الوقت- في بداية الحرب السورية، كانت الجماعات الإرهابية التي كانت تتفشى في أراضي هذا البلد بسبب المساعدة الشاملة من الغرب وعملائه الإقليميين، تفوز ببعض الانتصارات المؤقتة، وكانت تستعد لإحياء الخلافة المزعومة. والآن بعد أكثر من عقد من الزمان، لا أنباء عن هؤلاء الداعمين الأجانب ولا قوة متبقية بين التكفيريين لتحقيق أهدافهم. والجماعات الإرهابية العالقة في زاوية الحلقة بعد أن تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من تحرير العديد من المناطق المحتلة التي تصطدم فيما بينها من حين لآخر. إن المثلث العبري - العربي - الغربي، الذي كان حتى وقت قريب يدعم هذه المجموعات ويستخدمهم للدخول في صراعات لمنع نشوب صراعات بين الإرهابيين وتوحيدهم ضد الحكومة السورية، لكن الآن لا يوجد من يقيم تحالفا بين هذه الجماعات الإرهابية. ونتيجة لذلك، دخلت تلك الجماعات في صراعات فيما بينها.
وأفادت تقارير إعلامية، في الأيام الأخيرة، بأن الاشتباكات بين الجماعات الإرهابية الموالية لجبهة النصرة والجماعة المعروفة باسم "عسكر الحمزة" من جهة، والمجموعة المعروفة بـ "اللواء الثالث" المحسوبة على جبهة النصرة وجماعة "الجيش الوطني" الإرهابية وبدعم من تركيا، من جهة أخرى، بدأت عملياتها الهجومية بالفعل في محاور مختلفة في مدينة عفرين الواقعة شمال غرب سوريا. وحسب التقارير، قُتل وجُرح 40 شخصًا من الجانبين خلال هذه الاشتباكات ولم تتوصل مفاوضات هذه المجموعات لوقف إطلاق النار إلى نتيجة.
وبدأت الاشتباكات بعد اعتقال اثنين من كبار قادة جماعة الحمزة من قبل ما يسمى اللواء الثالث الجماعة الإرهابية المعروفة باسم الجبهة الشامية لإثبات تورطهما في اغتيال ناشط إعلامي. يذكر أن جبهة النصرة سيطرت على 5 قرى في عفرين، كما سيطرت جماعة جبهة الشامية الإرهابية على 4 قرى وطردت العناصر الإرهابية من جماعة الحمزة. وتعتقد مصادر محلية أن جماعة النصرة الإرهابية تواصل عملياتها العسكرية لاحتلال مدينة اعزاز وهذه المدينة هي أكبر مقر للجماعة الإرهابية الموسومة بالجيش الوطني. وهذه المجموعات، التي تعرف أنها لم تعد تملك قوة الماضي لاحتلال مناطق جديدة في سوريا، لذلك يحاول كل منهم تطوير أراضيهم في المنطقة الخاضعة لسيطرة الإرهابيين والاستيلاء على قيادة مجموعات أخرى.
وحول هذا السياق، كشفت بعض التقارير أنه لليوم الخامس على التوالي، تواصل "هيئة تحرير الشام" الإرهابية (الاسم الحالي لجبهة النصرة المنشقة عن تنظيم القاعدة)، هجومها على فصائل ما يعرف بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بالتحالف مع "فرقة الحمزة" و"فرقة السلطان سليمان شاه"، بهدف تغيير خارطة النفوذ في منطقة شمالي حلب، عبر السيطرة على مدينة عفرين الاستراتيجية وعدد من القرى المحيطة بها، والتي تقع ضمن منطقة العمليات التركية المعروفة باسم "غصن الزيتون"، ما دفع البعض الى تشبيهه بـ "صراع العروش".
هذا وقد استطاع هذا التحالف من دخول الى المدينة، عبر أرتال عسكرية مدججة بالأسلحة المتوسطة والرشاشات، من دون حصول مواجهة مع أي طرف، وتمكن من تطويقها عبر كل الجهات وفرض سيطرته على المدينة بشكل كامل. بينما انسحبت "الجبهة الشامية"، التي تضم فصائل "الفيلق الثالث" و"جيش الإسلام" باتجاه مدينة أعزاز شمال مدينة عفرين، بعد خسارتهم مناطق جنديرس والمعبلطي والترندة وقرزيحل وكفرشيل ومناطق أخرى، وسط جو يسوده الترقب والحذر، ما دفع ببعض المجموعات الإرهابية الى إعلان حيادهم وعدم المشاركة القتالية لصالح أي طرف.
