الوقت- تعد الأزمة الإنسانية التي تعاني منها المخيمات الفلسطينية في سوريا إحدى إفرازات الأزمة المستمرة في هذا البلد منذ نحو خمس سنوات. كما ساهمت التطورات السياسية و العسكرية التي شهدها الشرق الأوسط طيلة السنوات الماضية و تقاطع أهداف و مصالح اللاعبين الإقليمين و الدوليين في إدخال سكان هذه المخيمات في أتون النزاعات و الصراعات الدموية في هذه المنطقة.
و نظراً لاعتقاد واشنطن و العواصم الغربية و الإقليمية الحليفة بأن سوريا تشكل حلقة مهمة من حلقات محور المقاومة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، سعت هذه الاطراف إلى إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد بشتى الوسائل و من بينها محاولة توظيف سكان المخيمات الفلسطينية لتحقيق هذا الغرض.
و تسببت المواقف المتطرفة لبعض الجماعات الفلسطينية السلفية في تمدد الأزمة إلى داخل هذه المخيمات، خصوصاً الجماعات التي لديها ارتباطات عميقة مع الدول الإقليمية الساعية لإسقاط نظام الأسد و في مقدمتها السعودية و قطر.
و ساهمت الأوضاع الاقتصادية الصعبة و تدني المستوى الثقافي لكثير من ساكني المخيمات في تهيئة الظروف المواتية لنمو التنظيمات السلفية و التكفيرية في أوساط هذه المخيمات. و تمكنت هذه التنظيمات من تجنيد الكثير من العناصر للإلتحاق بالجماعات المعارضة لحكومة الأسد.
و بسبب إمتناع العديد من دول المنطقة عن إستضافة اللاجئين الفلسطينيين لتجنب التداعيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لهذه الإستضافة عمدت الجماعات التكفيرية و المتطرفة إلى ممارسة نشاطاتها داخل المخيمات و من بينها مخيم اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق الذي يضم حوالي 200 ألف لاجئ.
و بدأت الأزمة في هذا المخيم عام ٢٠١٢ مع قيام مسلحين تابعين للتنظيمات اﻹرهابية المدعومة من قبل الكيان الاسرائيلي و الدول المتواطئة معه بالسيطرة على أجزاء من المخيم و تهجير أعداد كبيرة من ساكنيه لإيجاد أرضية خصبة لممارسة القتل ضد الشعب السوري و قياداته السياسية و تدمير مؤسساته المدنية و العسكرية.
و بمرور الوقت إمتدت هذه النشاطات إلى المخيمات الأخرى للاجئين الفلسطينيين في سوريا و البالغ عددها 13 مخيماً والتي تضم نحو نصف مليون لاجئ يتمتعون بكافة حقوق المواطن السوري باستثناء الحق في الترشح و الانتخاب.
و لم يقتصر نشاط الجماعات التكفيرية على المخيمات الفلسطينية في سوريا بل إمتد إلى مخيماتهم داخل الأراضي اللبنانية التي تعاني من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الخدمية.
و رغم إزدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة لازالت المساعدات الإنسانية المقدمة من بعض الدول العربية و الاسلامية و عدد من المنظمات الدولية لاتسد حاجة هؤلاء اللاجئين، ما أتاح الفرصة للجماعات السلفية لنشر أفكارها المتطرفة داخل المخيمات التي تعاني من أزمات متعددة بينها الفقر و انتشار الأمراض بسبب نقص الأدوية و ضعف الخدمات الصحية.
و يعتقد المراقبون إن أزمة اللاجئين الفلسطينيين ستتفاقم بدرجة أكبر إذا لم تسارع الدول و المنظمات المعنية باتخاذ إجراءات عملية لايصال المساعدات الإنسانية إلى هؤلاء اللاجئين والضغط على الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي لتسوية الأزمة السورية و تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقة المغتصبة في الأرض و الوطن و في مقدمتها حق العودة.
و ينبغي التذكير هنا بضرورة التعامل الإنساني مع هذه الأزمة بعيداً عن المآرب السياسية والاعلامية وعدم الاكتفاء بالحلول الترقيعية، و السعي الحثيث لتطويق تداعياتها التي أخذت تهدد دول بعيدة عن المنطقة، كما حصل خلال الشهور القليلة الماضية جراء تدفق مئات الآلاف من النازحين إلى الدول الغربية التي إمتنع الكثير منها عن استقبالهم رغم تأكيد القوانين الدولية على ضرورة إيوائهم و تقديم الخدمات اللازمة لهم.
و بررت بعض العواصم الغربية هذا السلوك المنافي للقواعد الإنسانية و المقررات الأممية بالخشية من تسلل بعض المتطرفين في صفوف النازحين لتنفيذ عمليات إرهابية كما حصل في باريس الشهر الماضي و أدى إلى مقتل و جرح عدد كبير من الأشخاص و إلحاق أضرار مادية ببعض المنشآت المدنية.