الوقت - يعتبر الكيان الصهيوني المزيف، الذي أقام حكمه على مبدأ عدم الثقة في السياسة الخارجية، التجسس على الأصدقاء والأعداء هو السبيل الوحيد للبقاء. لكن هذه القضية لها نتيجة معاكسة أيضًا، ومع انكشاف شبكات الموساد، تم نقل الفضيحة والعار إلى تل أبيب.
بعد فضيحة البرمجيات الخبيثة Pegasus، التي تجسست على زعماء غربيين وعرب، توقع البعض أن يحد الكيان الصهيوني من برامج التجسس، لكن بعد أكثر من عام يواصل الصهاينة مغامراتهم في دول أخرى. في آخر التطورات، تم اكتشاف شبكات جديدة من جواسيس جهاز المخابرات الصهيونية "الموساد"، والتي كانت تشارك على نطاق واسع في أنشطة استخباراتية في تركيا واليونان.
أعلنت الأجهزة الأمنية التركية، الأربعاء، اكتشاف شبكة من 44 شخصًا يشتبه في تجسسهم لمصلحة الكيان الصهيوني في هذا البلد. الأشخاص الذين تم اعتقالهم متهمون بجمع المعلومات عن الفلسطينيين المقيمين والمنظمات غير الحكومية التابعة لهم وتقديم تلك المعلومات إلى وكالة التجسس الصهيونية.
اعتقال الجواسيس الصهاينة في تركيا ليس خبرا جديدا، وفي أواخر أكتوبر، أعلنت الحكومة التركية تحديد واعتقال أعضاء عصابة من 15 شخصا كانوا يتجسسون لمصلحة الموساد.
يتجسس أعضاء هذه العصابة على العرب والفلسطينيين الذين يعيشون في تركيا ودول أخرى منذ عام على الأقل. يأتي اعتقال العشرات من جواسيس الموساد في تركيا، بينما قامت هذه الدولة مؤخرًا بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، لهذا لم تتخذ سلطات أنقرة والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أي موقف رسمي بهذا الشأن، ومن أجل عدم توتير العلاقات الناشئة بين الطرفين، فقد مروا بهذه القضية بسهولة.
هذه المرة أيضًا، يبدو أن قادة أنقرة لن يتفاعلوا بجدية مع هذه القضية، لأن أردوغان يعلم أنه إذا دخل في حالة توتر مع إسرائيل، فإن موقفه في المنطقة سيتعرض للخطر وقد يكلفه ذلك عشية الانتخابات الرئاسية، لذا فإنه يحاول أن يتستر على هذه القضية ويغض الطرف عن هذه الأعمال الهدامة.
فضيحة في اليونان
أظهر تجسس الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة أنه حتى أقرب حلفاء هذا الكيان ليسوا في مأمن من النصل الحاد لتجسس هذا الكيان، وإذا تطلبت المصلحة، فهم يتجسسون أيضًا على أصدقائهم، حيث بالتزامن مع اكتشاف شبكات تجسس للموساد في تركيا، وقعت فضيحة أخرى للصهاينة في اليونان.
وفي هذا الصدد، وفي أعقاب فضيحة التنصت في اليونان، داهمت شرطة هذا البلد مكاتب شركة إسرائيلية تبيع برامج التجسس. وأفادت تقارير إعلامية يونانية بأن شركة "Intelxa" الإسرائيلية وراء برنامج التجسس Predator. إضافة إلى مكتب أثينا، داهمت الشرطة منازل مديري الشركة. كما داهمت شرطة أثينا مكاتب شركة Krikel، وهي شركة مزودة لأنظمة الأمن الإلكترونية، وأربع شركات أخرى.
لطالما تورطت الهيئة السياسية الحاكمة في اليونان في فضائح ناجمة عن الكشف عن برامج التجسس المذكورة أعلاه، والتي شوهدت على الهواتف أو الإعانات المالية للصحفيين البارزين، وزعيم أحد أحزاب المعارضة الرئيسية، وعشرات الوزراء والشخصيات العسكرية وقادة الاعمال التجارية. قبل ذلك، استخدم الكيان الصهيوني برنامج Pegasus للتنصت على الهواتف المحمولة لزعماء أوروبيين وأمريكيين، الأمر الذي جلب موجة من السخط، وهذه المرة أصبحت اليونان ضحية للغطرسة الصهيونية.
