الوقت- صادقت اللجنة الوزارية في الكيان الإسرائيلي لشؤون الأمن القومي (الكابينيت) على فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، بزعم الرد على توجه الأخيرة إلى محكمة العدل الدولية، الأسبوع الماضي، وحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الجمعة جاءت العقوبات لجعل السلطة الفلسطينية "تدفع ثمن" تحركها الأخير، بعدما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يطالب محكمة العدل الدولية بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وادعى البيان أن هذه العقوبات هي رد فعل إسرائيلي على "قرار الفلسطينيين بخوض حرب سياسية وقضائية ضد دولة إسرائيل" حسب زعمه. وقال: "الحكومة الحالية لن تستقبل حرب السلطة الفلسطينية بعناق وسترد عليها كلما استدعى الأمر ذلك".
من جانبه قال وزير الخارجيّة الإسرائيلي إيلي كوهين في بيان إنّ الإجراءات “تهدف إلى إفهام أنّ أيّ محاولة للإضرار بإسرائيل على الساحة الدوليّة لن تمرّ بلا ثمن”
في المقابل، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينيّة نبيل أبو ردينة في بيان “سنواصل نضالنا السياسي والدبلوماسي والقانوني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقيّة”.
بدورها أكّدت وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة أن “تلك الإجراءات وغيرها لن تُثني شعبنا وقيادتنا عن مواصلة النضال والحراك السياسي والدبلوماسي والقانوني لتوفير الحماية الدوليّة لشعبنا ولوضع حدّ لإفلات إسرائيل المستمرّ من المساءلة والمحاسبة والعقاب”.
من جهتها دانت حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس”، في بيان، تبنّي إسرائيل “إجراءات عقابيّة”، داعية السلطة الفلسطينيّة إلى “عدم الرضوخ” في مواجهة إسرائيل.
وحسب الإعلان الصادر عن مجلس الوزراء في حكومة الاحتلال فإن قائمة الخطوات الخمس التي سوف يتخذها الكيان بحق الشعب الفلسطيني تتمثل في:
1. تحويل ما يقرب من 139 مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطينية للقتلى الاسرائيليين من أجل تنفيذ الحكم في قضية "ليتبك" التي تعوض أهالي القتلى في عمليات فلسطينية.
2. البدء الفوري في موازنة مدفوعات السلطة الفلسطينية لمنفذي العمليات وعائلاتهم لعام 2022 وفقًا لتقرير المؤسسة الأمنية.
3. تجميد مخططات البناء الفلسطينية في مناطق (c).
4. حرمان الشخصيات الفلسطينية المهمة التي تقود الحملة السياسية والقانونية من المزايا.
5. سيتم اتخاذ إجراءات ضد المنظمات في الضفة الغربية التي تروج لنشاط معاد لإسرائيل، بما في ذلك النشاط السياسي القانوني ضد إسرائيل.
خطوة جريئة للأمم المتحدة
جاءت خطوة تبنّي الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة - التي تضم 139 عضواً- قرارًا يُطالب محكمة العدل الدوليّة بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بعد يوم من تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، فيما جاء طلب إبداء الرأي في قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في قرار اتخذته الجمعية العامة بأغلبية 87 صوتاً.
و قد صوت مندوب الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة و24 عضواً آخرين ضد القرار، بينما امتنع 53 عضواً عن التصويت ودعا نصّ القرار المحكمة الدوليّة التي تتّخذ لاهاي مقرًّا إلى تحديد “العواقب القانونيّة لانتهاك إسرائيل المستمرّ لحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير” إضافة إلى إجراءاتها “لتغيير التركيبة الديموغرافيّة لمدينة القدس وطابعها ووضعها، واعتماد إسرائيل تشريعات وإجراءات تمييزية لتكريس هذه السياسة كما دعا القرار إسرائيل إلى وضع حدّ للاستيطان. لكنّ الجمعيّة العامّة لا تملك سلطة ملزمة، خلافًا لمجلس الأمن الدولي حيث تملك الولايات المتحدة حليفة إسرائيل حقّ النقض (الفيتو). فيما رحبت السلطة الفلسطينية بقرار الأمم المتحدة.
وطلب قرار الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية تقديم المشورة بشأن كيفية تأثير هذه السياسات والممارسات على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي التبعات القانونية التي تنشأ عن هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.
واستولى الكيان الإسرائيلي على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية -وهي المناطق التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها- في حرب عام 1967، وانسحبت من غزة في عام 2005، لكنها تفرض حصاراً على القطاع، بينما تشدد مصر الإجراءات على الحدود.
