الوقت - بعد أكثر من سبعة عقود على إقامة الکيان الصهيوني المزيف، لم يقبل المجتمع الدولي باحتلال هذا الکيان للأراضي العربية فحسب، بل العديد من الدول تطالب بإنهاء هذا الاحتلال.
وفي هذا الصدد، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 6 قرارات ضد الكيان الصهيوني في أحدث إجراءاتها يوم الأربعاء الماضي. وفي أهم قرار صدر بشأن الجولان السوري المحتل، طُلب من الکيات الصهيوني تنفيذ قرارات مجلس الأمن، والانسحاب من الجولان المحتل حتى خط 4 حزيران/يونيو 1967.
كما جاء في هذا القرار، أن قرار الكيان الصهيوني في 14 كانون الأول 1981 بفرض قوانينه على الجولان السوري المحتل باطل وليس له شرعية، وعلى الاحتلال الإسرائيلي إلغاء هذه القوانين. وقد أيد هذا القرار العديد من الدول، وتمت الموافقة عليه بـ 92 صوتاً إيجابياً و 8 أصوات معارضة وامتناع 65 دولة عن التصويت.
وقال الحكم دندي نائب المندوب الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة في هذا الصدد، إن تصويت غالبية الدول الأعضاء على مشروع القرار المعنون "الجولان السوري"، وكذلك التصويت لصالح القرارات المتعلقة بفلسطين، يدل على التزام هذه الدول بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف إن "رفض الكيان الصهيوني تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة، يؤكد عدم قدرة الأمم المتحدة غير المقبولة على إلزام هذا الکيان بإنهاء احتلال الجولان، والسبب في ذلك هو الحصانة من المساءلة التي منحتها أمريكا وبعض الدول الأخرى لکيان الاحتلال، ودعمها اللامحدود للکيان داخل وخارج الأمم المتحدة."
وأكد هذا المسؤول السوري على تمسك سوريا الثابت بحقها في استعادة كامل هضبة الجولان المحتلة، والتي لا تخضع للمفاوضات أو التنازلات.
وضع الجولان المحتل
في عام 1967، خلال حرب الأيام الستة بين العرب والکيان الصهيوني، احتل الکيان الصهيوني الجولان، وفي عام 1981 تم ضم جزء منه إلى الأراضي المحتلة. ومنذ ذلك الحين، يحكمه هذا الکيان، لكن المجتمع الدولي لم يعترف أبدًا بحكم تل أبيب غير القانوني على هذه المنطقة.
يأتي إصدار القرار المناهض للکيان الإسرائيلي بشأن هضبة الجولان، بينما اعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في آذار/مارس 2019، بسيادة الكيان الصهيوني على هذه المنطقة في خطوة مثيرة للجدل، لتسلك الدول الأخرى هذا المسار بشكل تدريجي، حتى تتمكن تل أبيب من ضمها إلى الأراضي المحتلة.
لكن على عكس ما يعتقده المسؤولون في واشنطن، نرى الآن أن السياسات الأمريكية لم تكن قادرةً على إقناع الآخرين باتباع هذا الإجراء، وقد صوَّت المجتمع الدولي ضد الصهاينة.
كان الجولان المحتل هادئًا نسبيًا قبل بدء الأزمة السورية، لكن الکيان الصهيوني الذي سعى إلى جانب الغرب وعملائه الإقليميين للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، حاول استغلال الفرصة لصالحه وضمان أمن الأراضي المحتلة.
ولهذا السبب، حوَّل الکيان الإسرائيلي محافظة القنيطرة السورية، الملاصقة للجولان المحتل، إلى بؤرة للجماعات الإرهابية، وأرسل الأسلحة إلى الإرهابيين من هذه المنطقة. حتى أن المئات من الإرهابيين نُقلوا إلى مستشفيات في الأراضي المحتلة لتلقي العلاج، وبعد العلاج عادوا إلى سوريا لمواصلة المهمة التي أملتها تل أبيب عليهم، وشهدت السنوات الأخيرة إطلاق عشرات الهجمات الصاروخية من هذه المنطقة باتجاه سوريا.
