الوقت- بعد سنوات من الركود في العلاقات التجارية والسياسية وُضعت خلالها العلاقات بين السعودية وتركيا لفترة طويلة على صفيح ساخن، على خلفية تبني أنقرة موقفا وُصف بالتشدد حيال ملفات سعودية، أبرزها حصار قطر ومقتل جمال خاشقجي ، جاء مؤخراً توجيه مجلس الوزراء السعودي بتشجيع الاستثمار المباشر مع تركيا وتفويض وزير الاستثمار بإجراء المباحثات مع الجانب التركي ليكسر هذا الجمود .
جاء ذلك خلال اجتماع المجلس برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في قصر اليمامة بمدينة الرياض، وفق وكالة الأنباء السعودية.
وانتهى المجلس إلى عدة قرارات، بينها تفويض وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح أو من ينيبه بإجراء مباحثات مع الجانب التركي. ويشمل التفويض "التباحث بشأن مشروع مذكرة تفاهم بين البلدين للتعاون في مجال تشجيع الاستثمار المباشر، والتوقيع عليها، ومن ثم رفع النسخة النهائية الموقعة، لاستكمال الإجراءات النظامية".وأكد الفالح أن رجال الأعمال السعوديين سينفطذون استثمارات في تركيا ضمن مجالات مختلفة مثل التكنولوجيا والعقارات والطاقة.
وفي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بحث محمد بن سلمان، بالرياض مع متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، ووزير الخزانة والمالية، العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها في مختلف المجالات.
ووفق بيانات رسمية نشرت في أكتوبر/تشرين الأول حققت الصادرات التركية إلى السعودية، نمواً بنسبة 180% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، لتصل عائداتها إلى 420.9 مليون دولار.
يأتي هذا الانفتاح و التعاون الاقتصادي بين البلدين بعد أن انخرطت الدولتان على مدى العقد الماضي في تنافس على ملء الفراغ الإقليمي الناتج عن الربيع العربي و تحوله إلى خصومة حادة عقب أزمة خاشقجي.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل انتهى الحظر السعودي غير المعلن على البضائع التركية و هل تم طي صفحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي بين البلدين و عاد الدفء الكامل إلى العلاقات؟
مصالح متبادلة و اقتناص فرص
منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018، وتأزمت العلاقات السعودية التركية و تعالت دعوات داخل المملكة وعدد من الدول العربية الداعمة للنظام السعودي إلى مقاطعة المنتجات والسلع التركية!
و لكن بعد سنوات من القطيعة غير الرسمية في العلاقات التجارية بين البلدين جاء الوقت كي تستغل السعودية التي تسعى للخروج من العدالة في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي الفرصة وتلعب على وتر العلاقات التجارية و الاقتصادية بين البلدين حيث تعاني تركيا من مجموعة ضغوط اقتصادية وتتطلع إلى إصلاح العلاقات مع المملكة، ما دفع تركيا إحالة القضية فجأة إلى الرياض!
وجاء قرر الرئيس رجب طيب أردوغان التضحية بالجهود التركية للسعي لتحقيق لكشف ملابسات القتل الوحشي لكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي و تعرية النظام السعودي ، على ما يبدو على أمل جذب الدعم المالي السعودي والاستثمار للاقتصاد التركي الذي دمره التضخم. و عكس القرار حينها رغبة واضحة من أردوغان لتحسين العلاقات التركية السعودية وجني ثمار مالية كما فعل مع الإمارات و تحديداً مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
من الجدير بالذكر أن تركيا تواجه أزمة اقتصادية برزت خلال أزمة الديون التركية في عام 2018 ، عندما تراجعت قيمة الليرة التركية ، مما أدى إلى دوامة تضخمية وصلت إلى 54 في المئة في الربع الاول من العام الحالي.
