الوقت- الساحل الأفريقي الشرقي والذي يعتبر بوابة البحر الأحمر وبداية المحيط الهندي من المفترض أن يكون هو الأغنى والأكثر رفاهية في العالم أو على الأقل في منطقة، لكن الحقيقة هي العكس تمامًا فهذه المنطقة هي الأفقر والأكثر قسوة في العالم، وذلك لعدةِ أسباب أبرزها وأساسها هو الاستعمار الذي دائمًا ما يغذي الصراعات والنزاعات في هذه المناطق بهدف سرقة ثرواتها وخنقها وإبقائها تحت هيمنته وألا يكون لها رأي أو قوة في النهوض والاستفادة من ثرواتها وقدراتها البشرية واللوجستية، وأن تبقى غارقة في بحر الظلام والاضطهاد والعنصرية والحروب الأهلية والأميّة والجهل، وأن تبقى بحاجة لنور الغرب الذي يضيئه لها وقتما يشاء وفي المكان الذي يريده هو ويرسم لهذه الدول الطريق الذي يريد لها أن تسلكه.
آخر هذه الدول التي يستعبدها الغرب حرفيا وعلى رأسها الولايات المتحدة هي الصومال، هذه الدولة التي تتمتع بموقع استراتيجي جدًا وخصوصًا على طريق التجارة الدولية، حيث إنها في جنوبها هي مطلة على المحيط الهندي، وفي شمالها تطل على بحر عدن عند مضيق باب المندب بوابة البحر الأحمر طريق التجارة البحرية الدولي، على الخريطة يجب أن تكون الصومال دولة غنيّة لأن التجارة تمر عبرها، ولكن في الواقع هذه البلد عكس ذلك تمامًا، حيثُ إن كل شيء يفتك بها سواء أمنيًا أو لوجستيًا وحتى طبيعيًا وآخر الكوارث التي حلت بها هي الجفاف والمجاعة، فقد حذرت الأمم المتحدة من أن مليونا و400 ألفَ طفل يواجهون سوء التغذية في البلاد هذا العام وسط فترة جفاف تاريخية لمدة عامين وقد يؤدي ذلك إلى وفاة نصف مليون طفل، وهو وضع لم يشهد له مثيل منذ أكثر من 40 عامًا. فقد أضطر أكثر من 750 ألف شخص هناك إلى النزوح من منازلهم في جميع أنحاء البلاد بحثًا عن الطعام والماء والمراعي. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات الجوع المتأزمة في الصومال من حوالي خمسة ملايين إلى أكثر من سبعة ملايين في الأشهر المقبلة، ويتفاقم ذلك بسبب آثار تغيّر المناخ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
هذه المجاعة والكارثة الإنسانية لم تجعل الدول الغربية تتحرك من اجل مساعدة الصومال، وتركت البلاد الفقيرة التي تواجه حربا أهلية إرهابية في وجه المجاعة، على الرغم من منشادات الامم المتحدة لمساعدة الصومال، واستغلت الدول الغربية هذه المأساة لكي تروج لدعاية مضادة لروسيا في العالم، بأنها بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، منعت سفن الحبوب من الوصول إلى الصومال والدول الأفريقية الفقيرة، ولكن عندما فتحت روسيا الطريق ووقعت اتفاقية مع أوكرانيا بوساطة تركية بشان حركة سفن الحبوب، لم تذهب هذه البواخر إلى افريقيا والصومال، بل ذهبت إلى الدول الأوروبية فقط، وهو ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أكد أن الغرب لم يكن نزيهًا بما فيه الكفاية فيما يتعلق بصفقة شحن الحبوب من أوكرانيا لكون معظم الشحنات لم تتوجه إلى الدول الأشد فقرًا كما تم إعلانه.
وأضاف إنه وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأُمم المتحدة، والذي يتضمن مساعدة البلدان المحتاجة، تم تحميل سفينتين فقط من أصل 87، حيث تم تصدير 60000 طن فقط من المواد الغذائية من أوكرانيا إلى الدول المحتاجة من أصل 2 مليون طن. وهذا يمثل 3% فقط، وهذا الرقم يشكل كارثة، فكيف ان ثلاثة في المئة مما صدرته أوكرانيا من الحبوب بعد الاتفاق ذهب إلى الدول الفقيرة والباقي ذهب إلى الغرب الذي يرى نفسه أعلى وأهم من الأفارقة، وذلك في تجلٍ لأبشع صور العنصرية في العالم.
الدول الغربية تقول إنها تقوم بصرف الأموال على مزاعم إيجاد الديمقراطية في الدول الأفريقية الفقيرة مثل الصومال، ولكن على أرض الواقع يكون الأمر مغايرًا، حيث إن الأوروبيين يعاملون الافارقة بدرجة أقل منهم والدليل ما يحصل في الصومال، فغذاؤهم ومالهم يذهب إلى أوروبا وحسب معتقدات وأفكار الغرب الأسود المختلف باللون ليس إنسانًا، وهو ما يطرح سؤالًا لماذا لا يريد الغرب إعطاء الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية التي تنقذ البشر من الموت للدول الفقيرة. وبالتالي بات من الضروري إعادة النظر في العلاقات مع الغرب، الذي يحتقر ويضطهد من يختلف عنه، وعلى العرب والمسلمين التكاتف في مساعدة الصومال وكل الدول الفقيرة في الخروج من هذه المحنة التي ربما تعتبر كارثة القرن.