الوقت_ في الوقت الذي يسعى فيه البيت الأبيض لمحاولة محاربة محاسبة "إسرائيل" على جريمة إعدام الصحفيّة الشهيرة شيرين أبو عاقلة، حثت عائلة الصحفية الفلسطينية التي تحمل الجنسيّة الأميركية والتي قُتلت خلال تغطيتها عملية إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائها معه قبل أيام على المطالبة بمحاسبة تل أبيب، لكن الإدارة الأميركية رفضت دعوات لإجراء تحقيق مستقل خاص بها، حيث نشرت تقارير أجنبيّة كثيرة حول محاولة الولايات المتحدة دفن تقارير حول مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وقد اتُهمت واشنطن بمحاولة دفن نتائج تحقيقها في مقتل أبو عاقلة، وتعرضت لانتقاد بسبب تصريحات بدا وكأنها تنقذ "إسرائيل" من مسؤولية مقتل الصحفية الفلسطينية - الأمريكية، في ظل اتهامات من الفلسطينيين بأنّ الموقف الأمريكي من التحقيقات ومحاولته تبرئة جيش الاحتلال يفضح الأمريكيّ المتواطئ على الدوام مع الاحتلال وجرائمه، على الرغم من أن الصحفيّة أُعدمت بنيران جنديّ إسرائيليّ من مسافة حوالي 180 مترا وفقاً لتحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قبل مدّة.
تواطؤ أمريكيّ
جاء لقاء أقارب أبو عاقلة مراسلة الجزيرة المخضرمة التي قُتلت في 11 أيار/مايو مع بلينكن في واشنطن بعد محاولتهم دون جدوى لقاء الرئيس الأمريكيّ جو بايدن خلال زيارته للأراضي الفلسطينيّة المسلوبة والضفة الغربية المحتلة في وقت سابق من هذا الشهر، يؤكّد الجميع أنّ أميركا لا يمكن أن تقدم للفلسطينيين إلا ما أثقبت به واشنطن مسامعنا ويدعم الاحتلال والآلة العسكرية للعدو، فيما يواصل المجرمون الصهاينة قتل وطرد الفلسطينيين وقضم أراضيهم، والإكثار من التشويش على اغتيال شيرين أبو عاقلة، في تأكيد على قذارة الموقف الأمريكيّ تجاه فلسطين السليبة وبالأخص حول هذه الجريمة التي نفذتها قوات العدو الإسرائيليّ بحق الصحفيّة الشهيرة التي كانت تعمل مراسلة في قناة الجزيرة القطريّة في جنين بالضفة الغربيّة المحتلة أثناء تغطيتها اقتحام العصابات الصهيونيّة لجنين قبل أشهر، والتي دفعت العالم بأسره للتنديد بالتصرفات الوحشيّة التي قامت بها القوات الإسرائيليّة، باعتبار أنّ أبو عاقلة عملت مع مجموعة كبيرة من وكالات الأنباء العربية والدولية لتغطية الأحداث الكبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووثقت لسنوات طويلة اعتداءات قوات الاحتلال وجرائمهم.
وفي ظل المحاولات الأمريكيّة لإخفاء معالم الجريمة الواضحة كعين الشمس، والقول إن رصاصة انطلقت من موقع إسرائيلي “من المحتمل أنها المسؤولة عن مقتل أبو عاقلة” واستبعادها أن يكون القتل متعمدا، بل نتيجة ظروف زعمت أنّها "استثنائية"، قالت لينا أبو عاقلة ابنة شقيق شيرين البالغة 27 عاما لوكالة فرانس برس أمام مقر وزارة الخارجية الأميركية بعد اجتماع استمر قرابة ساعة مع بلينكن “نحن مستمرون في المطالبة بالمحاسبة والعدالة لشيرين، وإذا لم تكن هناك محاسبة على جريمة قتل شيرين، فإن هذا يعطي بطريقة ما الضوء الأخضر لحكومات أخرى لقتل مواطنين أميركيين".
وفي هذا الشأن، أوضحت لينا أن بلينكن أقر بمخاوف الأسرة من الافتقار إلى الشفافية متعهدا “بإنشاء قناة تواصل أفضل"، مؤكّدة أنّه لم يلتزم بأي شيء بشأن دعوات الأسرة لإجراء تحقيق أميركيّ مستقل في مقتل شيرين التي تحمل أيضا الجنسية الأميركية، وذلك بالتزامن مع المساعي الأمريكيّة للتستر على الجريمة الإسرائيليّة الشنيعة التي هزت العالم، على الرغم من أنّ الإعلام الأمريكيّ والغربيّ أكّد أن جنديًا تابعاً لقوات العدو الإسرائيليّ أطلق الرصاص عمداً على أبو عاقله، وهذا واضح من مقاطع الفيديو التي انتشرت عقب مقتل الصحفية، حيث أجمع العالم على شناعة الجريمة التي ارتكبتها العصابات الصهيونيّة بحق الصحفيّة الشهيرة، وحملوا القوات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الجريمة بحق أبو عاقلة التي قضت خلال قيامها بواجبها الصحفي لتوثيق الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال.