الكيان الصهيوني يتجسس على اليونان بينما أقام علاقات جيدة مع هذا البلد وطور التعاون في جميع المجالات في السنوات الأخيرة. بل إن الكيان الصهيوني أجرى تدريبات في البحر الأبيض المتوسط مع أثينا اقتربت، حسب مسؤولين أمنيين في تل أبيب، من المستوى الاستراتيجي في مجال العلاقات الدفاعية بين الجانبين.
يعزز الاكتشاف المتزامن لجواسيس الموساد في اليونان وتركيا الفرضية القائلة بأن الكيان الصهيوني، وسط التوتر بين أنقرة وأثينا، يحاول الحصول على معلومات حول البرامج العسكرية لهاتين الدولتين حتى يتمكن في حالة نشوب حرب من تقديم مساعدة استخباراتية لأحد الجانبين أو لكلا الجانبين للحصول على رأي مؤيد من قادة تركيا واليونان.
التجسس المستهدف للدول العربية
بعد بدء عملية التطبيع، أصبحت الدول العربية في الخليج الفارسي فريسة جديدة ودسمة للجواسيس الإسرائيليين. في غضون ذلك، يستخدم جهاز المخابرات الصهيونية (الموساد) أساليب جديدة ومبتكرة للتجسس في هذه الدول. وبينما يتجسس الصهاينة في أمريكا وأوروبا بذكاء من خلال مكاتبهم ومؤسساتهم التابعة التي يسيطر عليها الصهاينة، بما في ذلك التنصت على الأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين، كما في فضيحة بيغاسوس، ولكن في الدول العربية، تنظيمية وعملية. يستخدم شكل هادف. بالنظر إلى أن العديد من الدول العربية ليس لديها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب ومن الصعب على الصهاينة دخول هذه الدول، تتم عملية التجسس على هذه الدول بطريقة احترافية، وفي العقود الماضية تم الكشف عن وثائق هذه التجسس السري مرات عديدة. التي تظهر كيف كان المواطنون والسلطات العربية يتجسسون لمصلحة إسرائيل عن علم أو بغير علم.
في عام 2019، كشفت التايمز أوف إسرائيل في تقرير أنه في إحدى الدول العربية في المنطقة، كان هناك مسؤول كبير يتجسس لمصلحة هذا الكيان دون أن يعرف أنه كان يقدم معلومات قيمة لإسرائيل. مع الكشف عن العديد من وثائق تجسس الموساد في دول المنطقة، يمكن القول إن هدف هذا الكيان كان تطبيع العلاقات مع العرب، للحصول على معلومات وافية عن أنشطة هذه الدول. يصر مسؤولو تل ابيب كثيراً على توقيع عقود أمنية مع العرب لأنهم يستطيعون تنفيذ أجندتهم الخفية بسهولة أكبر إذا تسللوا إلى الطبقات الأمنية في هذه البلدان.
بالنظر إلى أن المطبعين العرب يتركون أيدي الصهاينة حرة للهجوم في هذه البلدان، لذلك، يمكنهم التجسس على كبار المسؤولين بأسهل طريقة. في بعض الحالات، يتصرف جواسيس الموساد بمهنية وذكاء لدرجة أنهم يتسللون حتى إلى المستويات الأمنية والسياسية العالية في الدول العربية.
إن الحصول على معلومات من الدول العربية مهم للغاية لمسؤولي تل أبيب لدرجة أنهم على استعداد للدخول في علاقات غير مشروعة مع القادة العرب من أجل الحصول على معلومات مهمة لهم، كما فعلت وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني قبل بضع سنوات مع أمير قطر، والتي تم الكشف عنها بعد فترة.
الأشخاص الذين يتم اختيارهم كملحقين عسكريين في السفارات العربية هم من نخبة وكبار ضباط الموساد الذين يتم إرسالهم كجواسيس. كما بعد اتفاقيات "إبراهام" بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين في سبتمبر 2020، تم إنشاء فرع جديد في وحدة التعاون الدولي ذات صلة بالاستخبارات العسكرية للجيش الإسرائيلي بهدف توسيع التعاون الاستخباراتي والعملياتي في الشرق، والذي يهدف إلى الحصول على المعلومات من العرب.
الكشف عن التجسس الإسرائيلي في دول المنطقة، بينما يدخل هذا الكيان هذه الدول باسم علاقات الصداقة وتطبيع العلاقات، يبين أنه كان يسعى منذ البداية لتنفيذ أهدافه الخفية في مراقبة تحركات ومخططات رجال الدولة لهذه البلدان حيث يمكن، إذا لزم الأمر، استخدامها ضدهم.