من الجدير بالذكر أن آخر مرة تناولت فيها محكمة العدل الدولية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين كان في عام 2004، عندما قررت أن الجدار الإسرائيلي العازل غير قانوني. ورفضت إسرائيل هذا الحكم، واتهمت المحكمة بأن لها دوافع سياسية. ولم يكن اتخاذ قرار أممي على هذه الدرجة من الأهمية مسألة سهلة أو ميسورة، فقد تعيّن على الدول الداعمة للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة خوض سلسلة من المعارك الدبلوماسية، جرت أولا داخل اللجنة الرابعة للجمعية العامة، المعنية بالمسائل السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار، ثم انتقلت إلى الجلسة العامة المنوط بها اعتماد مشروعات القرارات المقدمة إليها من اللجان المختلفة المنبثقة عنها، بما فيها اللجنة الرابعة.
على الرغم من أن الفتوى الجديدة المتوقع صدورها من محكمة العدل الدولية ستؤكّد على أن السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير مشروعة، تنتهك القانون الدولي وتعتدي على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقّ تقرير المصير. صحيحٌ أن إسرائيل ستعتبر هذه الفتوى مجرّد "رأي استشاري" ليست ملزمة بتنفيذه. ولكن من المؤكّد أنها ستمنح النضال الفلسطيني زخما جديدا يسمح بمساءلة الكيان الإسرائيلي وملاحقته قانونياً في جميع الساحات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، بل سيمكّن الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقا من مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات على دولة الاحتلال الاسرائيلي، مثلما فعلت من قبل مع كل من جنوب إفريقيا وروديسيا حين كانتا تمارسان سياسة الفصل العنصري.
دعوات لعدم الرضوخ
في إطار تبني الكيان الصهيوني مجموعة سياسات تنتهك المبادىء الأساسية في القانون و القضاء و العمل الدولي أدانت حركة حماس بشدّة إقدام حكومة الاحتلال الفاشية على فرض ما أسمته “إجراءات عقابية”، ضد الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية.
وفي بيان لها، قالت حماس، “تدين حركة المقاومة الإسلامية حماس بشدة إقدام حكومة الاحتلال الفاشية على فرض ما أسمته “إجراءات عقابية”، ضد شعبنا والسلطة الفلسطينية، ولا سيّما سرقة المزيد من أموال شعبنا المخصّصة لعوائل الشهداء والأسرى، وحرمان الفلسطينيين من البناء فوق أرضهم، ونعد ذلك جريمة وتغولا صهيونيا ضد حقوقنا الطبيعية، ومحاولةً منه للتأثير على القرار الأممي بملاحقته أمام محكمة العدل الدولية”.
وأضاف البيان، “ندعو السلطة الفلسطينية إلى عدم الرضوخ لتلك التهديدات والابتزازات، والمضي قدما في ملاحقة الاحتلال الصهيوني أمام المحاكم الدولية، وتعزيز جبهتنا الوطنية الداخلية لمواجهة غطرسة الاحتلال وحكومته الفاشية التي تمعن في انتهاك حقوق شعبنا في أرضه ومقدساته”.
من جهتها أكدت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” على حق الشعب الفلسطيني بالتوجه للقضاء الدولي للاعتراف بحقوقه المشروعة. وقالت الهيئة في بيان لها إن مصادقة “الكابينيت” الإسرائيلي على حزمة من الإجراءات العقابية الجديدة بحق الشعب الفلسطيني، تأتي في إطار السياسات الإسرائيلية المعلنة لمناهضة ومواجهة أي إجراءات فلسطينية تسعى إلى توظيف منظومة القانون والقضاء الدولي لضمان حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. وجددت التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل السبل بما في ذلك التوجه لمؤسسات القضاء الدولي. وشددت على أن رعاية الأسرى وعائلاتهم وعائلات الشهداء والجرحى، واجب وطني والتزام قانوني على السلطة، لجهة توفير الحياة الكريمة لهم.