جريمة واضحة
منذ ارتكاب الجريمة الشنيعة بحق شيرين أبو عاقلة حاولت إسرائيل والإدارة الأمريكية دفن هذا الأمر، ما أظهر من جديد حجم لا مبالاة الأمريكيين في موقفهم من حياة الفلسطينيين وكرامتهم، حيث إنّ تلك القضية أظهرت حقيقة إرهاب الاحتلال الإسرائيليّ الغاشم ووحشيته، وبينت كعين الشمس مدى استهتار تل أبيب بالإنسانيّة وبالرأي العام العالميّ وبالقيم والأعراف الدوليّة، وما تسببت به من إهانة للكرامة الوطنية للشعب الفلسطينيّ، في محاولة مستميتة للتملص من المسؤولية والتنصل من الجريمة البشعة والافشال المتعمد لجهود محاكمة العدو ومحاسبته على جريمته.
وبما أنّ شيرين أبو عاقلة كانت تضع سترة واقية من الرصاص كتب عليها كلمة “صحافة” وتعتمر خوذة عندما أصابتها رصاصة في الرأس في 11 أيار/مايو في محيط مخيم اللاجئين في جنين، معقل الفصائل المسلّحة في الضفّة الغربيّة المحتلّة حيث كانت القوات الإسرائيلية تنفّذ عملية، ولم يكن أي مقاتل فلسطيني على مسافة قريبة من الصحفية فيما كان جنود صهاينة على مسافة حوالى 200 متر، يرى الفلسطينيون أنّه من الخطأ الفادح السماح للولايات المتحدة بالمشاركة في التحقيق نتيجة لتبعيّة الكيان لها، بعد التأكّد بشكل قاطع من قتل "إسرائيل" للصحفيّة، وخاصة أنّ واشنطن غضّت الطرف عن تحقيقات الصحافة الأمريكية التي أجرت تحليلات لأكثر من 60 مقطع فيديو ومنشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي وصورًا لجريمة الاغتيال، إضافة إلى فحصين ميدانيين للمنطقة، ناهيك عن التحليلات الصوتية المستقلة لأصوات إطلاق النار، وجميعها التقت عند حقيقة أن التحليل الصوتي لإطلاق النار الذي أدى إلى مقتل الصحفية المعروفة يشير إلى أن شخصاً أطلق عليها الرصاص من مسافة تقريبيّة تطابق المسافة بين الصحفيين ودورية قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت في المكان، وقد أظهر تحليل الصور المتوافرة ولقطات الفيديو وبيانات شهود العيان، بما لاشك فيه أن جنديا إسرائيلياً هو من أطلق رصاصة الإعدام الميداني.
وقد أصدرت الولايات المتحدة في الرابع من تموز/يوليو بيانا قالت فيه إن شيرين أبو عاقلة أصيبت على الارجح بنيران إسرائيلية لكن لا يتوافر اي دليل على أن قتلها كان متعمداً، وأن الرصاصة كانت متضررة جدا حيث لا يمكن التوصل إلى “استنتاج نهائي”، رغم تأكيد النائب العام الفلسطيني، أن الرصاصة هي من عيار 5,56 ملم وأُطلقت من بندقية قنص نصف آلية من طراز “روجر ميني-14” وهو سلاح يستخدمه جيش العدو، وقد انتقدت عائلة أبو عاقلة هذا البيان في وقت تسرح فيه "إسرائيل" وتمرح على التراب الفلسطينيّ وترتكب أبشع الجنايات بحق هذا الشعب وغيره في المنطقة.
ومع مطالبة الأسرة بسحب البيان الذي استند في جزء منه إلى مراجعات أميركية للتحقيقين المنفصلين الإسرائيليّ والفلسطينيّ، تسعى واشنطن لغض الطرف عن كل التحقيقات والأصوات والأدلة التي تدين "إسرائيل" وتحاول كتم صوت القضية العالميّة تلك لمصلحة ملفات أخرى على ما يبدو، في ظل البراهين والأدلة الكثيرة التي تدين تل أبيب وجنودها القتلة وتحميل الكثير من الدول والمنظمات الدوليّة المسؤوليّة لـ "إسرائيل" وعصاباتها الصهيونيّة في قضية إطلاق النار العمد وقتل أبو عاقلة التي كانت ترتدي زيّ الصحافة ودرعه، وذلك بالتزامن مع محاولات جيش العدو الغاصب تبرئة نفسه من دم أبو عاقلة.