خوف التكفيريين من تقليص الدعم التركي
تأتي الجولة الجديدة من الصراع بين الجماعات الإرهابية بعد أن اتخذت تركيا مؤخرًا، باعتبارها الداعم الأكبر لهذه الجماعات، طريق تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، كما عُقدت اجتماعات بين مسؤولي البلدين. ويخشى الإرهابيون من تغير موقف الحكومة التركية وميلها لدمشق، ويعتبرون هذا العمل طعنة في الظهر لانها تركتهم في أيدي الجيش السوري وحلفائه بعد عقد من الدعم.
ولإظهار حسن نيتها للحكومة السورية، أمرت تركيا المعارضة السورية بإغلاق مكاتبها في تركيا ومغادرة البلاد في الأشهر الأخيرة، ما تسبب في توتر العلاقات بين المعارضة في دمشق وأنقرة. بالنظر إلى أن الصراعات الإرهابية الأخيرة تدور في مناطق سيطرة القوات التركية والمجموعات التي تدعمها، تخطط جبهة النصرة للانتقام من تركيا باحتلالها لهذه المناطق، لأن هذه المجموعات ذهبت إلى إدلب بهذا الهدف منذ سنوات قليلة. وقبل ذلك، كانوا يعتقدون أنهم سيظلون دائمًا مدعومين من تركيا، لكن سلطات أنقرة صححت أخيرًا مسارها الخاطئ وفضلت دمشق على الإرهابيين لمصالحها الخاصة. حتى الآن، لم يهاجم إرهابيو إدلب المناطق التي تسيطر عليها تركيا لأنهم اعتبروا هذا البلد حليفهم، لكن مع إدارة أنقرة ظهرها لهذه الجماعات، لم يعودوا يرون ضرورة للاعتبارات الأمنية.
كانت تركيا الداعم الأكبر للتكفيريين ودائماً ما عززت هذه الجماعات بالسلاح، لكن التغيير في نهج أنقرة تسبب في انخفاض حجم الدعم للإرهابيين. لقد ذكرت السلطات السورية أن أحد شروط التطبيع هو تعاون تركيا في تحرير المناطق المحتلة من أيدي الإرهابيين وعدم دعم هذه الجماعات، لذا فإن بعد أنقرة عن هذه الجماعات فرصة جيدة للقوات السورية لتأخذ أجزاء منها من المناطق الشمالية التي تخضع حاليا لاحتلال التكفيريين. لقد كان تواجد القوات التركية حول حلب في السنوات الأخيرة أكبر عقبة أمام عمليات الجيش السوري، ومع خروج الأتراك سيكون الطريق ممهداً لتقدم الجيش للسيطرة على هذه المناطق.
إن محافظة إدلب هي الآن المقر الوحيد للجماعات الإرهابية، وهذه المحافظة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 3.7 ملايين نسمة، يديرها إرهابيون. ونظرًا لوجود مليوني مدني سوري في إدلب، من سكان هذه المنطقة القدامى، الذين وافقوا عن غير قصد على العيش القسري مع هذه الجماعات ولا يُسمح لهم بالمغادرة، فقد جعل من الصعب تنفيذ عمليات واسعة النطاق لتحرير إدلب. وبما أن الإرهابيين ارتكبوا جميع أنواع الجرائم بحق الشعب السوري وعاملوه بطريقة غير إنسانية، فإن مثل هذه الأعمال أثارت استياء الناس ويمكن أن يؤدي استمرار هذه الجرائم إلى التحريض والتمرد ضد الإرهابيين. ويلاحظ أهالي إدلب الآن أن هناك أمنًا وسلامًا كاملين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وقد يغيرون طريقهم ويتجهون نحو دمشق للتخلص من الإرهابيين. لقد أصدر الرئيس السوري بشار الأسد عفوا عاما عدة مرات وقال إنه لن يعاقب من يعود إلى أحضان الحكومة، ولهذا السبب فإن هذه القضية يمكن أن تؤثر على القرارات المصيرية للمدنيين في إدلب.
خلال السنوات الماضية، أظهر الإرهابيون أنهم ليسوا محسنيين لأهالي إدلب، وخلافًا لادعائهم بأنهم يدافعون عنهم ضد الجيش السوري، لكنهم في الحقيقة يستخدمون المدنيين كدروع بشرية حيث لا تستطيع القوات السورية استعادة إدلب. كما استخدم إرهابيو داعش هذا التكتيك عدة مرات في السنوات الماضية، وباحتجازهم مدنيين كرهائن، حاولوا تعطيل تقدم الجيش السوري. المؤكد أن الجيش السوري الآن في موقع متفوق عسكرياً واستطاع أن يفرض الأمن في معظم مناطق البلاد، ومع عودة المؤيدين التكفيريين إلى دمشق، كل شيء يسير لمصلحة سوريا، ومع توقف المساعدات الخارجية للارهابيين، يمكن للقوات السورية من خلال عملية ساحقة إزالة لفائف الإرهابيين إلى الأبد من خلال تحرير إدلب.