الوقت_ عقب الحديث عن أنّ حركة "حماس" بدأت تتخذ خطوات جديدة متمثلة في تحسين العلاقات مع سوريا التي دعمتها لسنوات طويلة حتى عام 2012 نتيجة انقلاب الحركة الإسلاميّة على دمشق، نصح وفد من علماء مسلمين حماس بمراجعة قرارها باستعادة العلاقة مع سوريا بسبب ما يترتب عليه من “مفاسد عظيمة” حسب زعمهم، وذلك لمنع القيادات الجديدة في الحركة من اتخاذ هذه الخطوة المهمة، بعد أن تخلى بعض قياديي الحركة السابقين عن قلب العروبة النابض التي قدمت كل ما بوسعها وأكثر للدفاع عن مبادئها وعانت ما عانته منذ أكثر من عقد لهذا السبب، وتأتي تلك الدعوات بعد أن حولت بعض الدول العربية والغربيّة سوريا إلى ساحة مفتوحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيمات داعش والنصرة والقاعدة المتطرف، رغم أنّها تشكل خطراً حقيقيّاً ليس فقط على سوريا وأمنها القوميّ، بل أيضاً على الدول المجاورة والعالم بأسره.
في حال اتخذت "حماس" خطوة للوراء في هذا الملف فإنّها كمن يزرع رُمحاً في صدره، ما يعني باختصار أنّ الحركة لم تتعلم من تجربة الدعم التركيّ والقطريّ المشكوك بأمره منذ البداية، إضافة إلى تجربة حماس الفاشلة في الانضمام إلى صفوف مؤيدي الجماعات المتمردة في سوريا بل ودعمها كذلك، وخاصة أنّ سوريا اليوم مختلفة تماماً عن الأمس وبالأخص عقب الانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، وعودة بعض الدول العربيّة وحتى الأوروبيّة التي قاطعت وحاربت دمشق لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ، وإنّ عودة حماس التي لا يرغبها البعض بعد أكثر من عقد من الزمن من مغادرة الحركة للعاصمة السورية الداعمة للمقاومة الفلسطينيّة، جاء على خلفية ضغط "إخوانيّ" فُرض عليها بعد اندلاع الحرب على سوريا عام 2011، أي كما يجري الآن تماماً لثنيها عن إعادة العلاقة مع السوريين، و"من يُجرب المجرب عقله مُخرب" كما يقول المثل العربيّ.
وفي الوقت الذي لم تُعلق فيه حماس على اجتماع قيادات المكتب السياسي مع بعض ما يصفون أنفسهم برجال الدين للاستماع منهم مباشرة حول ما يتعلق بقرارهم الخاص باستعادة العلاقة مع سوريا والقيام بما زعموا أنّه "واجب النصيحة”، تؤكّد المعلومات على لسان مسؤولي الحركة أنّهم عقدوا لقاءات على مستويات قيادية عُليا لتحقيق المصالحة، وإن قراراً بالإجماع اتُّخذ لإعادة العلاقة مع سوريا، وأنّ الاتصالات مع سوريا في تحسُّن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه سابقاً، ناهيك عن زيارات عديدة أجراها قادة حماس للأراضي السوريّة.
"في القرار مفاسد عظيمة، ولا يتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية، وهذا في نظرنا يقتضي أن تقوم الحركة بمراجعته وإعادة دراسته"، هذا ما قاله بعض من يدعون أنّهم "علماء دين" تحت مزاعم “قول الحق ونصح الخلق، ويقينا بأهمية قضية فلسطين وسعيا للإسهام في القيام بحقها وحق شعبها المجاهد، وحرصا على الحركة ذات التاريخ الناصع”، وحمل البيان الذي يحاول منع عودة المياه إلى مجاريها بين دمشق وحماس توقيع كل عبد المجيد الزنداني أحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وأسامة الرفاعي رئيس ما يُسمى "المجلس الإسلامي السوري" التابع لتركيا، علي القره داغي الأمين العام لما يُسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، ونائبه عصام أحمد البشير، إضافة إلى عضو المجلس عبد الحي يوسف وأمينه العام محمد عبد الكريم الأمين و وصفي أبو زيد عضو مجلس الأمناء وسامي الساعدي أمين عام مجلس البحوث بدار الإفتاء الليبية.