في عام 2018 ، خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته في البرلمان التركي، ومع اقتراب موعد الانتخابات ، قد يعتمد مستقبل أردوغان السياسي على تأمين مصادر جديدة للاستثمار الأجنبي والدعم المالي . جعل تركيز أردوغان ينصب على تصفير المشكلات الإقليمية بشكل رئيسي و تحويل الأولويات نحو الاهتمام بالاقتصاد.
أهداف سياسية مشتركة
إضافة إلى جهوده لتحسين العلاقات مع السعوديين والإماراتيين، سعى أردوغان أيضًا إلى تحسين العلاقات مع الكيان الاسرائيلي ، والتي كانت متوترة منذ أكثر من عقد. ففي عام 2010 ، سعى أسطول من السفن التركية التي تحمل آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة. وتدخل الجيش الإسرائيلي لوقفهم وقتل عشرة مدنيين أثناء قيامه بذلك.
منذ ذلك الحين ، سلط أردوغان الضوء بشكل متكرر على محنة الفلسطينيين أثناء تقديم الدعم الدبلوماسي لحركة حماس ، بما في ذلك توفير ملاذ لقادة الحزب في تركيا. وردت إسرائيل بالتحالف مع اليونان خصم تركيا وكذلك جمهورية قبرص ، بإجراء مناورات عسكرية مشتركة ، والشراكة في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط. ولكن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة أشارت إلى إعادة ضبط موقف أردوغان و تغيير الوجهة السياسية لتركية.
وعلى الرغم من العقد السابق من التناقض ، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية طويلة الأمد: كانت تركيا أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل في عام 1949 ، وبتشجيع من إدارة رونالد ريغان ، طور جيشها علاقات وثيقة بشكل خاص مع الدفاع الإسرائيلي القوات خلال الثمانينيات. وعلى الرغم من جهود أردوغان لمناصرة القضية الفلسطينية ودعم الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، ظلت العلاقات التجارية التركية الإسرائيلية قوية .
بالنظر إلى الدرجة الناشئة من التعاون بين إسرائيل والإمارات والسعودية والولايات المتحدة ضد إيران ، فإن جهود أردوغان الأخيرة لمتابعة علاقات أوثق مع كل من هذه الدول قد تعكس ليس فقط اهتمامه بكسب الاستثمار الأجنبي ولكن أيضًا حسابات استراتيجية في المنطقة وخصوصاً بعد تخلي عدد من الدول عن قضية المسلمين الأولى و تطبيعهم مع الكيان الاسرائيلي.
مصلحة السعودية من تقاربها مع تركيا
بقدر حاجة تركيا إلى إعادة ترميم علاقاتها مع السعودية، بالنظر إلى ثقلها الإقليمي والإسلامي، فإن التحوّلات الكبيرة التي طرأت على الوضعين الإقليمي والدولي، خلال العامين الماضيين ورغبة الولايات المتحدة، الراعي الرئيسي لأمن منطقة الخليج، في فك ارتباطها بالمنطقة، تجعل من استعادة العلاقة مع أنقرة ضرورة ملحة للرياض، في سياق استراتيجية التحوّط التي تنتهجها السعودية للحد من تداعيات هذه التحولات عليها وتحويلها إلى فرص لبناء شراكات إقليمية جديدة. علاوة على ذلك، فإن نجاح تركيا في تكريس حضورها الإقليمي على مدى العقد الماضي وتحوّلها إلى لاعب رئيسي في كثير من قضايا المنطقة، فضلاً عن امتلاكها قدراتٍ عسكرية كبيرة تجذب اهتمام السعودية بها. لقد أظهرت الصناعات الدفاعية التركية، على وجه التحديد، نجاحاً كبيراً وتُجري الإمارات منذ فترة محادثات مع أنقرة لشراء الأسلحة. ومن المرجّح أن تهتمّ السعودية أيضاً باقتناء الأسلحة التركية. في مارس/ آذار من العام الماضي، كشف أردوغان عن تلقي طلب من السعودية لشراء طائرات دون طيار تركية، ويُمكن أن تؤدّي العلاقة الجديدة مع الرياض إلى تحقيق هذا الهدف.