في الأماكن التي لا يوجد فيها فجوة للتجسس، يستخدم الصهاينة تكتيكات بسيطة وأقل تكلفة، ويتم تنفيذ هذه الأساليب في الغالب في دول قريبة من محور المقاومة. وكما حدث بعد اعتقال عملاء تجسس الموساد في لبنان في الأشهر الأخيرة، أعلن بعض هؤلاء أنه ليس لديهم أدنى فكرة عن أنهم يقدمون معلومات بلدهم للصهاينة. قدم هؤلاء الأشخاص معلومات في مجالات مختلفة للأعداء في الفضاء السيبراني مقابل الحصول على مبلغ صغير من المال. يظهر هذا العدد أن الصهاينة لديهم خطط مفصلة للتسلل إلى الدول العربية.
الهدف النهائي هو زعزعة الاستقرار الإقليمي
من أهم أهداف الكيان الصهيوني لاختراق الدول العربية والقوقاز هو مواجهة التحركات الإيرانية. الكيان الصهيوني، الذي عزز موطئ قدمه في الإمارات والبحرين بعد التطبيع، يحاول تضييق دائرة التطويق ضد إيران من خلال تعزيز العلاقات الأمنية مع هذه الدول. بعد توقيع الاتفاقيات الأمنية مع شيوخ الخليج الفارسي، يريد الكيان الصهيوني الحصول على معلومات من داخل إيران عن طريق بيع منظوماته الدفاعية ونشر طائرات دون طيار في المنطقة وتنفيذ مشروع "الموت بألف طعنة". في غضون ذلك، يزعم الصهاينة أن التطبيع والتعاون الأمني مع المشيخات العربية هو لبناء تحالف ضد القوة المتزايدة لإيران، والتي من المفارقات أن أحد الأهداف الرئيسية للصهاينة في سياستهم الإقليمية هو خلق فجوة وخلاف بين دول المنطقة لإضعاف كل المنافسين بما في ذلك الدول نفسها وهي العربية.
يتبع الكيان الصهيوني في جمهورية أذربيجان هذا السيناريو أيضًا وقد وضع تدابير هدامة على جدول أعماله لخلق بؤر عدم الاستقرار بالقرب من حدود إيران. وفقًا للوثائق التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضع سنوات، وقع الكيان الصهيوني عقودًا عسكرية مع جمهورية أذربيجان لبناء طائرات مسيرة صغيرة. كان الهدف الرئيسي لتل أبيب من هذه العلاقات هو استخدام باكو للحصول على معلومات استخبارية من داخل إيران.
في الأشهر الأخيرة، عزز هذا الكيان أيضًا علاقاته مع باكو ويحاول جعل الحدود الشمالية الغربية لإيران غير آمنة، ومحاولة إنشاء إجراءات انفصالية هي أحد البرامج الرئيسية التي يركز عليها الصهاينة.
حتى الصهاينة قد ترسخوا في المجتمع الأذربيجاني من خلال تأسيس الجالية اليهودية في باكو وإرسال المزيد من اليهود كمبشرين دينيين ونشطاء اقتصاديين من أجل تعزيز نفوذهم في حدود إيران قدر الإمكان. قبل شهرين، خلال زيارة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس إلى باكو، تم الاتفاق على أن ينشئ هذا الكيان مخيمات لتوطين اليهود الذين سيسافرون من روسيا إلى الأراضي المحتلة، وزيادة عدد اليهود في الحدود الشمالية لإيران خطر كبير لأن تل أبيب تستغل بعض هؤلاء اليهود لمهاجمة مصالح إيران.
التأثير السلبي للتجسس على علاقات تل أبيب مع العرب
إن استمرار تجسس الكيان الصهيوني في دول المنطقة يمكن أن يكون له تأثير سلبي على علاقاتهم مع تل أبيب. بما أن الرأي العام في العالم الإسلامي ليس لديه نظرة إيجابية لتطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال، لهذا السبب إذا اتسعت أبعاد التجسس، فقد يثير الرأي العام في الدول العربية ضد الصهاينة على قادتهم لاتخاذ موقف متشدد. كما أن هذا الموضوع يدفع بعض الدول العربية التي تقف في صف التطبيع إلى عدم الخضوع لهذا الخيار خوفًا من التجسس وإعادة النظر في سياساتها تجاه الكيان.
بشكل عام، من المؤكد أن تكثيف أنشطة التجسس للكيان الصهيوني في المنطقة يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار الإقليمي وإشراك دول المنطقة في تحديات وتوترات داخلية مع الجيران، وبالتالي فإن التهديد بهذه الأنشطة لا يستهدف فقط ضرب أعداء الكيان، بل حتى المصالح الأمنية للدول التي لها علاقات مع الصهاينة.
