الوقت - استغلت الدول العربية التي سافرت إلى السعودية للمشاركة في الاجتماع العربي الصيني المشترك، حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ في هذا الاجتماع، وبتكرار مواقفها المعادية لإيران، حاولت إظهار أن إيران معزولة في العالم، الأمر الذي لا يهتم به حتى شريكها الاستراتيجي.
في جزء من البيان الذي صدر في نهاية هذا الاجتماع، كانت هناك ترهات ضد وحدة أراضي إيران، ولكن للأسف وقع شي جين بينغ على هذه الوثيقة المزيفة إما عن طيب خاطر أو بغير قصد.
جاء في البيان المشترك للصين مع دول مجلس التعاون، أن القادة عبروا عن دعمهم لكل الجهود السلمية، بما في ذلك مبادرة وجهود دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق حل سلمي لقضية الجزر الثلاث(طنب الكبری، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، من خلال المفاوضات الثنائية وفقاً لمعايير القانون الدولي وحل هذه القضية وفقاً للشرعية الدولية.
هذا الموقف الصيني، الذي كان بعيدًا عن العقل والمنطق، واجه رد فعل حادًا من السلطات الإيرانية. حيث قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ردًا على هذا البيان المعادي لإيران، إن "الجزر الثلاث في الخليج الفارسي هي أجزاء لا تنفصل عن أرض إيران النقية، وتنتمي إلى هذا البلد إلى الأبد. وبالنسبة إلی ضرورة احترام وحدة أراضي إيران، لا نجامل أي طرف. كما تم استدعاء السفير الصيني في طهران إلى وزارة الخارجية، وأعربنا عن استياء بلادنا من توقيع البيان المناهض لإيران."
بعد رد الفعل الحاسم هذا وبعض ردود الفعل المحلية الأخرى، أقدم الصينيون على الفور علی التعويض، وقال السفير الصيني في طهران "إننا نحترم وحدة أراضي إيران، وإن زيارة رئيسنا إلى الرياض كانت للمساعدة على إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، وإن نائب رئيس الوزراء سيزور إيران في الأيام المقبلة."
يبدو أن هذا الموقف جعل الحكومة الصينية على دراية جيدة بآراء إيران الواضحة بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وذلك بعد ردود الفعل الحاسمة للجهاز الدبلوماسي الإيراني.
الصين وقعت إعلاناً يفتقر إلی وثيقة تاريخية
ليس جديدًا أن تتهم الدول العربية إيران بزعزعة استقرار المنطقة واحتلال الجزر الثلاث، لكن توقيع هذا البيان من قبل رئيس الصين، الذي تسبب في توتر العلاقات الوثيقة مع طهران، كان غير متوقع. لقد وقع شي على وثيقة أصبحت ذريعة المشيخات العربية لسنوات عديدة، وهم يقدمون هذه الادعاءات من وقت لآخر.
لا يوجد أي توثيق تاريخي لادعاء الإمارات ملكية الجزر الثلاث، والافتراءات المتكررة للقادة العرب تعود إلى محاولة تحدي نفوذ إيران في المنطقة بهذه المزاعم، ويجب أن يكون لدى سلطات بكين معلومات كافية حول هذه القضية، حتى لا تتعارض الوثائق التي توقعها مع وحدة أراضي الدول.
هذا السلوك مخالف لمواقف السياسة الخارجية لحكومة شي، التي أعلنت في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي أنها لن تتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. ومثل هذه التصريحات التي تستهدف المصالح الوطنية الإيرانية، لا تتوافق مع السياسات الودية لإيران والصين.
على الصين، التي تضررت أكثر من غيرها من قضية الادعاءات الأجنبية المتعلقة بوحدة أراضيها، أن تعرف مدى حساسية التدخل في قضية الأمن القومي وسلامة أراضي الدول الأخرى.
على الرغم من أن الدول الغربية تدعي أن تايوان ليست جزءًا من سيادة الصين وتتحدى سياسة "الصين الواحدة"، فقد أيدت إيران دائمًا خطة الصين الواحدة ولم تدعم المواقف الغربية أبدًا، وبقدر الإمكان تقف إلى جانب بكين.
إيران شريك موثوق
رغم عدم وضوح النية الحقيقية لرئيس الصين في التوقيع على هذا البيان، سواء أراد ذلك أم لا، ولم يتخذ موقفًا رسميًا حيال ذلك، ولكن من الواضح أن الدول العربية التي تسعى الصين لتعزيز العلاقات وإقامة علاقات استراتيجية معها، لا تتمتع بالسياسة الخارجية المستقلة المطلوبة لإقامة علاقات استراتيجية.
وعلى الرغم من أن الشيوخ العرب لم يدعموا السياسات الغربية ضد روسيا في أزمة أوكرانيا، إلا أن هذه الدول كانت تحت هيمنة أمريكا وأوروبا منذ سبعة عقود، وما زالت تعتمد على أمريكا من حيث الأمن، ولن تضحي أبدًا بعلاقاتها طويلة الأمد والقوية مع الغرب من أجل تطوير العلاقات مع الصين.