خلال الأزمة السورية، حاولت سلطات تل أبيب عدة مرات إجراء استفتاء في الجولان المحتل وضمه إلى الأراضي المحتلة إلى الأبد. لكن بسبب المعارضة الدولية والسكان المحليين في هذه المنطقة، الذين ما زالوا يعتبرون أنفسهم سوريين، لم ينجح هذا البرنامج.
ولهذا السبب، قام الکيان الصهيوني ببناء عشرات المستوطنات في الجولان في العقود الخمسة الماضية، وبإرسال آلاف الصهاينة إلى هذه المنطقة، حاول جعل سكانها صهاينة.
يعيش حالياً 25 ألف سوري في الجولان المحتل، الذين كانوا ومازالوا تحت ضغط الصهاينة. ولم يسمح الصهاينة لعرب الجولان بالانتقال إلى مناطق أخرى من سوريا خوفًا من هجمات سورية لاستعادة هذه المنطقة، ويستخدمون هؤلاء الأشخاص كدروع بشرية لمنع هجمات الجيش السوري.
الکيان الصهيوني الذي يشعر بالتهديد من الأوضاع في العالم بعد أزمة أوكرانيا، ويخشى أن تتمكن سوريا من استعادة الجولان بعد 5 عقود، قام مؤخراً بتدريبات كبيرة في هذه المنطقة لرفع مستوى الاستعداد للدفاع عن الجولان.
لكن مثل هذه الإجراءات لا يمكن أن تحافظ على أمن الصهاينة، والجيش السوري لم يتجاهل أبداً فكرة تحرير الأراضي المحتلة، وربما يكون هذا البرنامج على جدول الأعمال في المستقبل.
كما أجرى الجيش السوري منذ شهرين تدريبات واسعة النطاق في ذكرى حرب 1973، وهو تحذير للصهاينة بأن سوريا قد تحررت من الأزمة التي أطلقها الغرب وحلفاؤه إلى حد كبير، وبتعزيز قوتها العسكرية خرجت من الحالة الدفاعية ووصلت إلى مرحلة الهجوم ضد الأعداء.
وبما أن الأمم المتحدة صوتت لصالح حق دمشق في تحرير الجولان، فإن التطورات الدولية لصالح سوريا أيضًا، والغربيون الذين هم الداعمون الرئيسيون لتل أبيب، متورطون الآن في أزمة أوكرانيا، وليس لديهم القدرة على التعامل مع جبهة الجولان لمساعدة الصهاينة.
خمسة قرارات لصالح فلسطين
لم يكن قرار الأمم المتحدة ضد الصهاينة بشأن الجولان نهاية القصة، حيث صدرت عدة قرارات تتعلق بالصراع الفلسطيني ليکتمل اليوم الأسود للصهاينة.
وفي هذا الإطار، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار بشأن سير عمل "لجنة متابعة تحركات الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه غير القابلة للتصرف"، بأغلبية 101 صوت مقابل 17 صوتاً ضده، كما امتنعت 53 دولة عن التصويت.
کذلك، تمت الموافقة على مشروع القرار المتعلق بـ "قسم الحقوق الفلسطينية في الأمانة العامة للجمعية العامة"، بموافقة 90 دولة ومعارضة 30 دولة، وامتنعت 47 دولة عن التصويت عليه.
من جهة أخرى، تمت الموافقة على مشروع قرار بعنوان "البرنامج الخاص للوصول إلى المعلومات المتعلقة بقضية فلسطين، التابع لإدارة شؤون الإعلام بالأمانة العامة للجمعية العامة"، بأغلبية 149 صوتاً مقابل 11 صوتاً ضده، كما امتنعت 13 دولة عن التصويت.
کما تمت الموافقة على مشروع القرار المعنون "حل القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية"، من قبل 153 دولة وعارضته 9 دول، وامتنعت 10 دول عن التصويت.
أيضًا، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة ولأول مرة على قرار بعقد اجتماع رفيع المستوى لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة(احتلال فلسطين)، في 15 مايو 2023. تمت الموافقة على هذا القرار بأغلبية 90 صوتاً مقابل 30 ضده، وامتناع 47 دولة عن التصويت.