ومن الجدير بالذكر أنّ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وعد بعرض كلام "العلماء" على مكتب الحركة في أقرب اجتماع له، مضيفاً: "العلماء في انتظار رد قيادة الحركة ليقوموا بالواجب الشرعيّ المناسب للموقف، والمحقق لمصلحة قضية فلسطين التي هي قضية المسلمين جميعا”، حيث تسعى "مشايخ الفتاوى الإجراميّة" كما يقول البعض منع عودة العلاقات بين حماس وسوريا، وخاصة بعد التغيرات الكبيرة التي جرت على الساحة السوريّة التي سبق وشهدت تقارباً مع أكثر الدول عدواناً على السوريين، والتي مول بعضها في بداية الأحداث الجماعات الإرهابيّة هناك، وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعل بعض "مشايخ العار" اليوم للانتفاض ضد كل ما يمكن أن يظهر غباء أسيادهم السياسيّ.
ولا يخفى على أحد أنّ حركة حماس قررت ذلك بعد أن قرأت المشهد بعناية تامة وخاصة مع التحول التدريجيّ لإقامة عدد من دول المنطقة علاقات مع "إسرائيل" وسوريا في هذا الاعتبار كانت وما زالت تشكّل لها أرضية أساسيّة ومركزيّة للمقاومة، مع تطبيع من بعض دول الدول العربيّة (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) مع "إسرائيل" عام 2020 أطلق عليه اسم "اتفاقيات السلام" أو "اتفاقيات إبراهام"، في وقت تقدّر فيه تقارير كثيرة -عربية وغربية وعبرية- قرب اتخاذ الرياض خطوات علنيّة مماثلة.
وباعتبار أنّ عودة حماس إلى دمشق التي تشكل جزءاً محوريّاً من "محور المقاومة" واستضافتها ودعمتها بشكل لا يوصف منذ عام 2000، تتمثل بالفعل في استثمار أي علاقة من قبل المقاومة الفلسطينية لخدمة قضيتهم العالمية، تريد مجموعة المشايخ -التابعة لتنظيمات ودول معروفة- إيقاف ترجمة رغبة حماس المتكررة في طيّ صفحة الخلاف عبر إرسال رسائل إيجابية في إدانة ضمّ الجولان والعدوان الصاروخي الإسرائيليّ على سوريا وشعبها، في ظل موقف سوريّ بالغ الأهميّة من تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" التي تحتل الجولان السوريّ، وهذا يتقاطع مع وجهة نظر حماس التي وجدت في ذلك "طعنة في ظهر القضية الفلسطينية".
ومن الضروريّ التأكيد على أنّ مجموعة مشايخ الدولار تلك لا ترضى بأن تعود المقاومة في غزة للتنفس من هواء دمشق لأنّ ذلك يُشكل صفعة حقيقيّة للإسرائيليين الذين يستفيدون من أدنى خلاف أو مشكلة في الداخل الفلسطينيّ وخارجه بالمنطقة، بمعنى آخر هم لا يريدون وجود أي تنسيق آخر بين دول المحور الذي سيؤدي بكل تأكيد لعمليات عسكريّة بالغة التأثر وهذا أكثر ما تخشاه تل أبيب في ظل الحديث عن تشكيل تحالفات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" وبعض الدول العربيّة ضد المقاومة، حيث إنّ لدى سوريا التي تشترك مع الفلسطينيين في عداء "إسرائيل" الكثير لتقدمه للمقاومة كما سبق فهي كانت وما زالت "الشريان الحيويّ" ضمن محور المقاومة، وهذا ما دفع الغرب وأميركا الداعمين للكيان الصهيونيّ لتدميرها وتجويع شعبها.
في النهاية، إنّ من مصلحة "حماس" المطرودة من رحمة تركيا أن تعود بملء إرداتها إلى سوريا التي كانت وما زالت وستبقى منطلقاً لتحقيق الانتصار للقضية الفلسطينية، وإنّ "مشايخ السلاطين" هدفهم الأوحد إفراغ ظهر حماس من داعم قوي كسوريا لإضعاف موقف الأمة الفلسطينية في مواجهة الصهاينة، وإنّ آخر من يجب أن يتحدث بالإسلام من كان سبباً بإزهاق أرواح مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير بلاد بكاملها.