السعوديون أنفسهم يعترفون ضمنيًا بأن هدفهم من إقامة علاقات مع الصين هو خلق توازن بين الشرق والغرب، ولا يريدون الابتعاد من الغرب والارتماء في حضن الشرق.
وغني عن القول إن الشيوخ العرب أعربوا عن رغبتهم في تطوير العلاقات مع الصين عندما انسحبت أمريكا من أفغانستان، وقد أعرب القادة العرب عن قلقهم من أن واشنطن قد تتخلى في يوم من الأيام عن حلفائها في الخليج الفارسي، وبعد انطلاق الأزمة في أوكرانيا اشتدت هذه المخاوف، وأصبح الاتجاه نحو الشرق على جدول الأعمال أكثر فأكثر.
لكن قضية شراكة إيران مع الصين مختلفة. لأكثر من أربعة عقود، أصبحت إيران حاجزًا ضد السياسات التوسعية والتدخلية للغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، في منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي الحساسة، ودور طهران هو أحد الركائز الأساسية لتحرك العالم نحو النظام الدولي الجديد.
يدرك الصينيون جيدًا أن هناك تحديات مختلفة في مسار تغيير النظام العالمي، الأمر الذي يتطلب التوافق والتقارب بين شركائهم الاستراتيجيين في الكتلة الشرقية، أي روسيا وإيران. ولذلك، لن تضحي الصين بعلاقتها معهم أبداً.
لأن إيران أظهرت في العام الماضي أنها وضعت كل بيضها تقريبًا في سلة الشرق، والعضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وتوقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع دول أوراسيا، ومحاولة الحصول علی عضوية مجموعة بريكس الاقتصادية، دليل على أن طهران أرست أسس سياساتها الخارجية تجاه الشرق.
کما أن توقيع اتفاقية استراتيجية مدتها 25 عامًا مع الصين، والتي تقدر قيمتها المادية بـ400 مليار دولار، يُظهر أنه حتى لو تفاعلت طهران مع الغرب بشأن البرنامج النووي وألغيت العقوبات، فإن الصين لا تزال أولوية هذا البلد في السياسة الخارجية، وهي شريك موثوق به ولا تسعى لاستغلال التوتر بين الصين والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، تذكرنا الأحداث الكبيرة التي نشهدها في العالم، بأن الدول القوية والمؤثرة في العالم لا تتخلى أبدًا عن شركائها الاستراتيجيين، لأنه في اللحظات التاريخية الحرجة والمهمة تعرف الأصدقاء الحقيقيين عن غير الحقيقيين، وقد أظهرت إيران أنها يمكن أن تكون حليفًا ثمينًا للصين وروسيا يمكن الاعتماد عليهما في الأزمات.
من جهة أخرى، فإن الصينيين، الذين صمموا سياسات كلية لموقعهم كقوة عظمى، سوف يمرون عبر إيران فقط في طريقهم إلى ممر الشرق –غرب، وهذا يعني أن الصينيين على المستوى الكلي لا يسعون أبدًا إلى تغيير استراتيجيتهم تجاه إيران.
ومشروع "حزام واحد وطريق واحد"، والذي يعدّ الشرق الأوسط جزءًا مهمًا منه، ستلعب إيران دورًا مركزيًا في هذه الخطة الصينية نظرًا لموقعها الجيوسياسي في المنطقة کونها جسراً بين الشرق والغرب، ومن غير المعقول أن المسؤولين في بكين يريدون الالتفاف علی إيران بالتوقيع على بيانات لا أساس لها.
لكل دولة الحق في التواصل مع الدول الأخرى وفقًا لمصالحها الاستراتيجية، ولا تستثنى الصين من هذه القاعدة. ولهذا السبب، في إقامة علاقات استراتيجية مع السعودية، يحاول الصينيون إضعاف خصمهم التقليدي، أي الولايات المتحدة، وليس إيران.
حيث تم الإعلان عن زيارة شي إلى الرياض رسميًا فقط عندما واجهت السعودية والولايات المتحدة تحديات بعد قرار السعوديين بخفض إنتاج النفط في إطار أوبك بلس. وحتى وسائل الإعلام الغربية شددت على الجانب السياسي لهذه الزيارة أكثر من الجانب الاقتصادي، والتي تهدف لمواجهة أمريكا. طبعاً، السعوديون ووسائل إعلامهم نقلوا زيارة الرئيس الصيني إلى أبعاد أخرى، بهدف إضعاف إيران.
حسب تصريحات السلطات الصينية وإدراكها لأخطائها في التوقيع على هذا البيان المعادي لإيران، فليس من الواضح حقًا ما إذا كان شي جين بينغ قد قرأ مضمون هذا البيان أم إنه وثق في العرب ووقع عليه دون معرفة التفاصيل! لكن الواضح أن مثل هذه البيانات لا يمكن أن تخلق مشكلةً في العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبكين.