الوقت- خلال السنوات الماضية تسارعت وتيرة التطبيع بين بعض الانظمة العربية والكيان الصهيوني وتطورت تلك العلاقات السرية التي كانت تربط بين الكيان الصهيوني وهذه الانظمة لتظهر إلى العلن بشكل واضح وبصفة رسمية من خلال تبادل البعثات الدبلوماسية بين تلك الأنظمة والكيان الصهيوني إضافة إلى فتح باب السياحة للصهاينة للتجول في تلك البلدان العربية وإقامة العلاقات التجارية.
في الحقيقة تجدر الإشارة هنا إلى أن التطبيع تخطى تلك الأنظمة العربية التي أقامت العلاقات مع الكيان الصهيوني حيث سبق وأن كانت هناك ايضاً بعض البلدان التي تدعي دعمها للقضية الفلسطينية "تركيا" التي أقامت علاقات مع كيان الإحتلال الصهيوني، في هذا السياق ورغم المخاطر التي حملها التطبيع على القضية الفلسطينية والشعوب العربية والإسلامية الا أننا نجد بين الحين والاخر من يبرر التطبيع مع الكيان الصهيوني ويقلل من مخاطره على ضد الأمة العربية والإسلامية، وفي مقدمتها التهديد الكبير الذي سيتسبب به التطبيع للقضية الفلسطينية وللأمن القومي الفلسطيني والعربي والإسلامي، وما تجدر الإشارة اليه أنه لا يمكن حصر عدد المخاطر والتهديدات الكثيرة والكبيرة الضارة بالشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية.
تصريحات مثيرة للجدل
موخراً خرج وزير الخارجية التركي بتصريحات جديدة أثارت غضب الشعوب العربية والإسلامية حيث إن تلك التصريحات كانت حول التطبيع مع الكيان الصهيوني فقد جاء في تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو،قوله" إنه من الخطأ اعتبار التطبيع مع إسرائيل “خيانة” للقضية الفلسطينية، وذلك في ظل تحسن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مؤخرا بعد قطيعة دامت سنوات. التصريحات التي أدلى بها تشاووش أوغلو كانت، خلال مشاركته في النسخة الثامنة لمنتدى الحوار المتوسطي الذي أقيم نهاية الاسبوع الماضي في العاصمة الإيطالية روما، في السياق نفسة قال وزير الخارجية التركي: “تركيا وإسرائيل قامتا بتطبيع العلاقات بينهما من خلال الاستفادة من تشكل حكومة إسرائيلية جديدة”.وشدد على أنه “سيكون من الخطأ اعتبار هذا التطبيع خيانة للقضية الفلسطينية أو أنه جرى على حساب هذه القضية”.وأكد تشاووش أوغلو أن بلاده “تؤدي دورًا مهمًا في العلاقات مع بلدان المنطقة”، معتبرا أن الأزمات التي شهدتها المنطقة جلبت معها فرصًا أيضًا.وتابع “إسرائيل تعلم بأن موقفنا من قضية فلسطين لن يتغير (…) وأن هذا التطبيع يقدم مساهمات لكلا الجانبين وللمنطقة بشكل عام”.
إن لم يكن 'التطبيع خيانة' للقضية الفلسطينية.. فما هي الخيانة؟
خلال الفترة الماضية ظهر جلياً أن تركيا كانت السباقة في مد حبال الود الى الكيان الاسرائيلي، بعد الاتصالات الهاتفية التي اجراها المسؤولون الاتراك مع الاسرائيليين، في هذا السياق فإن التصريحات التي صدرت من وزير الخارجية التركي حول عدم تأثير التطبيع على القضية الفلسطنية أحدثت جدلاً كبيراً وغضباً على مواقع التواصل الإجتماعي فإن لم يكن 'التطبيع خيانة' للقضية الفلسطينية.. فما هي الخيانة؟.
في الحقيقة يُعدُّ التطبيعُ مع الكيان الصهيوني من أكبر المخاطر التي تواجهها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، حيث إنه يهدف بشكل رئيسي إلى إعادة تشكيل منظومة العلاقات والقيم والمفاهيم العربية والإسلامية تجاه الاحتلال، وفق الرؤية الصهيونية، ويهدف إلى عزل فلسطين عن أبعادها العربية والإسلامية، والاستفراد بقضية فلسطين سعيا لشطبها وإغلاق ملفها.وفي هذا السياق من الطبيعي جداً أن يؤثر التطبيع على القضية الفلسطنية بشكل سلبي حيث إن توقيع الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني في مجالات مختلفة يعطي الكيان الصهيوني شرعية في التعامل و يعطي الكيان الصهيوني القدرة على الاختراق الصهيوني الاجتماعي والفكري والثقافي والفني والإعلامي والرياضي للمجتمعات العربية والإسلامية إضافة إلى ذلك فإن التطبيع يعمل على الترويج للرذيلة والفاحشة والفسق والفجور والفساد والإفساد، والسعي لتدمير الضوابط والقيم الأخلاقية، وطمس التقاليد العريقة والأعراف والقيم الجميلة لدى العرب والمسلمين، ودفعهم للتحلل من القيم والتقاليد والأعراف والأخلاق الحميدة، عبر إشاعة ونشر الفساد والخمور والمخدرات والفجور والانحلال الأخلاقي، وبث الأفكار المسمومة والمنحرفة والسلوكيات المدمرة لدى الأجيال الناشئة والمجتمعات العربية والإسلامية، حتى لا تشكِّل أي خطر في المستقبل ضد الكيان الصهيوني.
من ناحية اخرى فإن التطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني يعطي ذلك الكيان اللقيط الحق في إقامة قواعد عسكرية وأمنية صهيونية في بعض الدول العربية والإسلامية، ما سيتيح المجال للعدو للتفوق الاستراتيجي وفرض المزيد من الهيمنة في المنطقة، والتجسس والتغلغل في المجتمعات والكيانات العربية والإسلامية وهذا بحد ذاته يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية والأرضي المحتلة من قبل الكيان الصهيوني إضافة إلى ذلك فإن التطبيع هو اعتراف من قبل الدول المطبعة بيهودية الدولة العبرية، وإعطائها للعيش بأمن وسلام في الأرضي المحتلة التي شردت أبناء الشعب الفلسطيني منها، وهذه من المخططات الشريرة والخطيرة لتصفية القضية الفلسطينية .
هل نسي الوزير التركي شهداء "مافي مرمرة" ؟
وقعت الاعتداء الصهيونية على سفينة "مافي مرمرة" نهاية مايو/ أيار 2010 بعد أن هاجمت القوات الإسرائيلية قافلة بحرية تركية في عرض البحر المتوسط يستقلها نشطاء سلام، كانت في طريقها لقطاع غزة، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض عليها منذ عام 2007. وهاجمت القوات الإسرائيلية كبرى سفن القافلة "مافي مرمرة" التي تحمل 581 متضامنًا - معظمهم من الأتراك - داخل المياه الدولية، وقتلت 10 منهم.تلك الجريمة التي قام بها الكيان الصهيوني كان لها ردود فعل من قبل أبناء الشعب التركي ضد الجريمة الصهيونية حيث شدّد أهالي الشهداء على أنهم لن يقبلوا الاعتذار الصهيوني حتى يعود حق الشهداء ومحاسبة من قتلوهم ورفع الحصار عن قطاع غزة. وقال أهالي الشهداء "لن نتراجع عن الملاحقة القانونية ضد أربعة من ضباط الجيش الصهيوني المتهمين بإعطاء الأوامر لمهاجمة السفينة، وسنواصل الاحتجاج ضد "إسرائيل" حتى ترفع الحصار عن فلسطين".
وفي هذا الصدد فإن التصريحات الاخيرة الصادرة من قبل وزير الخارجية التركي تطرح العديد من التساؤلات حول دماء الشهداء فهل ياتُرى أن الوزير التركي نسي شهداء "مافي مرمرة" ؟.
في الحقيقة سيكون لهذه التصريحات الاخيرة رود فعل من قبل أبناء الشعب التركي حيث يستذكر العديد من نشطاء حقوق الإنسان حول العالم، وعلى رأسهم الأتراك والفلسطينيون، حادثة الهجوم الإسرائيلي ضد سفينة التضامن التركية "مافي مرمرة"، قرب شواطئ قطاع غزة عام 2010، والذي أسفر عن استشهاد 10 متضامنين أتراك.
في الختام من الواضح ان التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي حول التقليل من مخاطر التطبيع مع الكيان الصهيوني لم تكن موفقة حيث إنها تصب في مصلحة الكيان الصهيوني وتعطي العديد من الانظمة التي تتطلع إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني المبررات للتطبيع، وفي هذا الصدد يمكن القول إن الوزير التركي قد تجاهل أن مخاطر التطبيع مع الكيان الصهيوني لم تكن يوما مقصورة على القضية الفلسطينية فقط، بل انها تمتد إلى ما هو أبعد وأشمل من ذلك، فالأمة الإسلامية هي المستهدف الرئيسي، من خلال إضعاف الاهتمام بالقضايا التي تهم المسلمين وبالثوابت الإسلامية وتفكيك هوية الأمة الإسلامية. فبعد أن كان التعامل وإنشاء علاقات مع إسرائيل يعد خيانة للفكر الإسلامي وللأمة الإسلامية والعربية، أصبحت بعض الدول تهرول لإنشاء علاقات مع الكيان الصهيوني، وبالتالي تشتت الإسلام والمسلمين، ونشوء جيل متخبط الفكر والمبادئ، غير متمسك بقيمه، يرى أن إسرائيل والدول الغربية نموذج للدول الناجحة المتقدمة، بغض النظر عن النهج والأسلوب المتبع، فجيل مسلم عربي لا يعرف عدوه من صديقه، أخطر على الأمة الإسلامية والعربية من التطبيع نفسه.وفي هذا السياق يمكن القول إن التطبيع يعد تغيراً استراتيجياً مهماً وخطيراً في المنطقة ، إذ يعتبر نقطة قوة وإنجاز لمصلحة الكيان الصهيوني، في المقابل فإن التطبيع مع الكيان الصهيوني قد أضعف موقف القضية الفلسطينية وهنا يمكن الإشارة إلى أن أهم تداعيات التطبيع مع الكيان الصهيوني مستقبلاً هو المخطط الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.