الوقت- فيما یتصل بدور السعودية في ليبيا، يجب القول إنه بعد تطورات الصحوة الإسلامية في غرب آسيا و شمال أفريقيا، تدخّل هذا البلد في ليبيا بشکل واضح علاوة علی تدخّله في دول مثل العراق و مصر و سوريا، و لازال هذا التدخل قائماً، و يمكن الإشارة في هذا المجال إلى دعم هذا البلد في الأبعاد المالية والإعلامية واللوجستية والتدريبية لبعض الجماعات المنخرطة، الأمر الذي زاد من عمق الأزمة في ليبيا.
لم توافق السعودية علی تطورات الصحوة الإسلامية منذ البداية، ولكن بالنسبة إلی الثورة الليبية وسقوط القذافي، فقد اتخذت موقفاً مختلفاً عن موقفها حیال مصر واليمن والبحرين وتونس، ويرجع ذلك أساساً إلى العداء الشخصي للسلطات السعودية تجاه القذافي.
وعلى الرغم من أن العلاقات بین ليبيا والسعودية لم تکن جیدة جداً في زمن القذافي، ومعظم علماء الدين الليبيین قد تلقوا تعليمهم في مکان غیر السعودية، إلا أن السعودية استطاعت تحقیق دور ملحوظ لها في ليبيا خلال مدة قصیرة، وتمکنت من جذب بعض المفتين إلیها والنفوذ في وزارة الأوقاف، وفي الواقع، عملت السعودیة في ليبيا من الناحیة الفكرية والثقافية.
التدخل السعودي في ليبيا بعد سقوط القذافي، شمل دعم الجماعات السلفية المتطرفة التي هي أهم عامل لعدم الاستقرار في ليبيا. کما أن تجهيز وتسليح وتطمیع وتنظيم الشباب الليبي، والسعي لعرقلة عملية تشكيل حكومة مستقرة مازال مستمراً في هذا البلد، وهو الأمر الذي أثار قلق الكثيرين من النخبة السياسية والشعب الليبي.
وتجدر الإشارة إلى أن الصراعات الدينية وكراهية التیارات الصوفية في ليبيا تجاه الفكر الوهابي، وکذلك ابتعاد الحكومة السعودية عن تفکیر الإسلام السياسي للإخوان المسلمین، جعل قطر تلعب في ليبيا دوراً أكثر من السعودية.
لا یخفی علی أحد أن السعودية تؤید الجماعات السلفية، والسبب في ذلك أيضاً هو موقع المؤسسة الوهابية في هیکل الدولة في هذا البلد منذ إنشائه. فالسعودية التي فقدت نفوذها السابق والتقليدي إثر التغيرات في العالم العربي، تحاول من خلال دعم الإسلام السلفي إیجادَ نفوذ جديد لها في هذه البلدان، لتتمکن على هذا الأساس من الاستمرار في العمل کفاعل مؤثر في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في المستقبل.
ولکن بالنظر إلى إسلام الليبيين المعتدل، والتصوف الذي یسود المجتمع الليبي، والذي یعارض الإسلام السلفي والوهابي، فإن النسخة السلفية من الإسلام والمدعومة من قبل السعودية، تعاني من قيود خطيرة. ومن جملة أوجه القصور والنقص التي تواجهها النسخة السلفية هي غیاب الطابع السیاسي عن الإسلام السلفي، عدم التوافق مع الظروف المعاصرة، وعدم الملاءمة علی الصعيدين الإقليمي والدولي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القذافي وخلال حکمه الذي استمر 42 عاماً، قام بالدعاية المعادية للوهابية بشکل کبیر، ولذلك فإن هذا الأمر سیخلق قیوداً كثيرة علی مستقبل وجود ونفوذ السعودية في ليبيا.
والمشکلة الأخرى لحضور السعودية في ليبيا، هي الإيرادات العالية التي تمتلکها ليبيا بالقیاس مع سكانها البالغ عددهم ستة ملايين، لأن ليبيا لا تحتاج مثل مصر وتونس إلی المساعدات المالية السعودیة، وهذه القضیة تمنح ليبيا مكانةً مختلفةً عن مصر وتونس في التعامل مع السعودية.
کما أن السعودية وبعد التطورات في بلدان شمال أفريقيا، وقفت كبلد ضد تحولات الصحوة الإسلامية بشکل کامل، وكان لهذا الأمر تأثير سلبي علی بلد مثل ليبيا، التي کانت لاتزال تشهد حضور الأفکار الثورية والإسلامية فیها.
لذلك، وعلى الرغم من توفر بعض الظروف لنشاط وحضور السعودية في ليبيا بشکل فعال وجاد أکثر من قبل، ولكن وفقاً لعناصر مثل عدم حاجة ليبيا إلى المساعدات المالية السعودية، ونظرة الشعب الليبي المعادیة للوهابية إلی هذا البلد، فإن الآفاق المستقبلية للعلاقات بين ليبيا والسعودية ليست واضحةً.