من جانب آخر، دعت قيادة السلطة للمضي قدماً بواجباتها الوطنية وعدم الخضوع لأي ابتزاز إسرائيلي، بما في ذلك اتخاذ إجراءات فعلية للتصدي لهذه القرصنة، من بينها تعليق الاعتراف بكيان الاحتلال، والتخلي عن اتفاقية باريس الاقتصادية الملحقة باتفاق أوسلو، والتوقف على رهن مسار توظيف القانون والقضاء الدولي بعودة مسار المفاوضات مع الاحتلال، وتعزيز الوحدة والمصالحة على أسس الشراكة الوطنية. حيث إن حكومة الاحتلال تسعى للتصعيد وجر المنطقة إلى حافة الانفجار، وتتجاهل بشكل صارخ القانون الدولي والشرعية الدولية، الأمر الذي يتطلب موقفا دوليا حازما تجاه هذا الانفلات الإسرائيلي.كما دعت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية “كريم أحمد خان”، للإسراع بجهود استكمال فتح تحقيق مستقل، في جرائم القرصنة الإسرائيلية.
تلويح بعقوبات اضافية
بعد موجة الصمود التي أظهرها الشعب الفلسطيني و عدم رضوخه للعقوبات المفروضة من قبل الكيان الغاشم أعلن وزير المالية بتسلائيل سموتريش و”الأمن القومي” إيتمار بن غفير في حكومة العدو الاسرائيلي أن العقوبات التي فرضها كيانهم المحتل في وقت سابق، ضد السلطة الفلسطينية رداً على توجهها بطلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول شرعية الاحتلال، “ليست سوى البداية”. من ناحيته ، قال بن غفير، محتفيًا بالقرار “حكومة اليمين التي شكلناها تحدد اتجاهها. لقد اتخذنا قرارا في الكابينت باتخاذ خطوات فورية ضد السلطة الفلسطينية ومسؤوليها”، مضيفاً “آمل وأعتقد أنه سيتم اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد من يدعم الإرهاب ويحاول الضغط على إسرائيل”، حسب قوله.
لماذا ركزت العقوبات على الجانب الاقتصادي ؟
يعتبر اقتطاع وخصم الأموال الفلسطينية لمصلحة جهات إسرائيلية، سرقة وقرصنة منظمة تحاول سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ممارستها بحق الشعب الفلسطيني.
فيما استهدفت السياسة الاقتصادية الإسرائيلية منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة كل جهد ممكن لتكييف البنى الإنتاجية الفلسطينية بما يلائم متطلبات الاقتصاد الإسرائيلي، حيث أصبح الاقتصاد الفلسطيني تابعاً وخاضعاً كلياً للاقتصاد الإسرائيلي الأكثر تطوراً وذلك من خلال السيطرة على الموارد الاقتصادية الفلسطينية ومصادرة الأراضي الزراعية وفتح أسواق الضفة وغزة لمنتجاتها دون قيود، ومحاربة المنتجات الفلسطينية عن طريق الأسعار أو المصادرة أو منع التصدير، ومن جهة ثانية منع الكيان الإسرائيلي المناطق الفلسطينية من الاستيراد إلا من خلال اقتصادها الإسرائيلي، إضافة إلى أنها فتحت أسواقها للعمالة الفلسطينية من المناطق المحتلة ، حيث كان فارق الأجور يشكل الحافز القوي لتوجه العمال للعمل في فلسطين المحتلة ما أدى بالكثير من المصانع والمزارع الفلسطينية إلى الإغلاق. حيث كان أكثر من ثلث الناتج القومي وأكثر من 95% من الواردات الفلسطينية يأتي من العمل في إسرائيل وحوالي 80% من الصادرات تذهب إليها حيث وصل العجز في الميزان التجاري إلى أرقام خيالية.
من هنا تدرك سلطات الاحتلال أن تأثير اللعب بالورقة الاقتصادية يمكنه التفوق على آلة الحرب في محاولة خنق الشعب الفلسطيني و كسر صموده فالهدف الأساسي من هذه العقوبات خنق السلطة الفلسطينية، بعد قرار الأمم المتحدة الذي اغضب حكومة الاحتلال، واعتبرته تحديا واضحا من السلطة الفلسطينية، تجاه الكيان الإسرائيلي، وما تقوم به حاليا من عقوبات واستفزازت ليس بجديد على حكومات إسرائيل التي اعتادت تزييف التاريخ والجغرافيا، وتضيق الخناق على أبناء الشعب الفلسطيني، وبناء المستوطنات، والاعتداء على الأسرى والمدنيين، وإغلاق الطرق والسيطرة على المياه وحصار قطاع غزة بريا وبحريا.
من جانب آخر، تحاول حكومة الاحتلال، فرض واقع جديد من خلال قراراتها ضد السلطة الفسطينية، لشل حركتها، ومنع أفرادها من السفر إلى الخارج، لتقديم مذكرات ضد الممارسات الإسرائيلية، كمحاولة لإخضاع السلطة، والحصول على المزيد من التنازلات.