على صعيد آخر، تنظر تركيا بأهمية كبيرة إلى العلاقات الجديدة التي تقيمها مع السعودية والإمارات لمساعدتها في عملية إصلاح العلاقات مع مصر. من المرجّح أن يزداد زخم هذه العملية في الفترة المقبلة، حيث سيكون في وسعهما لعب دور إيجابي في تسريع المصالحة بين أنقرة والقاهرة. مع ذلك، سيواجه أي تعاون إقليمي بين تركيا والسعودية معضلة اختلاف مقاربة البلدين للدور الإيراني في المنطقة. ففي حين أن الرياض سترغب في دفع أنقرة إلى الانخراط في تكتل إقليمي واسع ضد إيران، فإن لدى تركيا دوافع كثيرة تجعلها تتبنّى نهجاً حذراً في هذه المسألة. لدى أنقرة وطهران علاقات اقتصادية واسعة، وعامل الجغرافيا يفرض عليهما الحفاظ على مستوى مقبول من العلاقات لمواصلة إدارة التنافس الإقليمي بينهما بأقل الأضرار. وعلى صعيد الملف النووي الإيراني، تتبنّى تركيا نهجاً مختلفاً عن السعودية، وتدعم إعادة إحياء الاتفاق النووي. ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى قلقها من أن يؤدّي فشل إعادة إحياء الاتفاق والتصعيد الإقليمي المتزايد إلى إطلاق سباق تسلح جديد في المنطقة، وانحراف طهران نحو عسكرة قدرتها النووية.
من طرف آخر، لدى المستثمرين السعودية قوة جذب تجاه الاستثمار في تركيا يمكن تلخيص أسبابها في التالي:
فرصة الحصول على الجنسية التركية:
من الأسباب الرئيسية التي تدعم أي أجنبي للاستثمار في تركيا ولا سيما في المجال العقاري هي الرغبة الكبيرة في الحصول على الجنسية التركية ويكون ذلك عندما يكون سعر العقار لا يقل عن 400 ألف دولار أمريكي وأيضاً يجب الالتزام بعد بيع العقار قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ شراءه.
تعتبر الجنسية التركية واحدة من أهم الجنسيات في العلم وذلك نتيجة طبيعية للامتيازات التي يمكن الحصول عليها من خلالها.و في ظل الفساد المنتشر في مفاصل الحياة السعودية و سيطرة العائلة المالكة على ثروات البلاد يجد المستثمر السعودي هذا الأمر بمثابة فرصة تدفعه لاستثمار أمواله في تركيا
الحصول على عائد وفير ومجزٍ
يمكن للمستثمر أن يحصل على ربح وعائد وفير من خلال المستثمر في تركيا وذلك لأسباب عدة من أهمها: الكثافة السكانية العالية التي تشهدها تركيا، التوافد الأجنبي الذ زاد من الطلب على العقارات وعلى كافة المجالات الأخرى، المواسم السياحية الكثيفة التي تشهدها تركيا باستمرار والتي تزيد من الطلب على مختلف المجالات والعقارات.ارتفاع أسعار العقارات في تركيا بشكل مستمر، ارتفاع تكاليف مواد البناء، تغير قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية (كانت فرصة للكثيرين لتحقيق الفوائد والأرباح).
الاستقرار الأمني الذي تشهده تركيا
بالمقارنة مع دول الشرق الأوسط و التي يستحيل أن تكون بيئة مناسبة للاستثمار في ظل الظروف الراهنه التي تشهدها بين الحين و الآخر إضافة إلى الموقع الاستراتيجي للدولة التركية الذي يتوسط العالم والقريب من الوطن العربي. و لا يمكن إغفال التسهيلات الكثيرة التي تقدمها الحكومة التركية مثل التخفيضات الضريبية وغيرها من إجراءات يسيرة لتسيير المعاملات الرسمية.