وسبق أن أقام الوفد الفلسطيني لدى الأمم المتحدة واللجنة المكلفة بمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني في الجمعية العامة، احتفالاً بذكرى النكبة، لكن هذه هي المرة الأولى التي يقام فيها الحفل بناءً على طلب الجمعية نفسها.
وفي الشهر الماضي، وافقت لجنة إنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة على مشروع القرار الفلسطيني، الذي طلبت فيه رأي محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي. وهو مشروع، في حال موافقة محكمة لاهاي، لن يعتبر أرض الفلسطينيين احتلالًا فحسب، بل أيضًا ضمًا بالکيان الصهيوني، وقد يكون مكلفًا سياسيًا للصهاينة.
لقد تمت الموافقة على القرارات المناهضة للکيان الصهيوني، بينما حاول رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد إقناع قادة 50 دولة بعدم التصويت ضد تل أبيب في الأمم المتحدة، ويبدو أن هذه التحركات الدبلوماسية جاءت بنتائج عكسية، وإلى جانب فلسطين، کانت على حساب هذا الکيان فيما يتعلق بسوريا أيضًا.
منذ عام 2015، أصدرت الجمعية العامة 125 قرارًا لإدانة "إسرائيل"، و 55 قرارًا فقط ضد بقية العالم. كذلك، منذ بداية عام 2022، تمت الموافقة على 27 قرارًا في الأمم المتحدة، منها 15 قرارًا ضد جرائم واحتلال الکيان الصهيوني، مما يظهر أن هذا الکيان خلق للعالم أزمات أكثر من غيره، وأصبح أكثر عزلةً يومًا بعد يوم.
والمثير للاهتمام أن نلاحظ أن عدد الدول التي عارضت القرارات المعادية للصهيونية في الأشهر الأخيرة، قد انخفض بشكل كبير مقارنةً بالماضي، وحوالي 17 دولة، معظمها دول غربية، أيدت تل أبيب.
هذا بينما بذل الأمريكيون جهودًا کبيرةً لجلب المجتمع الدولي إلى جبهة تل أبيب، حيث نقلت الحكومة الأمريكية سفارتها من تل أبيب إلى القدس دعماً للکيان الصهيوني في ديسمبر 2017، لإضفاء الشرعية على حكم هذا الکيان في جميع أنحاء فلسطين. لكن حتى الآن، لم توافق أي دولة على نقل سفارتها إلى القدس، ومع مرور الوقت يزداد الثقل السياسي للفلسطينيين في العالم، ويصبح الصهاينة مكروهين أكثر.
وعلى الرغم من أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، إلا أن انخفاض أصوات أنصار الصهاينة في الأمم المتحدة يمكن أن يشوه صورة هذا الکيان في العالم، ويقنع العالم بأن الفلسطينيين لهم الحق في تحرير أراضيهم المحتلة.
وإلى جانب الأمم المتحدة، ظهرت إهانة الصهاينة في مونديال قطر أيضًا، واعترف قادة هذا النظام ووسائل الإعلام بمدى عزلتهم في العالم.
كما أن هذه القرارات التي يتزايد عددها، تتعلق بالتطورات الداخلية في الأراضي المحتلة أيضًا. ففي الأسابيع الأخيرة، فازت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية للکيان الصهيوني، وستشكل الحكومة الأكثر تطرفاً في تل أبيب، وقد أثارت هذه القضية قلق الصهاينة المعتدلين والمجتمع الدولي.
هؤلاء المتطرفون، الذين يدافعون عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية وقتل وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، خلقوا موجةً من القلق في العالم، وتعتزم الأمم المتحدة عدم السماح لهذه الجرائم بالانتشار أكثر، من خلال دعم فلسطين.
لأن أي مسامحة من الأمم المتحدة، هي إشارة إيجابية لقادة تل أبيب لتوسيع نطاق جرائمهم. لذلك، فإن المجتمع الدولي يضع حجرًا أمام المحتلين بمثل هذه الإجراءات، لوقف احتلالهم.