة، وهي تهمة يقول حقوقيون إنها تستخدم ذريعة لاستهداف منتقدي سياسات الحكومة المصرية من الصحفيين وغيرهم.
والمثير في الأمر، أنّ السلطات المصرية سبق وحققت مع البلشي بالتهمة نفسها بعد بلاغات ضده بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن النيابة العامة أخلت سبيله بعد تحقيق أجرته معه العام الفائت، وتنفي القاهرة وجود سجناء رأي وتقول إن هؤلاء الصحفيين محبوسون في قضايا جنائية، وتزعم الحكومة أنها لا تتدخل في عمل القضاء، رغم أنّ البلشي الذي يرفع شعار “بأصواتكم نفاوض على حقوق مستحقة للصحفيين، وحريات لا يسلبها منا قرار ولا يخصم من رصيدها متغير"، ترأس تحرير موقع درب الإلكتروني الذي كان واحدا من عشرات المواقع التي طالها الحجب الحكومي داخل مصر في 2020.
"ويتهم النظام السياسي في مصر بسياسة الانتهاك فيما يتعلق بحقوق الإنسان، باعتباره ارتكب أكبر مجزرة للمحتجين في التاريخ الحديث، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، ومنع الاحتجاجات عامّة، وحجب مئات المواقع الإخبارية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، وسجن عشرات الآلاف في بعد سيطرته على الحكم، وأمر بحملات قمعيّة واسعة النطاق، ووصفه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشكل صريح بـ "الدكتاتور المفضل".
وفي ظل تراجع حقوق الإنسان تحت حكم السيسي، واستمرار قانون التظاهر الاستبداديّ وحملات الاعتقال الواسعة للناشطين السياسيين ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكريّة، تستمر المحاكم المصرية بالحكم على الصحفيين والناشطين بتهمة "نشر أخبار كاذبة تنال من الأمن القوميّ" لسنوات طويلة، بالتزامن مع القلق الدوليّ العارم من انتهاك الحريات في مصر وبالأخص مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فيما تلجأ الحكومة المصرية إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين، وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى، دون أي اعتبار للرسائل التي وجهتها دول ومنظمات للسلطات المصرية مفادها بأنّه "لا يمكن غضَ الطرف بعد الآن عن حملات النظام المصريّ لسحق المعارضة السلميّة"، حيث استمرت السلطات المصرية باتخاذ الإجراءات التي تناقض القانون الدولي، وأبقت على الآلاف من الرجال والنساء المحتجزين بشكل تعسفي داخل سجونها وعلى وجه التحديد الصحفيين، ولم تقدم أي حماية للمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وواصلت بشكل خطير قمع النشاط السلمي في البلاد.
وبالاستناد إلى ذلك، ظلت ظروف الاحتجاز في السجون المصريّة قاسية وغير إنسانيّة، وحُرم السجناء من الرعاية الصحية الكافية، ما تسبب أو أسهم في وفاة ما لا يقل عن العشرات منهم في السجون أو بعيد إطلاق سراحهم بوقت وجيز، كما انتُهكت ضمانات المحاكمات العادلة بشكل متكرر، وصدرت أحكام بالإعدام، ونُفِّذت بعض الإعدامات، وحُوكمت نساء وفتيات استناداً إلى تهم باطلة تتعلق بـما تسميها السلطات "الآداب العامة" تتعلق بطريقة لباسهن أو تصرفاتهن أو طريقة كسبهن المال عن طريق الإنترنت، وقُبض تعسفياً على عشرات العمال وحُوكموا بسبب ممارسة حقهم الطبيعيّ في الإضراب، وأُخلي عدد من سكان المناطق العشوائيّة قسراً من مساكنهم، واعتقلت السلطات بعض الأقليات الدينيّة وحاكمتهم بتهمة "ازدراء الأديان"، في تعامل عنصريّ لا مثيل له.
وفي هذا الخصوص، تضمنت قرارات الجمعية العمومية في مصر، تجديد رفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والدعوة لإصدار قانون حرية تداول المعلومات، وإلغاء الحبس في قضايا النشر باستثناء ثلاث حالات واردة في الدستور المصري، وإصلاح كل التشريعات الموجودة في البلاد جنائية ومدنية بما يتناسب مع حريات الصحافة الواردة في الدستور، والحفاظ على المؤسسات الصحفية القومية.
ختاماً، إنّ القلق العميق ليس فقط على الصحفيين في مصر، بل إزاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ترتكبها السلطات المصرية في ظل الإفلات المستمر من العقاب في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد أن قضت السلطات المصرية على مساحات التعبير والتجمع السلميّ والحق في تكوين الجمعيات، وارتكبت بتواطؤ مع المدعين والقضاة جرائم الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ومحاكمة الآلاف، بمن في ذلك مئات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، والمتظاهرين السلميين، والصحفيين والأكاديميين، والفنانين، والسياسيين، والمحامين، لدرجة أنّ الاحتجاز التعسفي أصبح ممارسة ممنهجة في مصر السيسي.
إضافة إلى ذلك، إنّ الكثير من المصريين تعرضوا للإخفاء القسريّ والتعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز لأشهر أو لسنوات في ظروف احتجاز غير إنسانيّة دون محاكمة، على خلفية اتهامات لا أساس لها تتعلق بالإرهاب، وقد أُدين عدد لا بأس به منهم في محاكمات جائرة، منها محاكمات عسكريّة وأخرى جماعيّة، وحُكم على بعضهم بالإعدام، استنادًا إلى اعترافات إجباريّة تحت التعذيب، كما استخدمت سلطات السيسي قوانين فارغة بدعوى "حماية قيم المجتمع" لاعتقال واحتجاز الناشطات، والناجيات من العنف الجنسيّ، والشهود، وغيرهم.